السبت 07 يونيو 2025
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

حزامة حبايب: الجوائز لا تمنح العمل الأدبي شهادة جدارة

Time
الأربعاء 30 أكتوبر 2019
View
5
السياسة
القاهرة- رحاب أبو القاسم:


حزامة حبايب عُرفت في تسعينات القرن الماضي كواحدة من أبرز كتاب القصة في الأردن وفلسطين، ضمن جيل السرْد التسعيني، حصدت الكثير من الجوائز، أهمها جائزة نجيب محفوظ للأدب، التي تعتبر الجائزة الأهم والأرفع في الوطن العربي، وتؤكد أن الأدب نبض المجتمع الحقيقي، ويملك قدرة استثنائية على بناء الوعي وصنع التأثير والتغيير، كما يشكل حائط صد في مواجهة التطرف والإقصاء.
عن أعمالها الأدبية، والجوائز التي حصدتها طوال مشوارها الأدبي، أكدت حبايب في لقاء مع "السياسة" أن بدايتها كانت مع الشعر ثم انتقلت إلى القصة فالرواية، لافتة إلى أن روايتها الأولى "أصل الهوى"، حظيت باهتمام نقدي لافت، فيما حملت "روايتي الثانية "قبل أن تنام الملكة"ملحمة اللجوء الفلس طيني وحصدت روايتي "مخمل" جائزة نجيب محفوظ"، لكن الجائزة أي جائزة، على أهميتها لا تعطي العمل الأدبي "صك غفران"، أو شهادة جدارة، وفيما يلي التفاصيل:
متى بدأت مشوار الكتابة؟
وُلدت ونشأت في الكويت، ودرست فيها حتى نلت شهادة البكالوريوس في آداب اللغة الإنجليزية من جامعة الكويت، بدأت الكتابة والنشر منذ كنت فى المرحلة الجامعية، ثم أثناء عملى بالصحافة والتعليم ؛ عُرفت في تسعينات القرن الماضي كواحدة من أبرز كتاب القصة في الأردن وفلسطين، ضمن جيل السرْد التسعيني.
لماذا اتجهت للرواية رغم بدايتك الشعرية؟
بداياتي كانت في الشعر، من خلال نصوص شعرية نُشرت في مجلات وصحف عربية، في حقبة أزهرت فيها عواطفي في اتجاهات عدة، معها تطور وعيي الملتبس والمندهش إزاء مسائل جمة، وجاء انتقالي من الشعر إلى القصة ثم إلى الرواية غير مقصود أو مخطط له أو ضمن "مراحل تطورية"، لا شيء يتطور من الآخر، أو ينتج عن الآخر، كل تجربة مكتملة بطريقتها، والانتقال بين الأجناس الكتابية لا يعني القطيعة أو الخصام فيما بينها، بل من خلال تجربتي، كل كتابة خدمت الأخرى وأغنتها بطريقتها، أعتقد أن الحالة الشعورية أو التجربة بطبيعتها تفرض القالب أو الوعاء الكتابي.
ما اصداراتك الأدبية والجوائز التى حصلت عليها؟
مع اندلاع حرب الخليج الأولى، عام 1990، غادرت الكويت إلى الأردن، لأكتسب الشهرة ككاتبة قصة قصيرة، مع صدور أول مجموعة قصصية بعنوان "الرجل الذي يتكرر"، نلت عنها جائزة مهرجان القدس للإبداع الشبابي، ثم نشرت مجموعتي القصصية الثانية "التفاحات البعيدة" فلقيت احتفاء نقدياً، وحصدت من خلالها جائزة رابطة الكتاب الأردنيين التقديرية عن مجمل أعمالي القصصية، وجائزة محمود سيف الدين الإيراني للقصة القصيرة، إحدى أرفع الجوائز الأدبية في الأردن، ثم نشرت مجموعتي القصصية "شكل للغياب"، تلتها مجموعة "ليل أحلى"، التي شكلت تجربة مميزة في السردي.
