الاثنين 23 سبتمبر 2024
39°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
تطبيع العلاقات بعيداً عن المزايدات
play icon
كل الآراء

تطبيع العلاقات بعيداً عن المزايدات

Time
الخميس 21 سبتمبر 2023
View
227
الشيخة حصة الحمود السالم الصباح

يظهر المعدن الحقيقي للإنسانية في المحن، وعندما يضيق الخناق على رقاب المجتمعات بفعل الحروب من جهة، والكوارث الطبيعية من جهة أخرى، يتوجب علينا أن نتيقن أن السلام وقبول الآخر هو الحقيقة الوحيدة التي لا مفر منها.
وأن النداء الرباني للناس جميعًا في سورة الحجرات "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"، هو نداء يرفض العدوان، ويدعو إلى السلام في الحياة الدنيا، وأن الله يفصل بين المختلفين يوم القيامة!
ولقد أسعدني خبر احتفال الطائفة اليهودية في مصر برأس السنة العبرية، وقد تم الاحتفال في كنيس بن عيزرا التاريخي الذي تأسس في القرن الثاني عشر الميلادي، وتم إعادة بنائه في القرن التاسع عشر، ورممته الحكومة المصرية اخيرا نظرًا لأهميته التاريخية.
وقد ألقت رئيسة الطائفة اليهودية في مصر ماجدة هارون كلمة بهذه المناسبة، وهي ابنة القيادي اليساري المصري الوطني شحاته هارون، والطائفة اليهودية فى مصر هي من الطوائف العريقة، التي لها تاريخ ومشاركات فعالة في تاريخ المجتمع في شتى المجالات، قبل أن يهاجر أكثرهم إلى إسرائيل بعد استهدافهم من جماعة الإخوان المسلمين بالتفجيرات، وكذلك بعد حرب العدوان الثلاثي.
هذا التسامح من الحكومة المصرية مع الطائفة اليهودية، والاهتمام بترميم دور العبادة للديانات السماوية الثلاث، هي خطوة جيدة لغرس قيم المحبة والتسامح في المجتمعات التعددية، وبخاصةً أنها تأتي في فترة أصبح هناك خطوات جدية لتطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل متوقفة على شروط، يمكن التفاوض عليها، بما يحقق مصلحة الطرفين من جهة، ومصالح باقي دول المنطقة من جهة أخرى.
واذا تكللت المفاوضات بالنجاح فسوف تنضم المملكة العربية السعودية لقائمة الدول العربية المطبعة للعلاقات مع دولة إسرائيل، وهي مصر والمغرب والإمارات والبحرين والسودان، وهي خطوة ستسهم إلى حد كبير في إقرار السلام، والتنمية الاقتصادية، ونزع فتيل الأزمات والحروب فى الشرق الأوسط.
وقد أثبتت الأيام والسنوات أن تطبيع العلاقات بين الشعوب يساهم مستقبلًا في صنع السلام والأمن، ويساعد حكومات دول المنطقة في التعاون لحل الأزمات بعيدًا عن الشعارات، والمزايدات، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تحرك ساكنًا، لكنها تجعل الأمور أكثر تعقيدًا.
لقد كتبت كثيرًا عن السلام المنشود، وهو حقيقة مفقود لأسباب سياسية بحت، فالسياسة الدولية للأسف هي الباعث الحقيقي لكل الفتن والمآسي، وأن كل أتباع الأديان والمذاهب على وجه الأرض يمكنهم التعايش بسهولة، إذا نزعنا ما في صدورهم من غل، وعصبية، وتطرف، وإرهاب.
إن حرية الاعتقاد مكفولة في كل الأديان وكل دساتير الأرض، وأنا عندما أتحدث عن الأديان فأنا لا أقصد الحركات والتنظيمات المتطرفة، فهذه جميعها مقصدها العنف والتطرف فقط لا غير.
لقد لاحظنا في السنوات الأخيرة تكاتف أتباع الديانات السماوية الثلاث في مناهضة المثلية الجنسية، ومحاولة فرضها على المجتمعات الأوروبية، ونظم يهود بريطانيا اخيرا مظاهرة سلمية مناهضة لمحاولة الحكومة فرض تدريس المثلية الجنسية على الأطفال في المدارس، وقد صرح قادة هذه التظاهرة السلمية أن هذا الأمر يخالف شريعة الله، والفطرة الإنسانية، وناشدوا إخوانه المسلمين بعدم تسليم أبنائهم لهذه المدارس.
الحقيقة أننا إذا أخذنا بالمشتركات الإنسانية، وسلطنا الضوء عليها يمكننا تهيئة أجيال تنشأ على التسامح، وقبول الآخر بدلًا من ترك الساحة للمتطرفين من الساسة والوعاظ الذين يتكسبون من إزكاء نار الفتنة، وتغذية الروح المذهبية والطائفية، حتى بين أبناء الدين الواحد كما نعي ذلك جميعًا!
إن قيم التسامح وتطبيع العلاقات بين الشعوب هي السبيل الوحيد للارتقاء بالحضارة الإنسانية، والحياة الدنيا قصيرة وأعمارنا أقصر، فما الفائدة من توريث البغض والكراهية بين الشعوب جيلًا بعد جيل، حتى ظهر النظام العالمي الجديد الذي يسعى وبكل قوة إلى إفساد الفطرة الإنسانية.
أخيرًا، أتمنى أن يتعافي العالم أجمع، والشرق الأوسط خصوصا، من وباء التعصب والعنصرية، وأن يعلو صوت الحكماء والعقلاء في كل مكان، حتى يتفضل علينا المولى سبحانه وتعالى بنعمه وجزيل عطائه.

كاتبة كويتية

الشيخة حصة الحمود السالم الصباح

آخر الأخبار