الأخيرة
خديجة بنت سحنون فقيهة نساء القيروان
الأربعاء 19 فبراير 2020
30
السياسة
محمد الفوزانالقَيْرَوَان مدينة تونسية، تبعد نحو160 كيلومترا عن تونس العاصمة والقيروان المعروفة بعاصمة الأغالبة هي أول المدن الإسلامية المشيدة في شمال أفريقيا، وكان لها دور ستراتيجي في الفتح الإسلامي، انطلقت منها حملات الفتح نحو الجزائر والمغرب وإسبانيا وأفريقيا بالإضافة إلى أنها رقاد لعدد من صحابة رسول الله محمد صلى الله عليه . أنجبت مدينة القَيْروان في تونس خلال فترة ازدهارها العلمي ونبوغ حضارتها أكابر العلماء والمحدِّثين والفقهاء من الرجال والنساء، كان من بينهم العالمة والفقيهة الجليلة خديجة بنت الإمام سحنون التي بلغت في علمها وأدبها مراتب عليا وشأناً عظيماً.هي بنت الامام سحنون الفقيه وقاضي قضاة القيروان صاحب "المُدَوَّنه" في الفقه المالكي، الذي يعد المرجع الاساسي للمذهب المالكي، وقد انتهت اليه رئاسه العلم في المغرب، وكان زاهدًا لا يهاب سلطانًا في حق يقوله، وكان رفيع القدر، عفيفًا، ابي النفس، توفي سنه 240هـ.وهي اخت العالم الكبير محمد صاحب اول رسالة في التربية والتعليم التي تحمل عنوان " آداب المعلمين"، الذي قال عنه ابن الجزار الطبيب الاديب المؤرخ: "كان إمام عصره في مذهب اهل المدينة بالمغرب، سمحاً بما له، كريماً في معاشرته، نفّاعاً للناس، مطاعاً، جواداً بماله وجاهه، وجيهاً عند الملوك والعامة، جيد النظر في الملمات"، وكان ــ اي أخوها محمد ــ فقيهًا مالكيًا مناظرًا، كثير التصانيف، لم يكن في عصره احد أجمع لفنون العلم منه، رحل الى المشرق سنة 235هـ ، ونقل الى القيروان فدفن فيها، ورثي بثلاثمئة مرثية، وتوفي سنه 256 هــ .تربت العالمة والفقيهة خديجة في "دار سحنون" الشهيرة بالقيروان التي نوّه اليها المؤرخون واصحاب الطبقات ، وقال عنها ابن حارث: قام سؤدد العلم في دار سحنون نحو مئة وثلاثين عاماً ابتداء من طلب سحنون واخيه الى موت ابن ابنه محمد بن محمد بن سحنون".وصف القاضي عياض في كتابه "ترتيب المدارك وتقريب المسالك بمعرفة اعلام مذهب مالك" خديجة بنت سحنون بقوله : "كانت من خيار النساء ومن أحسنهن وأعقلهن" ، ووصف أصحاب الطبقات تلاميذ ابن سحنون، ومن بينهم ابنته خديجة بقولهم: كان أصحاب سحنون مصابيح في كل بلدة وعددهم نحو سبعمئة رجل ظهروا بصحبته وانتفعوا بمجلسه.وكانت خديجة من العلماء الكبار والعالمات القيروانيات ممن اخذوا عن ابيها سحنون وساروا على دربه ومنهجه، وقد كان نساء زمانها يستفتينها في مسائل الدين، ويقتدين بها في معضلات الامور؛ لما منحها الخالق جل ثناؤه من كمال العقل والمدارك العالية ، وقد وردت اخبار عنها، من ذلك ان سحنون حينما علم بقرار تعيينه قاضياً بالقيروان تَمَنَّع وتمَلَّص، فأغلظ عليه الامير محمد بن الاغلب أشد الغِلظة، وحلف عليه بأشد الأيْمان حتى وافق، فبلغ به الغم والحزن لعِظَم الامر عليه أن احداً من الناس لم يجرؤ على تهنئته، ويروي انه دخل على ابنته خديجة حينما عُرض عليه تولي القضاء قائلاً: "اليوم ذُبح ابوك بغير سكين".كما قال القاضي عياض في ترتيب المدارك: كانت خديجة عاقلة، عالمة، ذات صيانة ودين، وكان ابوها يحبها حبًا شديدًا، ويستشيرها في مهمات أموره ، حتى أنه لما عرض عليه القضاء لم يقبله الا بعد اخذ رأيها، وكذا كان يفعل أخوها محمد بعد وفاة أبيهما.وقال ابو داود العطار: ارسلني ابو جعفر احمد بن لبدة ابن أخي سحنون لأخطب له خديجة من أبيها ، وكانت من احسن النساء، واعقلهن، فذكرت ذلك لسحنون فقال لي: هممتُ بذلك، وسكت، ثم اتاه ابنه محمد فاستشاره ولم يُجب الخطبة، اي لم يوافق ، وتوفي سحنون فارسلني ابن لبدة إلى محمد ابنه، فذكرت ذلك له فقال: كيف أتجاسر على ما لم يصنعه ابي؟ ، فسكت عنه حتى توفي محمد، فارسلني اليها فقالت: ما لم يفعل ابي واخي انا اصنعه؟ لا أفعل أبدا.ويذكر أحد المؤرخين أن الذي منع خديجة من الزواج بقريبها العالم الحياء والحشمة التي فُطرت عليها، وكأنها أرادت احترام نيّة والدها وأخيها ولو أدّى ذلك الانقباض إلى التضحية بشبابها والاقتصار على اشغال حياتها بما يُرضي الرب من صلاة وعبادة ونصيحة وإفادة.وقال عنها عمر رضا كحالة في كتابه " أعلام النساء ": من ربات العقل والرأي والعلم والفضل والدين والصلاح، أخذت العلم عن أبيها حامل لواء مذهب مالك بالمغرب، واستفتاها نساء عصرها في مسائل الدين، وكانت قدوة صالحة لهن في معضلات الأمور".وماتت خديجة بنت سحنون وهي بِكر في سنة 270 هـ، ودُفنت حذو أبيها بمقبرتهم المشهورة بهم قرب مقام الصحابي أبي زمعة البلوي رضي الله عنه.إمام وخطيب