الخميس 09 مايو 2024
30°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
دور المسلمين في علم الهندسة
play icon
آراء طلابية

دور المسلمين في علم الهندسة

Time
الأربعاء 01 نوفمبر 2023
View
451
faisal

كرم الله الإنسان بالعقل وميزه به عن سائر المخلوقات، كي يحقق وظيفته المناط بها، وهي إعمار الأرض، وتطوير مدينته من خلال استخدام فكره؛ وطالما أنه تميز بتلك الميزة، فإنه مطالب بالنظر والتفكر في الكون، مع الحرص على مواصلة العلم، الذي من خلاله تطورت   حياتنا شيئاً فشيئاً بعد أن اجتهد الإنسان بإنتاج جملة من العلوم، كان من أهمها علم الهندسة، الذي يُنسب إليه الفضل في تقدم البشرية، حتى وصلنا الآن إلى عالم الذكاء الصناعي.

          وتماشياً مع ما تم ذكره، فإن لكل أمة نشأت بها حضارة من بصمةٍ علميةٍ، وإنتاج معرفي، فالمسلمون دعاهم الإسلام إلى طلب العلم، فاجتهدوا في ميدان الهندسة، وخطوا خطوات كبيرة في التجديد في هذا العلم، ففي القرن الثالث الهجري ازدهرت تقنيات الهندسة الميكانيكية، التي كان تُعرف بعلم الحيل النافعة آنذاك، وهي تعني تدبير الحصول على الفعل الكبير والجهد اليسير، من خلال استعمال العقل البشري بطريقة علمية مكان القوة، و الآلة بدلاً من العضلات؛ لاستخراج ما يحتاج استخراجه بالبراهين اليقينية؛ حيث كانت الشعوب السابقة تعتمد على نظام السخرة والعبيد في الأعمال الشاقة،  بالاعتماد على طاقة الإنسان والحيوان كذلك، من أجل تحريك الآلات والبناء وغيره، وبتعاليم الإسلام السمحة، التي تحث على احترام البشر، والرأفة بالحيوان، اجتهد المسلمون في استغلال طاقة الطبيعة كالماء والهواء، ليحققوا إنجازاتٍ غير مسبوقة في هذا المجال، وأصبح بمقدور الإنسان أن يستخدم الآلات المتحركة الميكانيكية؛  التي سهلت على الناس أعمالهم مثل عمليات البناء والتنقل، ومجلات الصناعة والزراعة، وهذا العلم الجليل كان أحد بصمات المسلمين في حضارتهم.

         ومما لا شك فيه، أن المسلمون استفادوا من علوم الحضارات المجاورة لها، من خلال ترجمة كتبهم، أو الانتفاع من خبرات الأشخاص، أو الاطلاع على أفكار الحضارات الأخرى من خلال السفر لتلك البلدان، كالحضارة الإغريقية؛ إذ ترجم المسلمون عدة كتب، مثل كتاب إقليدس، الذي يعتبر ذو أهمية خاصة عند علماء المسلمين، بسبب قيمته العلمية وتنظيمه، حتى أسماه المسلمون بالأصول.

        وعلاوة على ذلك، فإن المسلمين لهم بصمة واضحة في تجديد علم الهندسة خاصة خلال العصر العباسي، وما بعده من العصور، ويتجلى ذلك من الآلات التي انتجها علماء المسلمين، كالطواحين، والرافع، والبكرات والتروس، التي لولاها لما رأينا عمران المباني الضخم، بأشكاله وزخارفه المميزة، وكذلك هندسة الري، كما أنهم كانت لديه دقة في صناعات الساعات، كالساعة الضخمة التي أهداها هارون الرشيد إلى ملك فرنسا شارلمان عام 191هـ؛ التي كانت أول ساعة عُرفت في أوربا، فدلت على وجود أدمغة تشربت علم الهندسة، وتلك الآلات لا تخضع إلى علم الهندسة فقط! بل إلى حسابات فيزيائية ورياضية دلت على خبرة المسلمين فيهما، والجدير بالذكر، أن اهتمام علماء المسلمين في الهندسة كان عملياً وليس نظرياً.

