صاحب أشهر ضحكة أنقذته المونولوجات من بيع الملابس القاهرة - محمد حليم:من يقترب من حياة مشاهير الفن، يجدها أكثر درامية ومأساوية من الأعمال الفنية التي قدموها وجسدوا شخصياتها رغم وهج الشهرة والحفلات والثراء الذي تمتعوا به لسنوات طويلة. في هذه الحلقات تقترب "السياسة "، أكثر من حياة مجموعة من أشهر نجوم الفن، ممن بلغوا قمة النجومية والشهرة وحققوا الملايين، عاشوا حياتهم بالطول والعرض، وأنفقوا ببذخ، لكن النهاية التي كتبها القدر كانت أكثر مأساوية مما نشاهده في الأعمال الدرامية.
* زواجه ممن تصغره بـ30 سنة جعله عرضة لهجوم شديد* الصحافة اعتبرته أستاذ يوسف وهبي فانتهت فرقته المسرحية * 15 جنيهاً أول راتب له بعد 7 سنوات من العمل ممثلاً بدون أجر مع عزيز عيد* سعد زغلول وصفه بالفنان الأعظم لقيادته المتظاهرين في الثورة خفيف الظل، أبرز صناع الابتسامة، يحمل براءة طفل رغم بنيانه الضخم، تميز بصلعته ووجهه البشوش، وضحكته الشهيرة في أغلب أعماله الفنية، ومن إعجاب الناس بها كانوا يقلدونها، ظل يضحك الجمهور طوال رحلته التي دامت أكثر من 50 سنة، إنه الفنان حسن فايق الذي تميز بجانب عمله المسرحي والسينمائي بإلقاء المونولوجات في ثورة 1919، ما دفع الزعيم سعد زغلول إلى وصفه بـ "الفنان الأعظم"، الغريب أن هذا الفنان الذي كان عنوانا للبهجة والسعادة وراسم الضحكة على الوجوه، مات يعاني من الاكتئاب بعد أن أصيب بالشلل النصفي الذي صاحبه في رحلة آلام دامت 15 سنة، كما عاني من الفقر بعد أن انفق ماله على العلاج، وبسبب ما آل إليه من فقر قرر الرئيس الراحل السادات منحه معاشا استثنائيا.ولد حسن فايق بمحافظة الإسكندرية في 7 يناير 1898، كان والده موظفًا بالجمارك وأمه ربة منزل، عاش طفولة هادئة، كل اهتماماته مثل أقرانه الأطفال الدراسة واللعب، حيث كان يذهب إلى المدرسة صباحا، ويعود إلى المنزل يدرس ويجتهد ثم يمارس اللعب، عرف في المدرسة بتفوقه وكان يحصل على أعلى الدرجات، وتوقع له مدرسوه مستقبلا باهرا كطبيب أو مهندس، لكن والده كان يحلم له بشيء آخر، فما أن ظهرت نتيجة الشهادة الابتدائية، حتى هرول حسن إلى والده يبلغه بنجاحه وتفوقه، شعر بالبهجة تملأ قلبه، وارتسمت الابتسامة على وجهه مصحوبة بدموع الفرح، التي انهمرت على خديه، احتضن حسن وشكره على نجاحه وتفوقه، وهو يشعر أن ابنه حقق مبتغاه من الدراسة، فقد أصبح قادرًا على القراءة والكتابة والحساب، وهو ما أراده له منذ بداية دخوله المدرسة، حتى يستطيع أن يعمل في التجارة التي لا تحتاج أكثر مما وصل إليه ابنه، بالتالي لا جدوى من استكمال تعليمه، ويجب أن يعهد به إلى من يعلمه ويدربه فنون التجارة، حتى يحقق حلمه في أن يصبح تاجرًا كبيرًا.