خيراً تعمل

طلال السعيد

ليس كل مثل صحيحا، لكن بعضها يكون صحيحا، فالامثال تأتي تلخيصا لتجارب الاخرين، وقد تنطبق على الواقع بشكل صحيح، اذ على سبيل المثال هناك مثل يقول: "خيرا تعمل شرا تجد"، ويطابقه مثل شعبي يقول: "لا تعمل خير شر ما يجيك".
نتذكر هذا المثل ونحن نستعرض ما يجري على الساحة السياسية العربية هذه الايام، والهجمات المتوالية على دول الخليج بلا استثناء، لا لسبب، بل لانها اصحاب ثروة، واصبح لدى دول الخليج قناعة بان شعوبها هي الاولى بتلك الثروة من الشعوب الاخرى، وهذا الامر اغضب الاشقاء العرب لدرجة جعلتهم يصفوننا باقذر الاوصاف، ونحن نتفرج.
في المقابل لو نظرنا الى الساحة السياسية السورية، فبرغم قطع العلاقات بيننا وبين النظام السوري منذ فترة ليست قصيرة، تلاها سحب السفراء من دمشق، لكن رغم ذلك كله لم نقرأ لكاتب سوري واحد هجوما على الكويت، اوعلى نظامها او على حكمها، فهم منشغولون بشأنهم الداخلي، وما يجري على الساحة السورية، فإن لم يذكرونا بخير لا يتكلمون عنا نهائيا، ولا عن دول الخليج ايضا، الا فيما ندر حين تجد صوتا شاذا يخرج من هنا او من هناك!
هذا على عكس ما يجري في الساحات الاخرى التي تدعمها دول الخليج دعما غير محدود، اذ تجد الهجوم على دول الخليج كافة، والسعودية بخاصة على اشده، فعلى سبيل المثال في كل خطبة جمعة في غزة لا بد من الدعاء على دول الخليج، ثم التركيز على السعودية وحكامها، وكأنما هم في حالة حرب معنا، او كأنما نحن الذين نحتل اراضيهم، والادهى والامر ان الخطيب لا يدعو على اسرائيل التي تحتل ارضه قدر دعائه على السعودية، والمصلون يؤمنون على دعاء الخطيب، فهل بعد هذا الجحود جحودا والمساعدات مستمرة لدعم صمود غزة، فما الذي يجري لو توقفت المساعدات؟
كذلك الحال بالنسبة للاشقاء في مصر لا يكاد يمر يوم من دون هجوم على دول الخليج، ونعتها بأوصاف يعف اللسان عن ذكرها، ولعل أهونها "الحفاة العراة البدو المتخلفين"، وفي الوقت نفسه يطالبوننا باستمرار الدعم حتى لو جوعنا شعوبنا.
نحن نفخر بماضينا، ونفخر ببداوتنا، ونفخر باننا رعاة شاة، وهي مهنة الانبياء، ونعتقد ان الآوان لوقف المساعدات غير المشروطة، وهنا لا بد من التوضيح: اننا لا نقصد المساعدات الانسانية، مثل مساعدات ضحايا الزلزال في تركيا وسورية لتخفيف المعاناة عن منكوبي الزلزال، لكننا نقصد المساعدات والقروض والودائع التي اصبحت مفروضة علينا مرة باسم البنك الدولي واخرى باسم "احنا اللي حررناكم"، وثالثة باسم العروبة!
بالامس القريب كان هناك قرض للاردن لترميم المباني التاريخية عندهم، فما الذي يجري، او هل اشترطت دولة الكويت على مملكة الاردن، ازالة صور طاغية العراق المنتشرة في الاردن كشرط لمنح قرض ترميم المباني الاردنية التاريخية؟
وما الذي يجري، او هل اشترطت دولة الكويت على جمهورية مصر وقف الحملات الشعبية ضد الكويت والخليج، وعلى رأس القائمة السعودية، مقابل بقاء الوديعة المليارية الكويتية في البنك المركزي المصري؟
من ابجديات السياسة التي تتغافل عنها حكوماتنا ان المعاملة مع الدول تكون بالمثل، فلماذا يكون ما هو حلال عليهم حرام علينا...زين؟