          والواقع أن هنالك العديد من علماء المسلمين في مجال الهندسة، التي يصعب ذكرهم جميعاً، منهم أبناء موسى بن شاكر، وهم محمد وأحمد والحسن، الذين اشتهروا في مجال الحيل النافعة، فأنتجوا كتاباً يحتوي على مئة تركيب ميكانيكي مع شروح تفصيلية، ورسومات توضيحية بطرائق التركيب والتشغيل، أما أحمد بن خلف المرادي، الذي ألف كتاب الأسرار في نتائج الأفكار، فتحدث به حول الطواحين والمكابس المائية، وكذلك شرح أكثر من ثلاثين نوعاً من الآلات الميكانيكية، بالإضافة إلى بديع الزمان أبو العز الجزري، الذي ألف كتابان رائدان في مجال الهندسة، أحدهما، معرفة حيل الهندسة، والآخر الحيل الجامع بين العلم والعمل، وفي نفس الصدد نذكر عبدالرحمن بن أحمد بن يونس، الذي اخترع البندول، ففتح آفاقاً واسعة حول قوانين الذبذبة؛ ليكمل الدراسة الإيطالي جاليليو بعد 650 عام من دراسات ابن يونس، ويعد البوزجاني من أئمة الأعلام في الهندسة، وله فيها استخراجات غريبة لم يسبقه إليها عالم آخر، فلقد عالج مسائل هندسية كثيرة جدا، نتيجة خبرته الرياضية الفذة، والجدير بالذكر، أن العالم المسلم لم يكن مختصاً في مجالٍ واحدٍ، بل في أكثر من مجال، فتجده له دراسات في الرياضيات والهندسة والفيزياء، بل من تجده شاعراً أيضاً، وهذا يدل على فطنة الواحد منهم، وفكره المتوقد.

     وحريٌ بنا التطرق لموضوع استفادة أوربا من الحضارة الإسلامية؛ حيث لعب التقارب الجغرافي دوراً في ذلك التعاون الحضاري، فالمسلمون لا يكاد يدخلون بلداً إلا وتعرف وجودهم من خلال بعض رموزهم وآثارهم،  كالنشاط العلمي والمكتبات الزاخرة بالكتب، والمدارس ودور القرآن الكريم والحديث، وكذلك التأنق في العمران، وهذا ما وضح جلياً عندما حكم المسلمون صقلية جنوب إيطاليا(212هـ_484ه)، والأندلس(92هـ_798هـ)، لتستفيد أوربا من جهود المسلمين بعد أن كانت تعاني من التأخر؛ حيث أنها حصلت على التراكم المعرفي الإغريقي الهندسي من المسلمين وليس الإغريق، بعد أن حافظوا عليه، كما أخذوا العديد من الكتب وترجموها إلى اللاتينية، خاصة في مجال العلوم والرياضيات والفلك والهندسة، وربما نُوصف بالمبالغة حول حضارتنا، إلا أن ما يؤكد قولنا الأوربيون أنفسهم؛ حيث  قال ربسون: "ولما غرس فيهم من حب الاطلاع على كل شيء يخوضون غمار العلوم الطبيعية والرياضية، ولهم المنة على جميع الأمم بأرقامهم العربية، وباستنباطهم فن الجبر والمقابلة وتهذيبهم الهندسة.. وتوصل العرب إلى إثبات تناسب جيوب الأضلاع لجيوب الزوايا المقابلة لها في أي مثلث كروي، ووضعوا هذه القاعدة أساسًا للطريقة التي سموها الشكل المغني في حل المثلثات الكروية"، وعلاوة على ذلك قال سنيوبوس: "لقد جمعت العرب وقربت جميع الاختراعات والمعارف المأثورة عن العالم القديم في الشرق، وبواسطة العرب دخل العالم الغربي الذي كان بربريا غمار المدنية"، بل وأضاف عليهم سيديليو بقوله: "أن بعض الإفرنج زعموا أن العرب لم يعملوا في تقدم الصناعات شيئا مع أنهم برعوا في جميع الفنون الصناعية"، ولا يفوتنا أن ننوه على ما قاله ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز في المحاضرة التي ألقاها في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية ومضمونها :"أن الحضارة الإسلامية في الأندلس قد أثرت كثيرا في تحضر أوروبا خاصة."

          وخلاصة القول، بعد السرد التاريخي السابق، أن لكل أمة بصمة على البشرية، ولا يُنسب العلم وإنجازاته لأمة معينة، بل اشتركت غالبية الحضارات بتطوره، لأن العلم لم يظهر جملة واحدة! لذا فإن للحضارة العربية الإسلامية فضلٌ على البشرية، وربما لولاها لتأخرت أوربا في نهضتها؛ لذا فلنفخر بعلمائنا وإنجازاتهم وأخلاقهم، وأن نأخذ سلوكهم وهمتهم نبراساً لنا في الحياة.

أسماء الطلاب: أحمد جبر، تركي الظفيري، تركي المطيري، بدر الكندري، نواف العجمي

إشراف: د. مبارك عشوي العنزي، كلية الكويت للعلوم والتكنولوجيا

آخر الأخبار