بعد أسابيع من حصوله على الابتدائية اصطحب الأب ابنه وسافر إلى القاهرة وتحديدا إلى منطقة حلوان، حيث يمتلك أحد أقاربه متجرا تجاريا كبيرا، يمكنه أن يلحق ابنه به، رغم حب حسن للتعليم لكنه عندما علم بأنه سينتقل إلى القاهرة للعمل فيها تغاضي عن حلمه بالاستمرار في التعليم، وشعر بالفرحة لأن والده قبل أن يذهب به إلى قريبه صاحب المتجر اصطحبه لمشاهدة إحدى مسرحيات الشيخ سلامة حجازي كهدية له على نجاحه وليدخل السرور إلى قلبه، ما إن رأى حسن، الشيخ سلامة يمثل مع فرقته، حتى وجد نفسه منبهرا بهذا العالم الجديد عليه، وراح يتخيل نفسه واحدًا ضمن الفرقة يمثل، ويضحك ويسعد الجمهور. تسلم حسن عمله في المتجر، كمساعد بائع ملابس في القسم الخاص بالنساء، بينما عاد والده إلى الإسكندرية ولسانه لا يكف عن الدعاء له بأن يتقدم في عمله ويصبح تاجرًا له اسمه، ويمتلك متجرا كبيرا في الإسكندرية، لكن حسن كان حلمه في طريق آخر، هذا الحلم لم يعرف طريقه إليه إلا بعد أن رأى الشيخ سلامة حجازي وفرقته، وتمنى أن يصبح ممثلا، هذا الحلم الذي سيطر عليه، لكنه لن يفعل شيئا بعيدا عن إرادة والده، لذلك استغل اجازته من المتجر وفاتح والده في الأمر، وإذ به يفاجأ بثورة كبيرة من أبيه انتهت بالرفض القاطع، وأثناء عودته إلى القاهرة طالبه والده بالتركيز في عمله حتى يتعلم أصول التجارة فقط.خضع حسن لرغبة أبيه، وانهمك في عمله، وبعد شهور وصله خبر وفاة والده، حزن حسن لفقدانه الأب الذي كان يحبه كثيرا، لكنه أحس أن حلم التجارة الذي أراده له والده انتهى، وقرر السير في طريق حلمه الخاص، لكنه قرر أيضا أن يمارس عمله التجاري حتى يضمن دخلا يمكنه من الإنفاق على حياته وحلمه. "أصدقاء التمثيل"ذات يوم وبينما يعمل في المتجر، سمع من أحد الزبائن أن فرقة "عكاشة" تأتي لعرض رواياتها في "كازينو حلوان" كل أسبوع، كان حسن وقتها لا يتجاوز عامه السادسة عشر، وما أن عرف بذلك حتى أصبح زبونا دائما، لا يفوت عرضا من عروض الفرقة المسرحية، وكان يجد متعته في مشاهدة العروض التي تنسيه همومه التي يلقاها من متاعب التجارة طوال الأسبوع. ومن خلال احتكاكه بالعروض المسرحية كمتفرج حلم باليوم الذي يصبح فيه ممثلا ويخرج من دائرة المتفرجين، وأثناء تردده على المسارح عرف أن العديد من فرق الهواة يقدمون عروضهم في حديقة الأزبكية، لحظتها شعر بسعادة وأحس أن حلمه يوشك أن يرى النور، لذلك قرر ترك متجر قريبه لأجل الفن. بالفعل ذهب فايق إلى حديقة الأزبكية، وقرر الانضمام إلى فرقة "أصدقاء التمثيل". كانت هذه أفضل الأيام وأجمل الليالي بحسب تعبيره في لقاء له مع الإذاعي الراحل وجدي الحكيم، رغم الصعوبات التي واجهته مع الزملاء في الفرقة، حيث كانوا يسيرون في شوارع القاهرة ودروبها، بحثًا عن شقة صغيرة يستأجرونها، من أجل التمثيل الذي كانوا لا ينفقون عليه، لدرجة أنهم كانوا يبحثون عن الروايات المطبوعة لتسهيل إنتاج عمل مسرحي خاص بهم، كما كانوا يواصلون الليل بالنهار من أجل إتمام لوازم العروض التي كانوا يقدمونها، إلا أن حسن وجد نفسه بعد فترة في أزمة، حيث انفق كل ما ادخره خلال فترة عمله التجاري على المسرح. ولم يخرجه من ذلك إلا الفنانة "روز اليوسف"، التي كانت دومًا تحضر عروض فرقة أصدقاء التمثيل، حيث أعجبت بحسن فايق بشدة، فدعته ليشاركها مسرحية "فران البندقية"، وبعد ذلك قدمته للفنان عزيز عيد، الذي لعب دورا كبيرا في حياته وشهرته الفنية، إذ اكتشف فيه الحس الكوميدي رغم أن كل العروض التي شارك فيها مع فرقة الأصدقاء كانت تاريخية لم يقدم من خلالها أية كوميديا.
