الأربعاء 02 أكتوبر 2024
33°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الافتتاحية

حين طرد السلطان رئيس الوزراء والوالي وقاضي القضاة الفاسدين

Time
السبت 08 يوليو 2023
View
15
السياسة
حين يستشري الفساد في دولة ما يكون القضاء هو خشبة الخلاص لأن القضاة هم الحراس الساهرون على إحقاق العدل، لكن عندما يدخل فيروس المصالح الى هذا الصرح، تصبح الحاجة ملحة لمن يقوّم المسيرة، حتى لو كانت هناك مخاطرة كبيرة، كأن يخسر القاضي الجريء امتيازاته، لكن في النهاية يحقق العدالة ويتحمل المخاطرة.
في هذه العجالة تذكرت قصة القاضي شمس الدين الحريري ومسؤول إحدى المقاطعات في إحدى الدول الإسلامية القديمة، الذي عرف عنه انه جريء في أحكامه، لا يخاف أيا كان، كما لا يستقبل الهدايا من أحد، ولهذا كان له أعداء كثر، وصدف أن توفي قاضي المقاطعة، فانتدب مكانه شمس الدين، الذي سرعان ما اكتشف أن المسؤول عنها فاسد، يعتدي على حقوق الناس، ويغتصب نساءهم، ويقتل كل من يقف بوجهه، ومن الصعب مواجهته بجرائمه من دون اعتراف صريح منه شخصياً.
حينها لم يجد شمس الدين بداً من استمالة ذلك المسؤول الكبير الذي كان يفتخر بصداقته مع الوالي الذي هو حفيد السلطان، والأخير على علاقة جيدة برئيس الوزراء، فعمل شمس الدين على توطيد العلاقة بالمسؤول وكان يلقب بالاشرم، الى حد أن ائتمنه على أسراره، ولما اطمأن اليه دبر له مكيدة، وهي أن يخبره أن الوالي فقد حظوته عند رئيس الوزراء، وبالتالي أصبح الاشرم بخطر.
لكنه نصحه بكتابة رسالة الى صديقه الوالي بكل جرائمه عله يساعده، وأن ينقل شمس الدين الخطاب إلى الوالي، وحين حصل عليها نسخها، واحتفظ بالأصل، وسافر الى العاصمة كي يقابل السلطان الذي ما إن عرف بالتهم حتى أمر بتشكيل محكمة فوراً، برئاسة قاضي القضاة، ولأن الأخير كان شريكا في الفساد حاول الضغط على شمس الدين كي يسحب دعواه، لكنه أصر، وعندها طلب قاضي القضاة يوماً للحكم، وفي صبيحة اليوم التالي في المحكمة شب حريق في منزله وأتى على مجموعة أوراق منها رسالة اعتراف الاشرم، وكذلك رسالة الوالي اليه يطمئنه فيها إلى انه لا يزال قوياً، ولا أحد يمكنه المس به.
حينها سعى قاضي القضاة الى عقد صفقة مع شمس الدين، مفادها أن يسحب دعواه مقابل أن يزكيه أمام السلطان، فقبل الصفقة، لكن عندما مثل أمام رئيس الدولة قال: "إنني اتهم قاضي القضاة، إضافة الى رئيس الوزراء، والوالي بالتغطية على مجرم فاسد فاسق، وهذا دليلي، وسحب من جيبه النسخة الاصلية لاعترافات الاشرم، ورسالة الوالي اليه".
‏حينها استشاط السلطان غضباً وقال: "حين يتفشى الفساد حتى بين كبار المسؤولين سيعم الخراب في البلاد، وتنهار الدولة"، وأمر بعزل رئيس الوزراء وحفيده الوالي، وإلقاء القبض على الاشرم، وعين شمس الدين رئيساً للوزراء، لأمانته وسعيه الى إحقاق العدالة مهما كان الثمن.
حين يكون هناك سلطان يخاف على بلاده، عليه ان يسعى الى الحقيقة من أصحابها، وكذلك أن يختار المسؤولين الذين لا يعميهم الطمع، ولهذا خلال الحرب العالمية الثانية أراد رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل تفقد الدمار الذي عم لندن جراء قصف الطائرات الألمانية، وحينها لم يسأل عن الاقتصاد، ولا عن الصحة، ولا الوقود، أو سعر صرف الجنيه الاسترليني، بل سـأل عن الـقضاء، وهل هو بخـير وما زال بعيداً عن الرشوة والفساد، وعندما كانت الإجابة "نعم"، كان رده حاسماً: "اطمئنوا طالما القضاء بخير فبريطانيا بخـير"
هنا أراد تشرشـل أن يرسي مبدأ مفاده أن استمرار العدل في الدولة دليل على قوتها وقدرتها على الخروج من أزمتها، لأن القضاة ملح الأوطان، فإذا أصاب هذا الصرح عطب ما في أي دولة فعلى الدنيا السلام، ولنا في مجموعة دول عربية خير مثال على فشل المؤسسات لأن العدالة غابت عن القضاء.

أحمد الجارالله
آخر الأخبار