محمد الفوزانفي مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في المدينة ستجد أسرارا في كثير من الزوايا والأماكن، وحتى الممرات تشهد على قصص وحكايات عظيمة، أبطالها جيل من الصحابة لن يتكرر أبدًا، حتى الألوان على الجدران لها قصة، وحكاية، وسبب لاختيارها، وأدق التفاصيل أيضًا لها قصص وحكايات. ولأن المسجد النبوي مر بتوسعات عدة منذ عهد النبي(صلى الله عليه وسلم)، حتى يومنا هذا، وكل من حكم هذه الأرض اهتم بالمسجد النبوي أشد اهتمام وبزواره، لذلك كانت التوسعات مهمة جدًا لأن أعداد الزوار تكثر كل سنة.قصتنا اليوم تعود إلى توسعة قديمة جدًا، وتحديدًا هي ثاني توسعة في تاريخ المسجد النبوي الشريف.في سنة 17 هجرية، وبسبب كثرة عدد المسلمين نتيجة الفتوحات الإسلامية، أمر الخليفة عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه) بتوسعة المسجد النبوي، لكن كان أمام الفاروق مشكلة بسيطة، وهي أن دار أم المؤمنين حفصة بنت عمر تقع أمام المقصورة الجنوبية، وتحديدًا في المكان الذي يقف الناس فيه للسلام على رسول الله.هذا هو المكان تحديدًا الذي كانت فيه حجرة أم المؤمنين حفصة (رضي الله عنها)، ولو نلاحظ أن الحجرة تقع وحدها جهة الجنوب، والمسجد كان يجب توسعته في تلك المنطقة، لذا كان يجب إزالة حجرة حفصة بنت عمر (رضي الله عنها).لكن السؤال: كيف سيتم إقناع حفصة بترك حجرتها التي كان ينام فيها زوجها صلى الله عليه وسلم؟ذهب عمر بن الخطاب ليقابل ابنته ويقنعها بأمر الإزالة، فبكت بكاءً عظيما، ورفضت أن تترك حجرتها الشريفة التي كان ينام بها زوجها (صلى الله عليه وسلم)، فتركها عمر وعاد إليها بعد يومين، فوجد منها كما وجد سابقًا، إذ رفضت رفضًا قاطعًا، فلا أحد يرغب أن يتنازل عن حجرة شريفة كهذه.حاول الصحابة إقناع حفصة، لكنها أبت، ورفضت بشتى الطرق، فهي تسكن في حجرة شريفة، وبينها وبين قبر زوجها وحبيبها (صلى الله عليه وسلم) جدار فقط، فكيف ترضى أن يتم إبعادها عنه، تدخلت عائشة( رضي الله عنها)، وكبار الصحابيات، لكن حفصة أبت أن تتنازل عن قرارها.وبعد بضع ليالٍ ذهب عمر برفقة ابنه عبدالله إلى حفصة وحينها، وافقت، لكن بشرط، إذ جاء عمر وابنه عبدالله إلى حفصة بعرض مغر، وهو أن يتنازل عبدالله لأخته حفصة عن منزله، وكان منزله إلى جوار منزل حفصة، وهو الواقع اليوم في الجهة المقابلة لقبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم). لكن اشترطت عليهم شرطا عظيما، وهو أن يفتحوا لها نافذة تكون مطلة على قبر زوجها وحبيبها(صلى الله عليه وسلم)، ولا تغلق أبدًا، فوعدها عمر بن الخطاب بذلك، وفتح لها نافذة بناءً على طلبها، واستمر هذا الوعد حتى يومنا هذا وبعد 1400 عام من وفاة حفصة وعمر، ما زالت نافذة حفصة تطل على قبر نبينا.هذه النافذة لها أسماء عدة ومسميات أخرى على سبيل المثال، ذكر السيوطي أن اسمها "خوخة عمر بن الخطاب"، وذكر ابن كثير أن اسمها "خوخه آل عمر"،ومعنى خوخة أي نافذة أو مطل.كل من تولى أمر المسجد النبوي اهتم بهذه النافذة، وحافظ على وعد الفاروق عمر (رضي الله عنه) منذ ذلك الزمان حتى هذا الزمان، والكثير يزورون المسجد النبوي ولا يعلمون قصة هذه النافذة الجميلة، والوعد الذي تم إطلاقه، ويراه أمام عينيه اليوم...رضي الله عنهم جميعًا.إمام وخطيب
[email protected]