حدث هذا في الوقت الذي كان فيه حسن بعد أزمته المالية يفكر أن يعود مرة أخرى للتجارة، لكن عمله مع عزيز عيد جعله يواصل استكماله طريق الفن، إذ شارك معه في مسرحية "خلي بالك من إيميلي"، لكن بعد أن كان المكتشف الحقيقي لكوميدية حسن فايق قدمه في الرواية الضاحكة "الطفل الخارق للطبيعة" لينطلق منها إلى عالم الكوميديا، بعدها انضم حسن إلى فرقة نجيب الريحاني، الذي كان أحد العاملين أيضًا ضمن فرقة عزيز عيد، لكنه انفصل وكون فرقته الخاصة، نظرًا لعدم تقاضيهم أجرا حيث كانوا يعملون بدون مقابل مادي. وكان فايق يعمل مع الريحاني الذي أعطاه لأول مرة راتبا قدره 15 حنيهًا بعد سبع سنين من العمل بدون أجر في فرقة الفنان عزيز عيد، ومن أهم المسرحيات التي قدمها فايق مع الريحاني "حكم قراقوش، الدنيا لما تضحك، الستات مايعرفوش يكدبوا، إلا خمسة".كما واجهته المشكلات في فرقة عزيز عيد، لم تفارقه أيضا مع الريحاني الذي كان يرفض أن يضع اسمه على البوسترات الدعائية لأعماله، فرأى حسن فايق ضرورة أن يصنع انطلاقته بنفسه من خلال فرقة خاصة به، يكونها من زملائه الذين بدأوا معه، فانفصل عن نجيب الريحاني، وعمل مستقلًا في فرقته الجديدة التي ضم إليها "يوسف وهبي، وعباس فارس، وحسين رياض"، وافتتحت الفرقة أعمالها بمسرحية "ملكة جمال". في هذه الفترة غمرت الراحة قلب فايق، إلا أن الصحف لم تجعله يهنأ، حيث أشارت إلى أن يوسف وهبي أصبح تلميذا له طالما يعمل في فرقته، فضربت المشاكل الفرقة، وبعدها أعلن فايق حلها. لم تمض شهور حتى أعلن يوسف وهبي تكوين فرقته، كان وقتها حسن فايق في المنزل دون عمل، أتعبته طريقة الريحاني ومن قبلها عزيز عيد، ثم فرقته التي لم يكتب لها الاستمرار، عرض عليه يوسف وهبي العمل معه، لكنه رفض ثم قبل بسبب إلحاح وهبي عليه، لكنه ندم على موافقته، إذ وجد أن يوسف وهبي يعمل على الانتقام منه بسبب ما أعلنته الصحافة بأنه أصبح تلميذه، وأن صديقه عندما ألح عليه للعمل معه، لم يكن لكي يقدم فنا لإسعاد الجمهور، لكنه وعلى عكس ما توقع قابل مضايقات عديدة وتقليلًا من قيمته الفنية، من حيث الأدوار التي كان يخصصها وهبي له، ليترك فايق الفرقة، ويعود إلى المنزل يرافق وحدته مرة أخرى.شم الكوكايينهذه المرة لم يترك حسن الحزن يسيطر عليه، فكر في جانب فني مختلف يستطيع من خلاله أن يقدم إبداعه إلى الجمهور ويدخل البهجة إلى قلوبهم، دون أن يكون تحت إمرة أحد من أصحاب الفرق المسرحية، فوجد ضالته في "المونولوج" وكان بالفعل مفتاح الفرج والحل له، وقاده إليه صديقه الفنان عبدالقدوس، الذي اشتهر بتقديم المونولوجات وقتها، ومن أهمها مونولوج "حلوة حلوة دي العروسة"، أجاد فايق إلقاء المونولوج ليصبح على قمة النجوم الذين يحييون الحفلات في النادي الأهلي، مثل مونولوج "فقي القرافة"، ومونولوج "شم الوكايين" الشهير. أحب فايق المونولوج وأحبه الجمهور، حتى قيام ثورة 1919 وخلالها حمله المتظاهرون على الأكتاف في شوارع القاهرة، ليلقي المونولوجات، فقد تميز وقتها بتقديم أنواع من النقد الاجتماعي، حتى اعتبره سعد زغلول "الفنان الأعظم".