الأربعاء 02 أكتوبر 2024
33°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كل الآراء

تأليف كتب المدارس دون إشراف علمي

Time
الثلاثاء 04 يوليو 2023
View
9
السياسة
د. حمود الحطاب

عندما عدت من مصر حيث انهيت جزءا من الدراسات العليا وحصلت على الماجستير تم تعييني موجها للتربية الاسلامية؛ وادركت بعد فترة من تعييني بلجنة التربية الاسلامية التي تعمل لبناء منهج مطور للتربية الاسلامية؛ ادركتها وهي في مرحلة اولية من بداية عملها؛ وكانت برئاسة المرحوم الاستاذ دكتور محمد صلاح الدين مجاور، الذي كان يعمل في تطوير العلوم التربوية منذ اواخر الاربعينات من القرن الماضي وتطوير تدريس اللغة العربية؛ وهو ذو خبرة علمية غربية اكاديمية وعربية في بناء المناهج بمعنى عالم تربوي مخضرم قدير؛ ومن بين مؤلفاته في الخمسينات من القرن الماضي تطوير تدريس اللغة العربية مع ملاحظة أنني ولدت في سنة خمسين.
ثم اني اصبحت اجلس معه في لجنة واحدة؛ وكان هذا عظيما ومفيدا ومحرجا ايضا؛ وكان نائب الرئيس الاستاذ محمد محمد عبدالحليم الشيخ، يرحمهما الله، وكان سيادته الموجه الفني العام للتربية الاسلامية بدولة الكويت، وهو اول موجه فني عام للتربية الاسلامية بعد انفصال ادارتها واشرافها عن مادة اللغة العربية.
وقد استمرت اللجنة في عملها واجتماعاتها اليومية نحو ست سنوات لا ليلها ليل ولا نهارها نهار؛ اجتماعات رئيسة واخرى لجان منبثقة عنها، وكانت تضم في عضويتها نحو عشرين مشاركا علميا واكاديميا وتخصصيا من اساتذة الجامعة ومن التوجية الفني للمادة ومن مديري المدارس، ومن المدرسين الاوائل، والمدرسين ايضا.
وكانت تضم ايضا مدرسين اكاديميين من التعليم التطبيقي، رجالا ونساء؛ وخبراء من ادارة المناهج وخبراء من مركز البحوث التربوية لدول الخليج العربية، وخبراء من مركز بحوث المناهج في وزارة التربية؛ وكانت تضم ايضا خطباء مساجد وعلماء دين من وزارة الاوقاف.
وكان ينبثق منها بعد انتهاء اعمالها بالكامل مؤلفين لكتب التربية الاسلامية يسهرون الليل والنهار تحت اشراف مباشر من رئيس اللجنة او الموجه العام للتربية الاسلامية الذين تعينهم الوزارة؛ وكانت اللجان تعمل مدة سنة كاملة لانجاز كتاب واحد للمادة الدراسية، ووفق خريطة ومقاييس علمية وفنية، في ما يسمى التوصيف، وهو عبارة عن المذكرة التي صدرت من لجنة تطوير التربية الاسلامية، وبلغ عدد صفحاتها نحو اربعمئة صفحة توصيفا، وفيها توجيهات مباشرة لتأليف كل كتاب، ولا يجوز الخروج عن التوصيف، وأي كتاب يخرج عن التوصيف ودائرته يرسل الى ادارة المناهج لتعمل هذه الادارة على بمطابقته للتوصيف، فاذا خرج عنه تعيده للمؤلفين لازالة ما خرجوا به عن التوصيف، واعادته لهم ثانية.
فتأليف الكتب كان عملية مقننة دقيقة من هذه الناحية، ولا تأليف لاي كتاب من دون اشراف مشرف يكون في الاكثر الموجه العام للمادة، او رئيس لجنة بناء المناهج، وما ينطبق على التربية الاسلامية ينطبق على جميع المواد الدراسية الاخرى.
ثم انهار كل هذا البناء الفني فجأة بعد سنوات قليلة من تحرير الكويت، وتغيرت الادارات القيادية الوزارية، وقد سألت ومن قريب بعض مؤلفي كتب التربية الاسلامية عن اجتماعاتهم لتأليف الكتب فقالوا: لا اجتماعات لدينا، ولا رئيس لديهم، بل يؤلف كل واحد منهم حصته المقررة له، ثم "يحذفها" على ادارة المناهج ؛ فلا شمل مجتمع للكتاب، وهكذا الفت حتى كتب الابتدائي للتربية الاسلامية للسنوات الخمس دون اشراف اي اكاديمي، او الموجه العام للمادة؛ وهذه الكتب موجودة، وتستطيعون ان تقرأوا على اغلفتها انها تمت من غير اشراف ابدا.
وهذا انهيار تام لعملية بناء المناهج، فلا توصيف يضبط، ولا اشراف. والسلام على "مئة في المئة" نسبة.

كاتب كويتي

[email protected]
آخر الأخبار