الاثنين 30 سبتمبر 2024
32°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
تحويل المساجد دواوين
play icon
كل الآراء

تحويل المساجد دواوين

Time
الخميس 10 أغسطس 2023
View
77
محمد يوسف المليفي

هذه وقفة مهمة في ما يخص تحويل المساجد الى دواوين، ومجالس وقعدات يومية للمتقاعدين، وكل من لا شغل عنده!
فعن عبدالله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سيكون في الزمان قوم يكون حديثهم في مساجدهم ليس لله فيهم حاجة".
وفي رواية اخرى: "سيكون في اخر الزمان قوم يجلسون في المساجد حلقاً حلقا، امامهم الدنيا، فلا تجالسوهم، فإنه ليس لله فيهم حاجة".(سلسلة الاحاديث الصحيحة 3/151).
ولك ان تتخيل ايها المصلي، أن تأتي الى بيت الله كي تعبد الله حق عبادته وتتقرب اليه، ثم تكتشف يوم القيامة أنك من المصلين الذين ليس لله فيهم حاجة، وسبب ذلك مشاركتك بما يفعله عوام المسلمين في بيوت الله، ويحسبون انهم على خير!
وقال (صلى الله عليه وسلم): "ولا تتخذوا المساجد طرقا إلا لذكر أو صلاة".(صحيح الجامع)
وقال مسلم بن عبدالله (رحمه الله): "استثنى الانشغال بالمسجد فقط بالذكر والصلاة" مما يدل على تنزيه المساجد من ان تتخذ لأغراض الدنيا، بل مما جاء عن ابي هريرة (رضي الله عنه)، قال (صلى الله عليه وسلم): من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا"، (رواه مسلم).
فإذا كان هذا التقريع والزجر والنهي في حق من اراد استرداد ضالته التي فقدها، وتحدث بها مرة واحدة فقط امام اهل المسجد، فكيف بمن يجعل المسجد مجلسا خاصا له يتحدث فيه عن الدنيا، وما يصاحبه من اخبار الدنيا واللغو؟
فرفع الصوت في المسجد، والتشويش على المصلين منهي عنه شرعا، كما في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) انه قال "ليلني منكم أولو الاحلام، والنهي، ثم الذين يلونهم - ثلاثا - واياكم وهيشات الاسواق". (رواه مسلم).
قال النووي: "هيشات الاسواق: اي اختلاطها والمنازعة، والخصومات، وارتفاع الاصوات، واللغط والفتن التي فيها".
وقال (صلى الله عليه وسلم: "لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن". (رواه الامام مالك في الموطأ).
قال الفقهاء في مسألة الكلام ورفع الصوت في المسجد:
"واذا كان رفع الصوت بقراءة القرآن ممنوعا شرعا لما يحصل فيه من تشويش وايذاء للمصلين، فعليه يكون منع الكلام في امور الدنيا هو من باب أولى وألزم واحرى، ثم ان ما يكون من كلام في امور الدنيا في المسجد هو استخفاف بوقار المساجد، وما يجب ان تنزه عنه من مثل هذا الكلام الذي ليس مكانه بيوت الله التي لم تبن لمثل هذا".
قال الله عز وجل: "ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا".
ومن كان مدمنا ومداوما على الكلام في امور الدنيا في المسجد فإنه ينبغي نصحه، فإن ابى واصر، فالمقرر عند اهل العلم، وجوب اخراجه من المسجد تماما، كما يتوجب اخراج من يتأذى أهل المسجد من رائحته.
قال أبو عمر بن عبدالبر: "وقد شاهدت شيخنا أبا عمر احمد بن عبدالملك بن هشام، رحمه الله، افتى في رجل شكاه جيرانه بسبب كلامه في امور الدنيا في المسجد بوجوب اخراجه من المسجد، وابعاده عنه والا يشهد معهم الصلاة".
ومن أقوال الفقهاء في مسألة الكلام واللغو داخل المسجد: ذهب السادة المالكية الى ان التحدث في المسجد بما لا اثم فيه من امور الدنيا مكروه (جواهر الاكليل).
وذهب الحنابلة، رحمهم الله، الى كراهة ان يخوض المصلي في حديث الدنيا، وانه يجب عليه ان يشتغل بالطاعة من الصلاة والقراءة والذكر (كشف القناع).
وقال الامام احمد، رحمه الله ورضي عنه، في هذه المسألة: "لا أرى لرجل اذا دخل المسجد الا ان يلزم نفسه بالذكر والتسبيح، فإن المساجد انما بنيت لذكر الله عز وجل". (فتح الباري لابن رجب).
وقال الاحناف: التحدث في المسجد بأمور الدنيا مكروه كراهة تحريم، وهو مذهب الحنفية كما في الموسوعة الفقهية.
وبهذا يتبين ان اكثر اهل العلم على كراهة الحديث بأمور الدنيا في المسجد، فينبغي ان يجتنب المصلون ذلك، ويمتنعوا عنه، فلم تبن المساجد لكلام الدنيا، وما يكون فيه من لغو، لكن لذكر الله والصلاة والطاعة.
وقد نهى النبي (صلى الله عليه وسلم) عن رفع الصوت بالقراءة في الصلاة حتى لا يؤذي المصلون بعضهم بعضا، كما ورد في الحديث عند الامام احمد وغيره، فيكون منع الكلام بأمور الدنيا من باب أولى وأسبق وأشد.
فالحذر…الحذر مما يفعله عوام المسلمين من تحويل بيوت الله دواوين بديلا عن فتح دواوينهم بالمنزل، حيث لا تكاليف، ولا مصروفات شاي وقهوة، ثم يحسبون أن هذه الرخاوة في الدين من الدين في شيء، او انهم مأجورون على هذا العبث في بيوت الله.

خبير اختصاصي الدراسات الاسلامية في وزارة "الاوقاف"

محمد يوسف المليفي

آخر الأخبار