الاقتصادية
تغيّرات في السياسة النقدية الأميركية
الثلاثاء 26 فبراير 2019
5
السياسة
بقلم-عدنان أحمد يوسفقام الاحتياطي الفيدرالي الأميركي برفع سعر الفائدة 4 مرات خلال 2018 وكان من المخطط أن يقوم برفعها 3 مرات في 2019 ومرة واحدة في 2020. تأتي هذه الخطوات فيما بات متعارف عليه كمؤشر على انتهاء دورة الاقتصاد الانكماشية وعودته للانتعاش . لكن في مطلع فبراير وبعد اجتماع للجنة السياسات في الاحتياطي الفيدرالي قال رئيس البنك جيروم بأول إن سوق العمل في الولايات المتحدة يواصل تعزيز قوته والنشاط الاقتصادي يرتفع بمعدل قوي مع توقع نمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 3 في المائة هذا العام، لكنه أقل مما كان متوقعا. لذلك سوف يخفض من توقعات رفع سعر الفائدة إلى مرتين بدلا من ثلاث مرات هذا العام، مضيفا أن التضخم الفاتر يعطي الاحتياطي الفدرالي القدرة على "التحلي بالصبر" في المضي قدما في رفع أسعار الفائدة. كما أشار أيضا إلى أن هناك درجة عالية إلى حد ما من عدم اليقين بشأن كل من مسار، ملمحا بأن مسيرة البنك نحو رفع سعر الفائدة قد تنتهي في وقت أقرب مما هو مُتوقع. وقبل التعليق على تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي من المفيد عن أن نعطي نبذة بسيطة عن دور سعر الفائدة في الاقتصاد. إن سعر الفائدة هي إحدى أدوات السياسة النقدية التي تُعرف بدورها بأنّها الأساليب التي يتّخذها البنك المركزي للدولة، لتحسين الاقتصاد والحد من التغيُّرات الدورية له، بحيث تُحدّد هذه السياسة حجم المعروض النقديّ للتحكم في معدلات التضخم، فيتم استخدام أدوات السياسة النقدية مثل أسعار الفائدة وشراء أو بيع السندات الحكومية والاحتياطي للبنوك. وبذلك، يوجد أسلوبان لتطبيق السياسة النقديّة، وهما: الانكماشيّة، وهدفها الحد من التضخُّم، بحيث تستخدم رفع أسعار الفائدة، وبيع الأوراق الماليّة من خلال عمليّات البيع والشراء في السوق المفتوح، والسياسة النقديّة التوسعيّة، التي تُستخدم للحدّ من البطالة، والركود الاقتصادي، وذلك من خلال خفض الفائدة وشراء الأوراق الماليّة، لزيادة السيولة.ويمكن القول إن التضخم هو أساس عمل السياسة النقديّة، ويأتي الحدّ من البطالة، كنتيجة للهدف الأساسي، إذ يهدف الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنوك المركزيّة في الدول الأوروبية لمعدل بطالة أقلّ مما يقارب 6.5%، ومعدّل التضخّم الأساسي بين 2 %، و2.5 %، ومعدّل النمو الاقتصادي الجيّد، بزيادة سنويّة من 2% إلى 3% من الناتج المحلّي الإجمالي.وبالعودة إلى تعليقات رئيس الاحتياطي الفيدرالي، فأن هذه التعليقات تنم عن تغييرات في السياسة النقدية الأمريكية أفصح عنها في كلمته التي ألقاها في المنتدى السنوي للاحتياطي في مدينة كنساس في نهاية أغسطس العام الماضي. فقد أشار في هذه الكلمة إلى أنه يود الاعتماد بشكل أكبر على معطيات البيانات المعلنة مثل بيانات الوظائف والبطالة والتضخم في تقرير مسار سعر الفائدة أكثر من اعتماده على النماذج والقيم النظرية، والتي يعتقد أنها قد تقدم أدلة كاذبة في بعض الأحيان. وطالما أن معدل التضخم في الوقت الحالي