منوعات
تأخر سن الزواج... خطر يهدد الأسرة العربية
الثلاثاء 12 يونيو 2018
5
السياسة
القاهرة- محمد اسماعيل:اقامة عائلة وانشاء أسرة ظل حلم يراود الكثير من الشباب والفتيات لكن في السنوات العشر الماضية شهد هذا الحلم تراجعا كبيرا وانخفاضا في معدلاته، فقد تغيرت نظرة الشباب والفتيات للزواج وجعلت العزوبية الحل الأنسب، حيث تبدلت فكرتهم عن كونه سكنا واستقرارا إلى كونه مسؤوليات وعلاقة غير مستقرة، ولم يعد الزواج وتأسيس عش الزوجية ضمن أهداف وأولويات الشباب والفتيات في عمر الزواج، وأصبح الكثير منهم يضعوا المزيد من القيود والعراقيل حتى لا يقدموا على هذه الخطوة.دقت دراسة اجتماعية حديثة دقت نواقيس الخطر من تراجع قياسي لمعدل الزواج الرسمي في الآونة الأخيرة، بينما تزايدت بصورة كبيرة معدلات الطلاق، ما أدي إلى انتشار المخاوف وسط قطاعات كثيرة في المجتمع، وقالت الدراسة ان قضية الزواج لم تعد تمثل الأولوية للشباب والفتيات حاليا، وأنهم أصبحوا أكثر تركيزا على التعليم والعمل، علاوة على حالة الششك التي باتت تصيب كلا من الجنسين في الطرف الآخر وامكانية تحمله لمسؤولية الحياة الزوجية أو تغير السلوك للأسوأ بعد الزواج.وأفادت الدراسة أن في مصر أكثر من 13 مليون شاب وفتاة عازفون عن الزواج، وأن عقود الزواج الرسمية تراجعت بنسبة 3 في المئة، وأظهرت الدراسات الكويتية أن 31 في المئة من الذكور لم يتزوجوا، فيما بلغت النسبة لدى الاناث 19 في المئة، وفي السعودية وصلت النسبة لــ 46 في المئة، وأكدت دراسة بدولة الامارات زيادة عدد العزاب من الجنسين بشكل ملحوظ، وفي الأردن هناك الآلاف من الشباب والفتيات تجاوز أعمارهم سن الثلاثين ولم يتزوجوا، وفي دول المغرب العربي بلغت نسبة المضربين عن الزواج من الجنسين 30 في المئة، والوضع بالعراق واليمن وسوريا ولبنان وفلسطين والسودان ليس بأحسن حالا من تلك الدول، وأشارت الدراسات إلى أن 30 في المئة من الفتيات بالمجتمعات العربية تخطين سن الــ 35 سنة، و40 في المئة من الشباب تجاوزوا الــ 45 عاما من دون زواج.تكاليف الزواجيقول طه حامد مهندس كمبيوتر ويبلغ من العمر 43 عاما ولم يتزوج أن أسباب انخفاض معدلات الزواج كثيرة في مقدمتها ارتفاع تكاليف الزواج بالاضافة إلى متطلبات أهل العروس الخيالية فكيف لشاب في بداية حياته العملية أن يلبي لأهل العروس تلك المطالب وغيرها الكثير.أسماء حسن مدرسة 33 عاما وغير متزوجة، نخفاض معدلات الزواج في مجتمعاتنا العربية يرجع للعادات والثقافات المستوردة من الخارج والتي تهتم بالماديات ولا تعير انتباها للقيم والمبادئ والأخلاق، فقديما كانت الأسرة عندما يتقدم شاب لابنتهم تبحث عن أخلاقة وتدينه ومعدن أسرته، فاذا وجدته من أسرة طيبة وذات خلق زوجته، أما الآن فالهدف الرئيسي لأهل العروس عندما يتقدم لهم شاب يطلب ابنتهم للزواج، غالبا لا يسألوا عن أخلاقه ودينه وانما يبحثوا عن غناه وشقته وسيارته ومدخراته في البنوك وثرواته العقارية وشركاته وأعماله ومرتباته.ويرجع يوسف رضوان 42 عاما، انخفاض معدلات الزواج بالمجتمع لأسباب كثيرة منها البطالة وقلة الدخل وانتشار الفقر وزيادة تكاليف ومسؤوليات الزواج، علاوة على انصراف شريحة كبيرة من الشباب للاهتمام بالتعليم والبحث العلمي وتفضيله على الزواج، بالاضافة إلى الخوف من الفشل وحدوث الطلاق وتحول الحياة بعد الزواج لجحيم لا يطاق كما تصورها وسائل الاعلام والفضائيات في المسلسلات الدرامية والأفلام السينمائية، وأيضا انعدام الثقة بين الجنسين بسبب غرف الدردشة والتعارف عبر الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي زادت من الفساد الأخلاقي والاباحية والانحراف السلوكي.وتقول سميحة حسان أمها تلح عليها في الزواج، وتقدم لها منذ أن كانت في العشرينات العديد من الشباب، غير أنها كانت ترفض بشدة وتتحجج بتكملة التعليم، ثم قامت بعمل دراسات عليا من أجل أن تتهرب من الزوج والالتزامات الزوجية، وبعد أن أنهت تعليمها لم يكن لديها عزر مقبول في تأجيل الزواج فلجأت للتعنت في مواصفات الزوج، وتصر على مطالب وشروط تجعل كل من يتقدم للارتباط بها يهرب، فهي مصرة على عدم الزواج وتريد أن تعيش لنفسها بعيدا عن تحكمات الرجل وتسلطه ومسؤوليات الأولاد التي لا تنتهي.