ماذا عن رواياتك؟
نشرت روايتي الأولى "أصل الهوى"، فحظيت باهتمام نقدي لافت، ثم روايتي الثانية "قبل أن تنام الملكة"، التي وصفها بعض النقاد بانها ملحمة روائية تتناول اللجوء الفلسطيني، اختارتها صحيفة "الغارديان" البريطانية ضمن أفضل قراءات العام 2012، ثم كانت روايتي الثالثة بعنوان "مخمل"، نلت عنها جائزة نجيب محفوظ للأدب للعام 2017.
ماذا تعني لك جائزة نجيب محفوظ؟
الجائزة، أي جائزة، على أهميتها لا تعطي العمل الأدبي "صك غفران"، أو شهادة جدارة، أو اعترافاً مطلقاً بأحقيته، العمل الجيد يكتسب "شرعيته" من سويته الإبداعية، من جِدَّته وأصالته، قطعاً لا يحتاج لجائزة للاعتراف به، بالطبع أنا فخورة أن تقترن روايتي "مخمل" بجائزة نجيب محفوظ للأدب، وأعتز بها كونها الجائزة الأرفع من نوعها عربياً وأعتبرها إضافة نوعية لمنجزاتي.
ما رأيك فى الجوائز العربية التى انتشرت مؤخرا؟
وسط فيضان الجوائز في السنوات الأخيرة، خاصة تلك التي تستهدف الرواية العربية، عشوائيتها أحياناً، مع غياب منطق واضح في اختيار الأعمال الأدبية المميزة، فإن الاحتفاء بالمنجز السردي تحول في جانب منه إلى ما يشبه العملية العبثية، للأسف فإن عدداً كبيراً من الأعمال الروائية المحتفى بها لم تحتل المكانة المتوقعة أو المأمولة في المشهد الأدبي، حتى وإن حملت "ختم" جائزة، بالمقابل هناك أعمال مدهشة، أُقصيت من كل الجوائز.
ما أهمية الجوائز الأدبية عموماً؟
قيمة مضافة تمنحها بعض الجوائز لصاحب المشروع الحقيقي، عبر لفت ذائقة القرّاء والنّقاد إلى أعماله، كما أنها في جانبها الإيجابي أصبحت بشكل أو بآخر دليل القارئ الكسول، وهو أمر مشروع، ومن الصعب ملاحقة الكم الهائل من الإصدارات الروائية سنوياً في جميع الأحوال، لذا تأتي الجائزة من قبيل تأكيد الاعتراف بالمشروع وليس اختلاق اعتراف.
ما صورة المخيم الفلسطيني التي تعمدت تصويرها في روايتك "مخمل"؟
رغم الإيحاءات الرومانسية للعنوان، ما ينطوي عليه من نعومة، فإن "مخمل" ربما شكلت صدمة للبعض، لأنها لم تتردَّد في تحطيم الصورة "الرومانسية" للمخيم الفلسطيني، فمعظم الكتابات العربية والفلسطينية التي تناولته تعاملت معه بتفخيم وتعظيم من نوع خاص، أو بالأحرى بشكل من أشكال التقديس وتحصين المفهوم والمكان، فأي محاولة للإساءة للمخيم تعني لزاماً الإساءة للشخصية الفلسطينية، بل وللقضية الفلسطينية.
هذه مقاربة مفخَّخة فعلياً، أسهمت – للأسف – في خلق صورة زائفة تعمّدت تجميل القبح وإضفاء هالة من البطولة والنقاء على مكان فاسد في منشئه، ينخره اليأس والانحطاط، لا شيء جميل في المخيم، لا بطولة في المخيم،لأنه مكان الغرض منه تحطيم الذات الفلسطينية، والإمعان في قهرها والحط من إنسانيتها وتحويلها إلى كائن يعيش على ثقافة الوهم والانتظار والتشبث بالشعاراتية الجوفاء.
