الجمعة 09 مايو 2025
32°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

"ثرثرة خلف المحراب" جديد القاص السعودي حسين السنونة

Time
الأربعاء 10 يونيو 2020
View
5
السياسة
تنفتح المجموعة القصصية ثرثرة خلف المحراب للقاص حسين السنونة على الواقع وتعكسه، بل تعريه وتكشفه بكل سلبياته وتناقضاته، فيتجلى في هذه المجموعة ركود الواقع العربي وجموده، والروتين الوظيفي، وبيع الفتاوي تحت إغراء المال، وعجز الشباب عن تكاليف الزواج، والتسلط الذكوري الذي يثقل كاهل المرأة، والاغتراب النفسي الذي يعانيه إنسان هذا العصر.
إن النص القصصي هنا تعبير عن أزمة الإنسان المعاصر، وما يعانيه من تمزق نفسي، وفقًا لتمزق الأمة العربية وتشظيها، وتردي الواقع المعاش.
ولم تقف تلك المجموعة القصصية عند البيئة المحلية، بل تتعداها إلى بيئات أخرى، وتبقى أزمة الإنسان هي أزمة كل عربي. ومن ثم نرى الكاتب يوظف شخصية مواطن في أكثر من قصة توظيفًا فنيًّا، فنعاين الدال " مواطن " يرد نكرة دالاً على الشمول والعموم، فتتحول أزمة " مواطن " أزمة معظم المواطنين العرب الذين يعانون الفقر والعجز والاغتراب داخل الوطن، فتنتهي حياة مواطن بالموت في قصة " ترانيم مواطن متسكع "، وتلك النهاية المأسوية متوقعة عندما يتردى الواقع، ويُضحِي واقعًا مهترئًا مهلهلاً. وتنفتح النصوص القصصية على الزمن الماضي والزمن الحاضر، ويوظف الكاتب زمن الحلم توظيفًا يخدم البنية السردية، فتحقق الشخصية ما تعجز عنه في الواقع عبر أحلام اليقظة والأحلام الكابوسية، أو فيما يرى النائم، فيصبح زمن الحلم زمن التمرد على الزمن الماضي والزمن الحاضر، ويكون معادلاً موضوعيًّا لزمن المستقبل المأمول، فلأدب – بطبيعته – متمرد على الواقع، وينشد مجتمعًا أفضل، وواقعًا مثالاً. ومنحت المفارقة جمالية لهذا العمل الأدبي من خلال سخريتها من الواقع السيء الذي يطمح الكاتب في إصلاحه، والمفارقة بانحرافها اللغوي أدت إلى تعدد الدلالات وتكاثر المعاني في الفضاء السردي، ولم تقف المفارقة عند المتن فحسب، بل تعدته إلى العناوين ؛ بداية من العنوان الرئيس " ثرثرة خلف المحراب " ؛ إلى العناوين الفرعية للقصص ( أصباغ ثملة – أسئلة بيضاء مجنونة – ملح بطعم العسل – فنجان أسود ورقصة عجوز )، ولم تكن المفارقة اللغوية وحدهاهي سيدة الموقف، بل تآزرت معها المفارقة في الشخصيات والمواقف والأحداث، فتصبح للمفارقة الدور الأكبر في كشف الواقع بكل سلبياته وتناقضاته.
وتفتح هذه النصوص القصصية نافذتها إلى شعاعات نصية فتتعالق معها،وتذوب ذوبًا جديدًا في فضاء النص الجديد، فيقتنص الكاتب أحد دوال عنوانه الرئيس من عنوان رواية نجيب محفوظ " ثرثرة فوق النيل ".
وعبارة الأب للابن " بعثي كافر أيها الملحد " في قصة " أنيين الذكريات " تستدعي شخصية " صدام التكريتي " و " سعاد وزان " البعثيين في رواية " شقة الحرية " لغازي القصيبي. ومصير هذا البعثي السجين يذكرنا بمصير هشام العابر في " كراديب " تركي الحمد في ثلاثيته الشهيرة " أطياف الأزقة المهجورة ".
والسجين الذي قرر أن يتعلم لغة النمل في قصة " ثرثرة سجين " نلمح النص هنا يتعالق مع النص القرآني، ومع تعالقه مع النص القرآني نراه ينفتح على رواية " الغيمة الرصاصية " لعلي الدميني، وتماهي السجين سهل الجبلي مع النملة داخل محبسه. ولم تقف نصوص السنونة على الاقتناص من عالم السرد فقط، لكنها نفذت إلى العالم الشعري أيضًا ففلسفة قصة "أسئلة بيضاء مجنونة" هي نفسها الفلسفة التي بنى عليها أمل دنقل قصيدته " ضد من ".
فبطل القصة يقول: "اللون الأبيض هو أخر لباس يغتصب جسدي".
ويقول أمل دنقل: " كلُّ هذَا البياضِ يذكرنِي بالكفن".
هذه المجموعة القصصية تنأى عن الانغلاق وتقاومه، وتنفتح على عوالم شتى مما يؤهلها إلى أن ترقى إلى مصاف الأدب الجاد.
آخر الأخبار