حسن علي كرمبعد تحرير الكويت من براثن الغزو العراقي، وعودة الشرعية، انقسمت اسرة الحكم وتحديداً الترويكة السياسية، بين عودة العلاقة مع الدول العربية التي ايدت الغزو وناصرت صدام حسين او استمرار المقاطعة وعدم التطبيع.جميع هؤلاء الشيوخ، المؤيدين او المعارضين، انتقلوا الى جوار ربهم، ورغم عودة العلاقات الكويتية مع كل بلدان"الضد"، وهي الاردن واليمن والسودان وليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا التي غيرت فيما بعد موقفها من مؤيد لصدام الى مؤيد للكويت، فان هذه الدول لديها افضل العلاقات مع الكويت، لا سيما الاردن والجزائر. يروي لي اول سفير عراقي عين بعد سقوط النظام الصدامي وعودة العلاقات مع الكويت، وهو السيد محمد حسين بحر العلوم، انه بعد ما قدم اوراق اعتماده الى سمو الشيخ صباح الاحمد قال:" اذا استمرينا في خلافات، فالخلافات تجرنا الى خلافات لا تنتهي، لذا علينا ان نلقي تلك الخلافات خلف ظهرنا"، الا ان بعض العراقيين، مسؤولين ومواطنين، لم ينسوا خلافاتنا ولا يزالون يعزفون معزوفة الكويت المحافظة الـ 19، صحيح ان هؤلاء قلة الا ان تكرارمعزوفتهم يقلب المواجع. نظرية عفا الله عما سلف، او التناسي ليست جديدة، ففي الحرب العالمية الثانية بعد هزيمة هتلر وتقسيم المانيا (غربية وشرقية) وقف شارل ديغول بطل المقاومة الفرنسية ورئيس فرنسا، والمستشار الالماني كونراد اديناور على الحدود المشتركة بين البلدين حيث اعلنا ولادة علاقات اوروبية جديدة.وكانت هذه الصورة الفوتوغرافية التي التقطت للزعيمين بداية اعلان اوروبا الموحدة التي تنضوي حاليا تحت علمها 32 دولة، بعد انضمام بعض دول اوروبا الشرقية المنفصلة عن الاتحاد السوفياتي. نحن دائماً نردد مقولة رئيس وزراء البريطاني السباق ونستون تشرتشل:"لا توجد صداقات دائمة انما مصالح دائمة"، وهي حقيقة اثبتها الواقع منذ الخليقة، ولعل مقولة المتنبي:" ومن نكد الدنيا على الحر ان يرى عدواً ما من صداقته بُدُ"تفيد بالغرض. اظن ان الكويت تعلمت الكثير في مسيرتها الطويلة، فقد خاضت حروباً وقاومت غزوات، وتكاثرت عليها المطامع، لكنها ظلت قوية وصامدة، وهذا يعود ليقين المواطن ان الكويت هي الوطن ولا بديل عنها، ونستذكر هنا قول احد الشعراء:" بلاد الفناها على كل حالةوقد يُؤلف الشيء الذي ليس فيهونستعذب الارض التي هو بهاولا ماؤها عذب ولكنها وطن". الكويت سوف تبقى عظيمة باهلها وبمن اقام فيها،فقد ايقن بعض المقيمين ابان الغزو والاحتلال العراقي ان البقاء سيكلفهم الكثير، فما كان من هؤلاء الا الفرار من جحيم صدام ومن زمرته الهمجية ولما تحررت الكويت انهال المقيمون الذين فروا من جحيم الجيش الصدامي على البلاد مجدداً، وعادوا الى مواقع اعمالهم.هكذا كويت الخير، سبعة اشهر قضاها الصامدون، لم يعانوا جوعاً ولا ماءً او كهرباءً الا في الايام الاخيرة من هزيمة الجيش المحتل وفراره بعد احراقه ابار النفط انتقاماً، لكن عادت الحياة الى طبيعيتها، فهل ثمة بلد في كل العالم يتم احتلالها من عدو احمق، ثم تعود باهلها وخيرها وامنها؟الكويت سر الله في ارضه، فهذه التي مدت ولا تزال يد الخير الى كل العالم، من فقراء معدمين الى اثرياء متخمين، لن تغيب عنها الشمس ما بقي اهلها على وافق واتفاق. انظروا الى دول الضد، التي اصطفت الى جانب الظلم، ماذا اصابها، انقلابات وتغيير انظمة، صدام شنق بحبل ثمنه دولار واحد، واليمني علي عبدالله صالح قتله حراسه شر قتلة، ولا يزال جثمانه في ثلاجة الموتى حيث لم يتقدم احد لتسلمه.الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد مات بلا تاريخ او انجاز، والتونسي زين العابدين بن علي هرب في ليل مظلم مثلما يهرب اللصوص، ومات، والملك حسين مات بمرض السرطان، ولعل الخير في عقبه نجله الملك عبدالله الذي ما ان تولى العرش حتى زار الكويت، والسيدة قرينته الملكة رانيا ابنة الكويت التي ولدت فيها، واقامت واسرتها فيها، والسوداني عمر البشير بعد العز والفخامة مرمي في سجن انفرادي، وعز من قائل يعز من يشاء ويذل من يشاء.لقد ادركت دول الضد حجم اخطائها عندما ساندت صدام، الا ان دوام الحال من المحال، فقد هرول قادتها جميعهم منذ اليوم الاول من التحرير ليمحوا عارهم مجددين العلاقات، وحسب المرءُ قول الامام (علي عليه السلام):" دولة الظلم ساعة ودولة الحق الى قيام الساعة"، فلتهنأ الكويت باهلها وليهنأ اهلها بها.ان تجربة الكويت من اجل العيش والبقاء ينبغي ان تدرس في ارقى كليات العلوم السياسية، و لسوف تبقى تهفو لها عيون الاعداء بالحسد والحقد، ولا يحيق المكر السئ الا باهله.صحافي كويتي
[email protected]