ساهم عمله كمنولوجست في شهرته بشكل كبير، وهو ما فتح أمامه أبواب السينما التي بدأ رحلته فيها عام 1932، حيث شارك في أفلام منها "أولاد الذوات، عنتر أفندي"، في العام 1937 قدم مع صديقه نجيب الريحاني فيلم "سلامة في خير"، وواصل رحلته مع السينما فقدم أفلاما تعد علامات في تاريخ السينما منها "أم رتيبة، الزوجة 13، ليلة الدخلة، بسلامته عايز يتجوز"، بجانب ثنائيته مع إسماعيل ياسين في أفلام "ليلة العيد، حسن وماريكا، إسماعيل ياسين في البوليس السري، زوج للإيجار، إسماعيل ياسين طرزان، امسك حرامي، إسماعيل ياسين في دمشق، إسماعيل ياسين في جنينة الحيوانات، صاحبة العصمة، عفريت عم عبده، فلفل، جواهر، العقل والمال"، حتى وصل مجمل أعماله الفنية إلى نحو 170 عملا.وفيما يتعلق بحياته الشخصية فقد تزوج فايق مرتين، الأولى من نعيمة صالح وظل معها 40 سنة حتى وفاتها وأنجبت له ابنتين هما وداد وعليا، كانت حياة أسرية مستقرة وقد عبر فايق عن علاقته بزوجته قائلًا " طوال الأربعين عاماً التي قضيتها مع زوجتي الأولى لم أقل مرة واحدة كلمة "لا"، كنت دائماً أقول "حاضر، أمرك، زي ما تشوفي"، لم يكن ذلك لأني ضعيف الشخصية أو تابع لها، ولكن لإيماني بأنها أرق وأضعف من أن أصدمها بضعفها". وبعد وفاتها مكث فايق في منزله حزينا، يتذكر أجمل الذكريات التي عاشها مع زوجته. كادت الوحدة تستأثر به، ويصيبه الاكتئاب المصاحب للفراق والفقد، لكنه اعتاد على الأجواء الأسرية، خصوصا أن ابنتيه تزوجتا، فلم يجد حلا سوى أن يتزوج مرة أخرى، وكانت هذه المرة من شابة تصغره بنحو 30 سنة، كان وقتها بلغ الستين، مما عرضه للهجوم من الصحافة وكذلك من بناته والمقربين له، لكنه برر ذلك في حوار مع جريدة الجمهورية قائلًا "أنا رجل اعتدت الحياة الأسرية، وشقيقتي جاءت لتعيش معي بعد رحيل زوجتي، وليس من المعقول أن تترك بيتها وزوجها للعناية بي، خصوصاً أن ابنتي تزوجا، ورجل في مثل سني يحتاج إلى من يرعاه ويخدمه، ولن أقبل أن تكون هذه الرعاية من خادم أو خادمة، لذلك تزوجت" وأضاف أن ابنتيه غضبتا في البداية، لكنهما بعد ذلك تفهمتا موقفه.رحلة ألمذات مرة في عام 1965 قرر حسن فايق، الذهاب لأحد محلات الأحذية وكعادته ينشر ابتساماته على من حوله، فسارعوا للترحيب به بمجرد رؤيته، طلب فايق فنجانًا من القهوة، بدأ في احتساءه، ثم ارتعشت يده ليسقط على بدلته، بينما يأتي العاملون بالمحل لمساعدته، فإذ به يسقط على الأرض، ليهرولوا به إلى المستشفى الإيطالي بالعباسية، وعندما فحصه الطبيب أكد إصابته بالشلل النصفي.أقعده المرض عن الحركة والعمل، أصابه الاكتئاب، ازدادت حالته سوءا بعد أن انفق كل أمواله، وبسبب عدم قدرته تحمل نفقات علاجه، طالب الدولة بعلاجه، لكن دون أي استجابة، واستمرت معاناته حتى وصلت شكواه إلى الرئيس الراحل أنور السادات الذي أمر بصرف معاش استثنائي له، وصرف العلاج اللازم له.صاحب أشهر ضحكة التي تعلمها من أحد البشوات كان قد جاء ليشاهد إحدى المسرحيات في مسرح الريحاني ولمحه فايق أكثر من مرة يضحك بهذه الطريقة، ليجد نفسه متمسكًا بهذه الضحكة، ظل فريسة للشلل 15 سنة، حتى أصابه الاكتئاب ولم يغادره حتى وفاته عن عمر ناهز 82 عاما في 14 سبتمبر 1980 بعد رحلة دامت أكثر من 50 سنة، رسم فيها البهجة على الوجوه، ولا تزال ترسمها أعماله حتى اليوم، رغم رحيله منذ سنوات طويلة.


حسن فايق مع عائلته