خوف على العائلةتقول الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن عزوف الشباب والفتيات وارتفاع سن الزواج وتراجع معدلاته بات يزعج الكثير من الأسر والعائلات بالمجتمعات العربية ويقلق الحكومات ومراكز الأبحاث، وخصوصا بعد أن تجاوزت النسبة الــ 50 في المئة ممن هم في سن الزواج ببعض المجتمعات وارتفاع سن زواج الاناث من 18 إلى 35، ووصل في الذكور لــ 49 عاما، فالكثير من الآباء والأمهات يخافون من احتمال بقاء أبنائهم من دون زواج ومن غير أطفال، وهم يخشون زوال اسم العائلة، وأن لا يكون لأبنائهم ذرية يرعونهم ويقوموا على خدمتهم عندما يكبرون ويمرضون ويموتون، وغالبا ما يبذل الآباء وخصوصا الأمهات جل جهدهم لاقناع أبنائهم من الذكور والاناث بالتخلي عن فكرة عدم الزواج ويحثونهم على سرعة الارتباط ويقدموا لهم كل التسهيلات والمساعدات التي يقدروا عليها.وأضافت أن هناك سبع عوامل أساسية ساهمت بشكل مباشر في تنامي ظاهرة تراجع معدلات الزواج وتأخير سنه، أولها: العامل الاقتصادي فالزواج يتطلب نفقات وتكاليف كثيرة الشباب ليس في استطاعته القيام بها، وثانيها: البطالة التي تحول دون اقدام الشباب على الزوج خوفا من عدم القدرة على الانفاق وتلبية حاجات الأسرة، وثالثها: عدم وجود الزوجة أو الزوج الملائم فبعض الشباب له شروط محددة في الفتاة التي يرغب في الارتباط بها وكذلك الفتاه وعندما لا يجداها يعزفا عن الزواج، ورابعها: الظروف الصعبة المحيطة بالحياة الزوجية وعدم قدرة بعض الرجال على تحمل الخلافات والمشكلات والشجارات المتواترة داخل الأسرة، وخامسها: الانطباع السلبي الذي يحصلون عليه من أقرانهم المتزوجون أو من المسلسلات الدرامية التي تعرضها الفضائيات أو الأفلام السينمائية عن مشكلات ما بعد الزواج، وسادسها: بعض الذكور يخافون من عدم اقناع الاناث بشخصياتهم ويفتقدون في الوقت نفسه للثقة في أنفسهم وهم بحاجة إلى علاج نفسي يساعدهم على تجاوز هذه المرحلة والارتباط بشريكة الحياة، وسابعها: الانهماك في العمل والدراسة كأحد الأسباب التي تؤخر فكرة الزواج.وطالبت الدكتورة سامية خضر بضرورة تضافر جميع أفراد المجتمع والحكومات من أجل القضاء على هذه الظاهرة والحفاظ على النسيج الاجتماعي بالترغيب في الزوج والحث عليه والتحبيب فيه وتسهيل كل الاجراءات المتعلقة به.عواقب وخيمةيقول الدكتور محسن ناجح استشاري الصحة النفسية: ان انخفاض معدلات الزواج وارتفاع سنه له أثار وعواقب نفسية وخيمة، فالحرمان والامتناع عن تلبية الحاجة الفسيولوجية والغريزة الجنسية يصيب بالكبت والاحباط والاكتئاب والهلاوس والوساوس، كما أن التعرض للمواقع الاباحية وما تبثه من صور وأفلام وما تعرضه الفضائيات لنساء راقصات ومناظر خليعة يضاعف من المعاناة والاضطرابات النفسية للعازفين عن الزواج، كما أن انتشار الظاهرة ساعد بشكل أساسي في ظهور الفاحشة والرذائل في المجتمعات العربية وزيادة التحرش الجنسي وقضايا الاغتصاب والزنا، كما أن مفاهيم الزواج وترتيب اقامة أسرة وبناء علاقة زوجية على أسس سليمة اختفت بين الشباب والفتيات بظهور الانترنت والمواد الاباحية، وأيضا ساهمت الحرية والاباحية الجنسية التي يؤمن بها الغرب وأصبح يعتنقها شريحة عريضة من الشباب في المجتمعات العربية في تراجع الاقبال على الزواج.وأشار الدكتور محسن إلى أن أكثر من 10 في المئة يضربون عن الزوج بسبب الخوف وعدم الثقة في القدرة على تحمل المسؤولية الاجتماعية والمالية، علاوة على أن البعض يخاف من الخيانة وخصوصا أولئك الذين ألفوا العلاقات الجنسية مع أكثر من امرأة خارج مؤسسة الزواج الشرعية، وأيضا الكثير من الشباب والفتيات العازفون لا يتقبلون واقع الزواج من كثرة الضغوط النفسية الموجودة فيه، إلى جانب تفشي الطلاق المتربة عليه اضافة إلى أن وعي الشباب والفتيات بأهمية بناء البيت، وتكوين عائلة قضية ليست موضوعة ضمن أولوياتهم الفكرية والمستقبلية،.الشرع رغب في الزواجيؤكد الدكتور ياسر القاضي أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، أن الشرع ضد العزوف عن الزوج ومع الترغيب فيه، فالاسلام رغب وسن للشباب والفتيات الزواج وشرع الوسائل والأمور التي تعينهم على تحقيقه، وذلك في قول الحق سبحانه وتعالى في محكم التنزيل:(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا اِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً اِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، كما أن الزواج من سنن الأنبياء فقال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً)، وأيضا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن العزوف عن الزوج حتى اذا كان من أجل العبادة والزهد في الحياة وحث وشجع على الزواج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء).