الاثنين 22 سبتمبر 2025
36°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

تحف الأندلس نقلت إلى الكنائس والمتاحف الأوروبية

Time
الخميس 09 مايو 2019
السياسة
إعداد - محمود خليل:

عانى المسلمون في الأندلس، كثيراً من ظروف القهر والرقابة الدائمة التي فرضت عليهم بعد سقوط الأندلس، التي كانت محاكم التفتيش المعينة من طرف الكنيسة مسؤولة عن ترتيبها وتنفيذها.
أدت تلك الرقابة الصارمة إلى نفور شديد من قبل الموريسكيين من كل ما يأتي من قبل السلطات الصليبية، فبعد الذوبان الاجتماعي للأندلسيين القشتاليين وأندلسي الغرب، ثاروا على المسيحية التي فرضت عليهم، وبدأوا في البحث عن جذورهم الإسلامية العربية المفقودة. زاد من حدة تحول هؤلاء الاندلسيين، الذين اجبروا على اعتناق المسيحية - المسيحيون الجدد كما كان يطلق عليهم - طرد أندلسيي غرناطة إلى مناطق تواجدهم، اذ وجدوا في الأندلسيين القدامى في غرناطة، ما فقدوه قبل قرون، كما أجبر تواجدهم النصارى القدامى على عدم نفورهم من أهل غرناطة على النصارى الجدد.
لم يمر وقت طويل حتى التحم أندلسيو غرناطة مع باقي الأندلسيين في شتى المقاطعات الخاضعة لحكم القشتاليين، ما نتج عنه فئة جديدة نتيجة ظلم محاكم التفتيش، أسموها "الموريسكيون"، شكلت عنصراً جديداً في التركيبة السكانية والاجتماعية في الأندلس.