هو بحدود 2% والبطالة بحدود 4%، فأن ذلك يعني أن رئيس الاحتياطي وضع الأساس لدورة طويلة ومتباعدة لرفع سعر الفائدة. إما بالنسبة لإشارته إلى حالة عدم اليقين التي قد تؤدي إلى اتخاذ قرارات بمسارات مختلفة لسعر الفائدة، فهذا لأن الاحتياطي يواجه ربما للمرة الأولى عوامل تتحرك باتجاهات متعارضة تقريبا. فمن ناحية يشتد النقاش بين صانعي السياسة الأميركية حول مستوى تكاليف الاقتراض المناسب لاقتصاد بات يتعافى ويعود إلى صحته. بالإضافة إلى ذلك، يرى هؤلاء أن التأثيرات التحفيزية الكاملة المفترضة للتخفيضات الضريبية للرئيس دونالد ترامب وزيادة الإنفاق الحكومي لم تظهر تأثيراتها بعد على الاقتصاد. لكن في الوقت نفسه أيضا، فأن الخسائر التي تخشاها وتتوقعها العديد من الشركات من جراء السياسات التجارية للإدارة الأمريكية هي الأخرى لم تتضح تأثيراتها بعد. وفي حالة اتضاح تأثيراتها ربما يؤدي ذلك إلى وضع نهاية سريعة لدورة رفع سعر الفائدة.إن مثل هذه المخاوف ذات الاتجاهين المتناقضين هي حالة غير مألوفة بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي الذي كان سابقا يركز في الغالب على نوع واحد من المخاطر: تضخم منخفض للغاية ونمو دون المستوى. أما الآن فهو يواجه مؤشرات متعاكسة قد تقود الاقتصاد الأميركي أما باتجاه تسارع النمو أو تباطؤه. ربما يرى البعض أن تباطؤ دورة رفع سعر الفائدة الأميركية قد يعود أيضا لضغوط الرئيس الأميركي الذي أعرب عن أسفه أكثر من مرة تجاه قيام الاحتياطي الفيدرالي برفع معدلات الفائدة في الوقت الذي يتسارع فيه أداء الاقتصاد الأميريكي. ويعتقد الرئيس الأميركي أن أسعار الفائدة المنخفضة سوف تساعده في الفوز بحربه التجارية، لأنها سوف تضعف من قوة الدولار، وبالتالي يتسبب في جعل صادرات الولايات المتحدة أرخص والواردات أكثر تكلفة.ولكن، وفقا لمحللين، هناك سبب آخر لتباطؤ وتيرة رفع سعر الفائدة اكتشفها الاحتياطي الفيدرالي دون أن يود التصريح بها، حيث يمكن أن يؤدي ارتفاع معدلات الفائدة بوتيرة سريعة إلى الكشف عن نقاط الضعف التي نشأت في الاقتصاد الأمريكي ويقلل من التوسع الاقتصادي الحالي، ومن أبرزها تراكم الديون السيئة في النظام المصرفي الأمريكي وفي الميزانيات العمومية للشركات الأميركية. وبطبيعة الحال، فأن رفع سعر الفائدة يسهم في رفع تكاليف هذه الديون، من ثم تضخيم عبئها على كل من النظام المصرفي والشركات الأميركية.يمكن القول ختاما أن تخفيض وتيرة رفع سعر الفائدة الأمريكية خلال الفترة القادمة سوف يكون له العديد من التأثيرات بعضها الإيجابي والآخر سلبي على الاقتصاديات العربية، على سبيل المثال سوف يخفض من قوة الدولار مما يسهم في استقرار العملات المحلية للدول العربية نوعا ما، كذلك يعزز من جاذبية الاستثمار في هذه الدول، ويسمح ببقاء أسعار الفائدة في الدول العربية، وخاصة الخليجية التي تربط عملاتها بالدولار، عند مستويات مقبولة مما يحفز الائتمان والاستثمار وغيرها. في المقابل فإن التخفيض من قوة الدولار يعني انخفاض القيمة الفعلية للإيرادات النفطية، وارتفاع تكلفة الواردات.رئيس اتحاد المصارف العربية سابقارئيس جمعية مصارف البحرين