هل الحب فى المخيم جريمة؟
"حوّا" بطلة رواية "مخمل" امرأة تستحق أعظم الحب،إنها كيان "مصنوع" من خلاصة الحب ؛ أمر قد يبدو مدهشاً وموضع استغراب بالنظر إلى البيئة القاسية والجافة عاطفياً التي نشأت فيها، كأن روحها تحصَّنت من الانكسار ومن القهر، قلبها لم يلحقه تلوّث أو فساد، طبعا الحب ليس جريمة، لكن المكان أو السياق الاجتماعي الذي نشأ فيه هذا الحب هو في حد ذاته مسرحا لأسوأ شكل من أشكال انتهاك الوجود الإنساني.
هل كان تأخر الحب تعويضا لها؟
يتفتح الحب في قلب "حوّا" في مرحلة متأخرة في حياتها، أن يأتي الحب متأخراً أفضل من ألا يأتي أبداً، كأنما الحب تعويض عن حقبة طويلة من القحط العاطفي، كأنما الحياة أشفقت عليها، كأنما القدر قرر أن يباغتها بكرم غير متوقع، لا يمكن لحب شفاف ونبيل وخالص، على غرار الحب الذي طرق حياتها من حيث لا تحتسب، أن يورق في بيئة يتفشى فيها العفن، المخيم،زمن المخيم،روح المخيم المهزومة بطبيعتها لا مكان فيها للنهايات السعيدة.
هل يمكن للأدب أن يكون من أدوات مواجهة تطرف المجتمع؟
طبعاً، التطرف في جوهره يعنى إقصاء الآخر أو رفضه، في درجاته القصوى يصل إلى حد إلغاء الآخر أو "تصفيته "، وقتله معنوياً،وربما مادياً، بالمقابل، فإن الآداب والفنون، بمختلف أجناسها وأشكالها، تشكل فضاءات تعبيرية قادرة على احتواء كل تمثيلات العواطف،المشاعر،الأفكار، جمالياتها تتجلى في قدرتها على استيعاب الحياة بكل أطيافها وظلالها.
ما أهمية دور الأدب فى المجتمع؟
الآداب والفنون هي نبض المجتمع الحقيقي والداخلي لا المعلن أو الظاهري، بل هي تمتلك خاصية تجاوز "العمر الافتراضي" للمجتمعات كما البشر، بقوة الخيال اللا محدود القادر على إعادة بناء المجتمع وإعادة إنتاجه، من خلال إعادة الخلق وإعادة الإنتاج، تملك الآداب والفنون قدرة استثنائية على بناء الوعي،صنع التأثير،التغيير،التحريض، أى خلق "حراك".
ما دور الكتابة في تكوين الهوية؟
مسألة الهوية وتمثيلاتها أو إسقاطاتها في الكتابة مسألة معقدة، على صعيد الهوية الفردية أو الهوية الجمعية، حتماً، لا يمكن أن نتجاهل حقيقة أن العلاقة بين الكتابة والهوية تتجلى في أحد أكثر صورها حضوراً وسطوعاً في التجربة الفلسطينية بشكل عام، شعراً وسرداً، تجربة المنفى عموماً كتجربة تخلقت ضمن استحقاق معين، خلقت توقعات مسبقة، ولّدت ذاكرة جماعية بشروط "معاناة" مشتركة.
ماذا عن الكتابة الفلسطينية؟
أن يكون الكاتب فلسطينياً يعني بالضرورة "حشره" في مفهوم تأويلي بعينه، الهوية حاضرة، وإذا غابت، فإنها تحضر أكثر بغيابها ؛ هذا أمر أعطى التجربة وأخذ منها، ثمة كتابات مهمة تحولت إلى شكل من أشكال صون الذاكرة والهوية، من جهة أخرى توجد كتابات أحالت مفهوم الهوية والتعبير عنها إلى فكرة "اكليشيهية" لا تخلو من ضوضاء، عاطفة مضخمة، بطولة تسطيحية أو كاريكاتورية.
