الأحد 29 يونيو 2025
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة

خارطة طريق لاسترداد فلسطين

Time
الأربعاء 12 مايو 2021
View
5
السياسة
محمد الفوزان

ذكر القاضي الفاضل في كتابه "عيون الروضتين" ان شاباً من المسلمين كان أسيراً لدى مملكة بيت المقدس الصليبية وكتب الى السلطان صلاح الدين رقعة قال فيها:
"يا أيها الملك الذي لمعالم الصلبان نكّس
جاءت اليك ظلامة تسعى من البيت المقدّس
كل المساجد طُهرت وأنا عليّ شرفي منجّس"
وكتب في آخرها "نشتاق لنسمع الآذان من المسجد الأقصى".
عندما وصلت الرقعة الى صلاح الدين بكى متأثراً، وشعر ان تحرير بيت المقدس قد آن أوانه، فوضع خارطة طريق الى تحريره، وانطلق سنة 583 هـ، وجد في بيت المقدس ما يزيد عن 60 ألف رومي، كلهم قد تمت تعبئتهم وتحريضهم على ان الموت أهون عليهم من تسليم فلسطين للمسلمين.
كانت الظروف السياسية في ذاك الزمان مثل ظروفنا اليوم من الانقسام والتشرذم والنزاع، ففي كل بلدة دولة، وفي كل بقعة حكومة، في دمشق دولة، وفي بعلبك دولة، وفي حماة دولة، وفي حلب دولة، وفي ماردين دولة، وفي الموصل دولة وفي سنجار بجنب الموصل دولة، وفي الحلة دولة، وفي بانياس دولة وفي الجبل دولة.
وكان في كل دولة ملك وأمير لهم اسماء عجيبة وسيرَ أعجب، وكانت قد دهمت الشام قبل صلاح الدين حملتان صليبيتان جاءتا كموج البحر، لهما أول وليس لهما آخر، ساقها الطامعون باسم الغيرة على النصرانية وإنقاذ أرض المسيح واحتلال فلسطين، وكانت لهم دول لا دولة واحدة، فلهم في القدس مملكة، وفي انطاكية امارة، وفي طرابلس امارة، وفي الرّها حكومة، بالاضافة الى عشرات القواعد والقلاع العسكرية المتناثرة في الشام.
طالت جذور هذه الدول وبسقت فروعها، وباضت وفرّخت وحسب اهلها والمسلمون انها امتلكت الشام وفلسطين الى الابد، فكيف استطاع صلاح الدين ان يصنع من ضعف المسلمين قوة، ومن انقسامهم وحدة، حتى واجه أوروبا كلها وأزال ما أمكن من بقايا الحملتين الماضيتين ورد الحملة الثالثة الهائلة التي رمته بها أوروبا؟
إنه لم يردّ العدو بعدد المسلمين ولا بعددهم، ولكن بالسلاح الوحيد الذي لا ينفع في هذا المقام غيره، بالايمان والعدالة، لقد تمسك بأهداب الدين، وأقام دولته على اساس من الاسلام متين، وقرب أهل العلم والحكمة والدين، ونشر العدل فكان مستشاروه وخاصته اعلام العصر: القضاة الفاضل وابن الزكي وابن شداد، وكان كلما نزل بلداً دعا علماءه، ومن كان لا يأتي على ابواب السلاطين اخذ أولاده وذهب اليه، مثلما ذهب الحافظ الاصبهاني في الاسكندرية.
كان يحرص على صلاة الجماعة، ويواظب على مجالس العلم والحديث، حتى في ليالي القتال، لم يترك صلاة الليل إلا نادراً، ويلجأ الى الله كلما داهمته الشدائد وضاقت عليه المسالك، فيجد الفرج والنجاة، وكان يقيم الحق ولا يبالي ولا يحابي احداً، اخذ مرة ابن اخيه تقي الدين وأعز الناس عليه بشكوى عامي من دمشق اسمه ابن زهير وعاقبه.
كان اعتماده على الله، ما استكثر عدواً ولا خافه، كان، رحمه الله، معتلاً بدمامل ما تفارق نصفه الادنى، ومع ذلك يركب الخيل ويصبر على الالم ويخوض المعارك، واي معارك.
انا لا اعرف في كل ما قرأت من كتب التاريخ جيشا خاض معارك اكثر مما خاضه جيش صلاح الدين حتى كتب له النصر في حطين، ونجح في استرداد فلسطين وبيت المقدس من المحتلين، بعد ان كانت محتلة اكثر من 91 سنة، أَفَتَشكّون يا سادة في استردادها اليوم بعد ان مضـى على احتلالها قرابة 70 سنة؟
ان الأمة التي اخرجت صلاح الدين، وهي أسوأ من حالنا اليوم حالا، واشد انقساماً وأكثر عيوباً، لا تعجز عن ان تخرج اليوم مثل صلاح الدين، وان نكبة فلسطين بالصليبيين كانت اشد مئة مرة من نكبتها اليوم، وقد مرت وتلاشت وانتهت، واذا عجزنا نحن على ان نعود الى مثل سيرة صلاح الدين ليكتب لنا مثل نصر حطين، فسيخرج الله من أصلابنا من هم أنقى منا وأطهر، وسيستردون فلسطين.

[email protected]
آخر الأخبار