الأولى
/
منوعات
جورج وسوف: تغيَّر الزمن والناس فقدت الوفاء
الخميس 18 أغسطس 2022
5
السياسة
استعاد الفنان السوري جورج وسوف، محطات من مشواره الفني الكبير، مبدياً سعادته الغامرة بتذكر الأجيال الجديدة لأغنياته القديمة.وأعرب عن تفضيله لقب "أبو وديع"، وإن الذي ينبض في داخله قلب طفل لم ترهقه السنوات بل صقلته وما زالت."يا ليت الحياة قست عليَّ أكثر، حتى أجمع خبرة أكبر"، يقول وسوف، لصحيفة "الشرق الأوسط"، فهي تلك الخبرات التي صنعت حكمته وجعلته يعترف: "لستُ آسفاً على شيء؛ لأني لم أؤذِ أحداً في حياتي، جلّ من لا يخطئ. ربما أخطأت مع نفسي؛ لكني لم أخطئ بحق غيري. أما في الغضب والخناقات، فأنا سريع النسيان والمسامحة".يُكثر جورج، من ذكر الله وشُكرِه: "هو الذي يجعلني آخذ نفَساً عميقاً وأستمر. حماني في الطريق الصعب الذي شققته وحدي منذ 47 عاماً. هو الكريم الرزّاق والعليم بما في قلبي ونياتي. لا أحد غيره يعرفني". كما يرجع محبة الناس له إلى الله، ويصفُها بأنها أغلى هدية منحه إياها.من دون أن ينسى ما مضى، يبدو "أبو وديع" زاهداً في ما سيأتي. يكفيه أن يكون مُحاطاً بأولاده الأربعة حتى يصير سلطاناً، أما الأصدقاء فهم قلّة تعدّ على الأصابع، يقول إنه غربلَهم من بين الآلاف. اللحظات الحميمة مع المقرّبين والمحبّين تفوق الألقاب قيمة بالنسبة إليه، فلقب "سلطان الطرب" الذي التصق باسمِه منذ أغنية "الهوى سلطان" في بداية الثمانينات، لا يعنيه بقدر ما تعنيه محبة الناس، كباراً وصغاراً.يؤكد وسوف: "كل كلام الناس عني يفرحني حتى لو قالوا إني مجنون"، ويضيف: "اليوم وأنا في الـ61 من عمري، ما زلت أتعلم يومياً درساً جديداً من الحياة والبشر". لكنه يقرّ بأنّ الدنيا تغيّرت عليه كثيراً، وهي ليست بخير تماماً. لا يكفي أن تتمنى الجميل لغيرك حتى تلقاه منه. يعلّق وسوف على التحوّلات التي يشهدها المجتمع وأخلاق البشر متسائلاً: "معقول هيك صارت الدني؟ افتقدنا أموراً كثيرة هذه الأيام؛ خصوصاً الوفاء، وكأن الناس نسيت الله واختصرت الحياة بالأشغال والمصالح والفلوس، هذا كله فانٍ".لم يعتد وسوف، كلام العتب إلا في أغنياته؛ لكن من يحادثه يجد بين سطوره خيبة من قلة الإخلاص، ويقول: "متأسف على ناس فقدوا وفاءهم، منهم القريب قبل البعيد".يمضي جورج، معظم وقته في صالون منزله؛ حيث تزدحم الجدران بصور الكبار. يتفيّأ وجوه مَن صنعوا هوية الفن العربي، 28 عملاقاً تعلّم منهم أو تأثّر بهم، من محمد عبدالوهاب ووردة وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش وأسمهان، مروراً بعاصي ومنصور وإلياس وزياد الرحباني، وصولاً إلى صباح ووديع الصافي ونصري شمس الدين.ويزين الحائط أيضاً صور طلال مدّاح، محمد عبده، نجاة الصغيرة، فايزة أحمد، زكي ناصيف، جبران خليل جبران، ملحم بركات، صباح فخري، بليغ حمدي، وفيلمون وهبي، ولا ينسى وسوف من كانت لهم بصمة خاصة في مسيرته، كالملحن والشاعر شاكر الموجي، الملحّن جورج يزبك، الشاعر شفيق المغربي، الملحن رياض البندك، أما صدر الدار فمخصص للسيدتين فيروز وأم كلثوم، ولصورتَيهما المعلّقتَين على العمودين الأساس.من كل هؤلاء تعلّم جورج، أنه مهما عظم شأن الفنان، فسيكون ثمة دائماً فنان أهم منه: "لم أصب بالغرور يوماً. لست المطرب الوحيد الذي يملك صوتاً جميلاً، كثيرون صوتهم أجمل من صوتي". ليس هذا تواضعاً؛ بل واقعية مَن صنعوا أنفسهم بأنفسهم، فمن سِمات العصاميين أنهم لا يسمحون لأقدامهم بأن ترتفع عن الأرض. متابعاً: "فجأة وجدتُ نفسي في مجال الفن. لا أعرف لماذا بدأت. لم أحلم بشيء في حياتي ولم أخطط لنجاحي، ولم ألجأ إلى الدعاية والبروباغندا. كل شيء تحقق من تلقاء نفسه. عملت بكدّ وأصدرت أغنيات متقنة، وتكفّل الجمهور بالبقيّة. كل ما يعنيني هو الفن الصحيح الذي تربيت عليه".عن المشهد الفني الحالي، يقول وسوف إن "الكل متشابه. الأصوات والأشكال نفسها، النغمة والتسريحة نفسيهما. لم يعد هناك صناعة فنية. رحل معظم صنّاع اللحن الكبار، ومَن بقي منهم أصيب بالإحباط". يستغرب كيف أنّ تقييم الفنانين بات يرتكز على عدد المتابعين والاستماع في المنصات الرقمية. أما للجيل الشاب فيقول: "اسمعوا الفن الهابط وتسلّوا به؛ لكن اعرفوا أنه لا يدوم ولا يغنيكم".كيف يفسّر وسوف أنّ معجبيه العشرينيين والثلاثينيين يتساوون عدداً مع الأكبر سناً؟ يرد: "الجيل الصاعد يطالبني في الحفلات بالقديم أكثر من الجديد. أظن أنني استقطبتهم بتواصلي الصادق معهم على المسرح، وبأغنياتي التي لا تموت. كلمتي مسموعة عندهم وتُعلّم فيهم. حتى أنهم يكتبونها على زجاج سياراتهم!".اليوم، وعندما يحضّر لعمل جديد، يدقق في تفاصيله أكثر مما كان يفعل في الماضي: "لا أخاطر بأرشيفي. لا أدفن تاريخاً صنعته". وأكثر من أي وقت، يستمتع وسوف حالياً بهذه المكتبة الموسيقية الواسعة التي نسجَها نغمةً نغمة.