هل اختيارك الكتابة له علاقة بذلك؟
أعتقد أنني في البداية اخترتُ الكتابة ربما كمحاولة يائسة للإفلات من شرط الهوية أو على الأقل تحييدها، التعامل معها كعارض ثانوي أو في الخلفية، لكن اللافت أنه بعد كل هذه السنوات اكتشفتُ أنني أكثر انغماراً في مفهوم الهوية، أكثر من أي وقت مضى، كشرط أحمله معي ثقلاً وقيداً، لا أعتقد أني أريد الفكاك منه، من خلال الكتابة، اكتشفتُ أن الهوية تتخطى الانتماء الكلي أو المطلق لهدف أو قضية إلى فعل تكويني يجعلنا نحن ما نحن عليه، حتى وإن لم نحبه،لذا فإن بناء الهوية في الكتابة يعد شكلا من أشكال البحث،والسؤال،والاختبار،والاكتشاف،وإعادة اكتشاف الذات.
ماذا يعني الوطن لك؟
لا أعرف كيف يمكن الإجابة عن هذا السؤال، لكن أعتقد أن الوطن هو الشعور الملازم بالفقد، شعور يتبعني كشبح مرعب يستوطن كل وجودي، يقبض على كياني تماما، أعيش في حالة فقد مستدام،لذا فإن الكتابة في أحد أوجهها وسيلة لاحتواء هذا الفقد أو التخفيف من آثاره المدمرة.
ما الميراث الحقيقي لك؟
أترك الأمر للآخرين كي يقرروا "ميراثي"، شخصيا أحب أن يُقال إنني عشت الحياة، أو على الأقل حاولت.
هل تعتبرين نفسك كاتبة متمردة وجريئة؟
لا أصف نفسي بشيء ولا أصنف كتاباتي، أكتب ما تمليه عليّ ذاتي، خيالي غير المقيد، فكري "المضطرب" في الكثير من الحالات، ما أفكر به،وأحسه،أوأعيشه،أو أكتبه ليس مرتهناً بأي اعتبارات من أي نوع، في الكتابة أنا حرة بالمطلق، حريتي غير قابلة للمساومة، التقنين، الاحتيال، الالتفاف عليها.
هل كانت رواية "قبل ان تنام الملكة" تجربة شخصية؟
كل كتابة فيها شيء مني، هذه الرواية لها مكانة خاصة في قلبي وفكري، هي أقرب إلى سردية حياة تشبهني في أوجه عدة، رغم خصوصية الحكاية فيها، خصوصية التجربة الفلسطينية في المنفى التي تقدمها، فإنها شديدة الفلسطينية" بل "موغلة في الفلسطينية"، قد تكون الأقرب إلى القراء والنقاد.
كيف استقبلها النقاد؟
أحد النقاد وصفها بأهم عمل روائي للجيل الثاني من كتاب فلسطين بعد النكبة، كما اختيرت نقدياً ضمن أفضل قراءات العام 2012 في استفتاء خاص أجرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، الأجمل كان تفاعل القراءة مع الرواية ؛ التى صدرت في العام 2011، وحتى اليوم، ما زلت أتلقى رسائل عدة من قُرّاء لامست الحكاية حياتهم بطريقة أدهشتني أنا نفسي، كل قارئ، أيا كانت هويته وخلفيته الثقافية،النفسية،العاطفية، وجد شيئا منه فيها،هذا أمر مفرح، يؤكد بأن العمل الأدبي الأصيل قادر أن يصل القارئ في أي مكان من خلال خصوصية التجربة وتمايزها.
لماذا كان الأب فيها مختلفا عن المألوف؟
هل أكون مغالية أو مغرورة إذا قلت إن الأب فيها يعد أجمل أب عربي، أعتقد أنه في أحد جوانبها تحتفي بما قد تكون أبهى علاقة بين الأب وابنته، رغم كل ما في هذه العلاقة من خلل أو "ديفو" نفسي واجتماعي، هي علاقة يتحول فيها الأب إلى ولد عاجز، البنت إلى رجل بل امرأة بألف رجل، ثمة متسع في الحياة، رغم الخسارات، ليرقص الأب والبنت "دبكة" مرتجلة ذات ليلة على سطح بيت متواضع.
آخر الأخبار