ماذا ترك المسلمون من آثار تشهد على حضارتهم التي كانت يوما زاهرة على أرض الأندلس، وتشكل منارة للفكر، الثقافة، العلم، الموسيقى، الغناء، الطب، الهندسة... الخ، ليس للمسلمين فقط، بل لأوروبا كلها، وللإنسانية جمعاء؟
لا يدرى كثيرون أن أصل تقليد ارتداء "الكاب الأسود" والروب الأسود، الذي يرتديه الخريجون في حفلات تخرجهم بكلياتهم وجامعاتهم، يعود إلى جامعات الأندلس في العصر الإسلامي، إذ كان كل من يتخرج تقام له حفلة يسير أمام أساتذته مرتديا قفطانا أخضر، واضعا على رأسه كابا أخضر عليه مصحف شريف، دلالة على التزامه بتعاليم الإسلام في ممارسة مهنته، كذلك للدلالة على أنه تخرج في جامعة إسلامية في الأندلس.
كان الأوروبيون يتفاخرون ويفتخرون أنهم تخرجوا في جامعات المسلمين في الأندلس، كما كانوا يفتخرون بأولادهم خريجي تلك الجامعات. إن ما قدمه العلماء المسلمون في الأندلس يعد مفخرة لكل المسلمين في الماضي والحاضر والمستقبل.
ما زالت أسبانيا الحالية تزخر بالآثار الإسلامية التي تدل على مدى تقدم المسلمين في الأندلس في كل النواحي الحضارية.
كان الأندلسيون يكررون المثل الشعبي "امدح البُلدان واسكن جَيّان"، وجَيّان قال عنها "أبو الطيب الرندي" في مرثيته الشهيرة:
فاسأل بلنسية ما شأن مُرسية
وأين شاطبة أم أين جَيّان
تقع مدينة جَيّان في قلب الأندلس، بينها وبين نهر الوادي الكبير غابات الزيتون الشاسعة، تحدها التلال العالية من الجنوب الشرقي ومن الغرب، حيث يقع حصنها فوق ربوة عالية تشرف على المدينة.
كانت جيّان أيام الحكم الإسلامي من أعظم قواعد الأندلس الوسطى، يشيد المؤرخون بأهميتها، عمرانها، حصانة قصبتها، لعبت في تاريخ الأندلس أدواراً مهمة. كانت أيام ملوك الطوائف أحيانًا من أعمال مملكة غرناطة، أحيانًا من أعمال مملكة ألمرية، أحيانًا أخرى من أعمال مملكة إشبيلية.
كانت جيان، عقب إنهيار سلطان الموحدين بالأندلس بعد معركة العقاب، وقيام مملكة غرناطة في الجنوب، من القواعد التى دخلت فى حوزة المملكة الجديدة، لكنها ما لبثت هي وما حولها من البلاد هدفًا لهجمات قشتالة المستمرة، ما اضطر "محمد بن الأحمر" التخلى عنها، فيما تخلى من البلاد إلى فرناندو الثالث ملك قشتالة، ضمن معاهدة الصلح التى عقدت بينهما في سنة 1245 م.
كان من أهم علمائها محمد بن عبد الله بن مالك الجياني المعروف بابن مالك، الذي كان إمامًا فى النحو، اللغة، الشعر، وضع عددا من المؤلفات أشهرها "ألفية ابن مالك".
يعد الحصن أو القصبة الأندلسية، من أهم معالم جيان الأثرية، تسمى اليوم حصن "سانتا كاتالينا"، يعود سبب تسميتها إلى فقرة نقشت بالإسبانية فوق أحد العقود الداخلية للحصن ترجمتها بالعربية، "أنه وفقاً للرواية المتواترة في يوم 25 نوفمبر سنة 1246م، يوم القديسة كاتالينا، سلم ابن الاحمر ملك غرناطة هذا الحصن إلى فرناندو الثالث، منذ ذلك اليوم تعتبر القديسة حامية مدينة جيان"، كذلك ما زالت حمامات المدينة تشهد على آثار الأندلس، على نظافة المسلمين، الذين كانوا ينفرون من رائحة الصليبيين العفنة، الذين كانوا لا يستحمون إلا نادرا.
يذكر المؤرخون عن الملكة ايزابيلا، التي تزوجت من الملك فرناندو، ملك أراجون، أنها كانت تفتخر بعدم اغتسالها إلا مرتين طوال حياتها، يوم ولادتها وليلة عرسها، ثم كانت المرة الثالثة والأخيرة حين ماتت.
الحقيقة أنها لم تغتسل إلا مرة واحدة، في ليلة عرسها، لأن غسلها يوم ولادتها وغسلها يوم موتها لم تقم به بنفسها.
كان فرناندو الثالث، بعد دخوله المدينة، حول مسجدها إلى كنيسة، ثم هدم بعد ذلك وأقيمت مكانه الكاتدرائية الحالية، التي يوجد على مقربة منها العقد المسمى، عقد سان لورنزو، الذي أنشأه المسلمون.
يوجد أيضا في متاحف أوروبا وأسبانيا العديد من الآثار الأندلسية، منها إبريق مصنوع من البرونز على هيئة طائر، يحتفظ بنقشين عبارة عن توقيعين، العلوي مكتوب بحروف لاتينية، ترجمته "صنعه سليمان"، أما الثاني فكتب بالخط الكوفي "تمت قراءته من قبل عبد الملك النصراني".
يستَدل من ذلك أن صانعين اثنين اشتركا فى صناعته، أولهما مستعرب وقع اسمه بحروف لاتينية والآخر عربي وقع اسمه بالخط الكوفي، مما يرجح أن أحدهما كان صانعًا والآخر كان مزخرفًا، أو ربما كان كلاهما شريكا في مصنع واحد ينتج الأدوات المعدنية.
تعبر صناعة الإبريق عن مدى ما وصلت إليه صناعة المعادن الأندلسية في القرنين السادس والسابع الهجريين، الثاني عشر والثالث عشر ميلاديًا، عن مراعاة النِسَب أو المنظور العام لجسم الطائر، من خلال النسبة بين حجم رجل الطائر وبين البدن، النسبة بين امتداد الرقبة وسمكها وبين حجم الرأس، الحركة بواسطة فتحة المنقار وأصابع الأرجل.
تشبه هذه التحفة، - المحفوظة في قسم الآثار الإسلامية في متحف اللوفر الفرنسي - سبع قطع أخرى، عثُر على واحدة منها في مدينة طُليطلة والأخريات فى مدن أندلسية مختلفة، جاء التشابه في أشكالها الفنية وأساليبها الزخرفية، مما يثبت أنها من إنتاج مصنع واحد.
ترك المسلمون أيضا الكثير من القطع الفنية المتميزة، المؤرخة بتاريخ صناعتها، توقيع صانعها، اسم الشخصية التي صنعت له، مِما يَدل على اعتزاز الصناع في الأندلس بفَنهم واعتدادهم بشَخصيتهم الفنية، لذا تعتبر خير شاهد على ما حققه الصانع الأندلسي مِن تقدم في فن الصناعة، وما بلغه مِن رقي حضاري وذوق فني.
مِن تلك التحف مَجموعة مِن العلب والصناديق الصغيرة المَصنوعة مِن العاج، التي كانت تستعمل لحفظ الحَلي والمجوهرات، التي حظيت في العصور الوسطى بإعجاب أثرياء أوروبا، فكانوا يشترونها لحفظ الحَلي والنفائس، يقدمونها كهدايا في الأعراس.
كانت هذه العلب تَتخذ عِدة أشكال، بعضُها مُستطيل ذات غطاء مُسَطح أو هَرمي الشكل، بعضُها أسطُواني ذات غِطاء مستوٍ أو مقبب، مثل علبة مُجوهرات "المُغيرة بن عَبد الرحمن"، أصغر أبناء الخليفة الأموي "عبد الرحمن الناصر لدين الله"، التي صُنعت في مَدينة الزهراء شمال غرب قُرطبة، يبلغ قطرها ثمانية سنتيمترات، ارتفاعها حوالي خمسة عشر سنتيمترا، يحتفظ بها قِسم الفنون الإسلامية بمَتحف اللوفر.
تعد العُلبة مِن أغنى التحف الأندلسية فناً وأدقها صناعةً، فقد زينت بزخارف نباتية وأشكال آدمية وحيوانية، يحيط بها أربعة قلائد مُتعددة الفصوص، الأولى يتوسطها صورة مزدوجة لأسد يَقتنص ثورا، في إشارة إلى النَصر والتمكين.

آخر الأخبار