الأحد 04 مايو 2025
29°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة

خيانة على أسوار فيينا

Time
الخميس 14 يوليو 2022
View
5
السياسة
محمد الفوزان

الخيانة التي حطمت أعظم الإمبراطوريات كان ‏احتلال العاصمة النمسوية فيينا حلمًا يراود العثمانيين؛ لما تمثِّله من أهمية ستراتيجية في القلب الأوروبي؛ فقد كان العثمانيون في كل مرة يكتفون بالعودة من أسوار فيينا غانمين الأموال، وربما غنموا أجزاء جديدة من أوروبا الشرقية أوالوسطى بموجب اتفاقيات مع النمسا.
‏بعد بدء التحرك العثماني في عمق أوروبا لصد الألمان، والسيطرة على بعض القلاع النمسوية المهمة، جمع الصدر الأعظم رئيس الوزراء قرة مصطفى باشا مجلس الحرب في جيشه، وأعلن أنه سيتحرك تجاه فيينا، وقد أثار قراره حيرة الوزراء، ‏واعترض عليه الوزير إبراهيم باشا، الذي أكَّد أن رغبة السلطان محمد الرابع هي الاستيلاء على "يانق قلعة"، ومناوشة أوروبا الوسطى، وأن الحملة على فيينا يحتمل أن تكون في العام المقبل، فأجابه قرة مصطفى باشا أن من الصعب أن يتجمع جيش مرة ثانية بمثل هذه الكثافة والقوة.
‏فلما سمعت أوروبا بقدوم العثمانيين اجتمعت لنجدة فيينا من السقوط، وأمر ملك بولندا بنقض عهده مع العثمانيين، وأمر الألمان بالتوجُّه إلى فيينا، فتجمَّعت جيوش من بولندا وألمانيا والنمسا حتى وصل تعدادها إلى 70 ألف جندي.
‏وبعدما شعروا أن سقوط فيينا ليس أمامه إلا أيام قليلة، أقدم الأوروبيون على عبور جسر الدونة، الذي يُسيطر عليه العثمانيون بالقوة، مهما كلفهم من خسائر؛ حيث لم يكن بالإمكان إيصال الإمدادات إلى فيينا من دون عبور هذا الجسر.
‏على الجانب الآخر كان الوزير قرة مصطفى قد وضع قوة عثمانية يقودها أمير القرم مراد كراي، عند جسر الدونة، وهو الطريق الوحيد إلى فيينا من الغرب؛ ليمنع تقدُّم الأوروبيين، وأمر مراد كراي بنسف الجسر إذا اقتضت الضرورة.
‏وهنا حدث ما لم يكن في الحسبان؛ فقد ارتكب مراد كراي خيانة عظمى؛ وذلك بسماحه للأوروبيين بالعبور من الجسر من دون قتال؛ وذلك بسبب كراهيته لقرة مصطفى؛ فقد كان مصطفى باشا يكره كراي، ‏أما مراد فكان يعتقد أن فشل مصطفى باشا في فيينا سيُسقطه من السلطة، ولم يخطر ببال هذا القائد الخائن أن خسارة العثمانيين أمام فيينا ستُغَيِّر مجرى التاريخ العالمي، وسينهي الوجود العثماني تماما في عمق أوروبا.
‏وفي يوم السبت 20 رمضان 1094، الموافق لـ 12 سبتمبر 1683ميلادية، تقابل الجيشان أمام أسوار فيينا، وكان الأوروبيون فرحين بعبورهم جسر الدونة، إلا أن مصطفى باشا شن هجوما مضادا بمعظم قواته، وكان الأتراك يريدون دخول فيينا قبل مجيء المدد الأوروبي، لكن الوقت قد نفد.
‏ففي الوقت الذي أعدَّ فيه المهندسون العسكريون تفجيرًا من خلال نفق أعدوه للوصول إلى المدينة بشكل أسرع، اكتشف النمسويون موضعه، فدخل أحدهم النفق، وأبطل مفعول التفجير.
‏ثم حدثت خيانة عظمى أخرى من جانب أوغلو إبراهيم، قائد ميمنة الجيش العثماني؛ إذ انسحب من القتال، وكان لهذا الانسحاب الأثر الأكبر في هزيمة العثمانيين، وقد استطاع قرة مصطفى أن ينسحب بصورة منظَّمة من أرض المعركة.
‏وفي طريق العودة اعدم قرة مصطفى كلًا من مراد كراي وأوغلو إبراهيم، لكن لم يشفع ذلك له عند السلطان محمد الرابع الذي أمر بقتله.
‏كانت هزيمة العثمانيين عند أسوار فيينا نقطة تحول فاصلة في التاريخ العثماني والأوروبي، فقد تسببت في إيقاف التوسع العثماني في أوروبا، بل أدت بعد ذلك إلى تحرك جيوش التحالف المقدس المسيحي لاقتطاع الأملاك العثمانية في أوروبا.‏

[email protected]
آخر الأخبار