الأخيرة
/
كل الآراء
ذكريات جميلة من تاريخ الكويت
الثلاثاء 18 يونيو 2019
5
السياسة
أحمد الدواسيصادف الـ 19 من يونيو 2019 مرور ثمان وخمسين عاما على استقلال الكويت، وفي يوم 18 مايو 1964 صدر مرسوم أميري بتغيير يوم الاحتفال باستقلال الكويت من هذا اليوم الى 25 فبراير من كل عام تكريماً للشيخ عبدالله السالم، رحمه الله وطيب ثراه، لذكرى تاريخ تسلمه الإمارة (الحكم) في الكويت. عاش أهل الكويت بتآلف اجتماعي ما يزيد عن ثلاثمئة سنة كشعب واحد، سّنة وشيعة وحضراً وبدواً، واجتاحت أرضنا كثير من الكوارث الطبيعية، من أمطار وأعاصير وأمراض وجراد ومجاعات، وفي المحن والأزمات تضرر الكويتيون، لكنهم تخطوا ذلك بالتواصل والتراحم، ومساعدة بعضهم بعضا، فتواصلوا حتى بعود الكبريت مثلاً، كأن يطلب الجار من جاره عود كبريت ليشعل ناراً للتدفئة أو لصنع الطعام.اعتبر كثير من الناس الكويت بلداً آمناً مستقراً، وموطناً يلجأ إليه الغريب الخائف على نفسه، ما شجع الناس على المجيء إليها لكسب الرزق، فهناك مثلاً من جاء إليها من عٌمان وبلاد فارس فقال العٌماني:" لو كان دمي يتكلم لقال أنا كويتي عٌماني"، وذكر أحد الإيرانيين:"ان الكويت أغنت الجميع، دخلتها معي الصبر وحصلنا على الخير، فقد بنينا بيوتاً في ايران، ودرّسنا أولادنا وزوجناهم من خيرات الكويت". وهناك أيضاً من حلمَ بإنشاء مطبعة في غزة فجاء الى الكويت لتأمين تكاليفها، فأثار دهشته وإعجابه الانفتاح الفكري والسياسي فيها رغم تنوع مذاهب الناس الدينية، وتفاوت أحوالهم الاجتماعية، فهم يعيشون في سلام ومودة في ما بينهم، أما الانفتاح السياسي فكان يتجسد في شواهد ملموسة بعدم وجود جهاز للمباحث السياسية، ولجوء الكثير من أعضاء حزب" تودة" الشيوعي الإيراني الى الكويت بعد انقلاب الجنرال زاهدي على حكومة مصدق، التي أممت النفط، كما لجأ إليها اعضاء من جماعة الإخوان المسلمين الملاحقين في مصر في عهد عبدالناصر، ومما أثار الدهشة أيضاً هو عرض كتاب" رأس المال" لكارل ماركس الشيوعي في واجهة المكتبات في شارع الجهراء وفي ساحة الصفاة.كذلك ترك الأرمني جاك اكوب برداقجيان بلاده بسبب الظروف الدامية وضياع الأرض في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، واستقلته الطائرة الى الكويت حيث هبطت به في مطار النزهة، وكانت أرضا ترابية، ومبنى متواضعا صغيراً من صفائح معدنية، فقال:" جئت لابني مستقبلي ولتحقيق آمالي، وكنا نسمع عن الكويت إنها مستقرة وآمنة، وان من يعمل فيها بإخلاص يضمن مستقبله ومستقبل أولاده".هناك أيضاً الألماني جورج دزيرزن، الذي فقد والده وإخوته في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية،وكان يعمل في شركة" فولكس واغن" الألمانية وانتدب للكويت، فقطع رحلة بالطائرة مدتها أكثر من يومين للوصول الى الكويت، وسكن مثل الكويتيين في بيت بسيط، ونام صيفاً على سطح البيت، واصطحبه بعض الكويتيين لحضور الديوانيات ما جعله يشعر بالراحة النفسية، ووجد في الكويتيين صفات فاضلة، كالقناعة الى جانب صفات أخرى فقال:" لقد كنت اسمع الكويتي يحمد لله كثيراً، ويكتفي بما لديه من مال فلا يطلب المزيد"، وتمنى هذا الألماني بعد مضي نصف قرن أن يعيش بقية عمره على ارض الكويت ويُدفن فيها. ادت الكويت دور الوسيط بين الأشقاء في ما يُسمى "الإمارات المتصالحة" قبل استقلال دولة الإمارات الشقيقة، وبين الأطراف المتنازعة في كل من الحرب الأهلية اللبنانية، والحرب العراقية- الإيرانية وفي اليمن، وطوال السنين لم تظلم الكويت أحداً من الدول، ولم تتدخل في شؤون الغير، بل على العكس يمكن تشبيه سياسة الكويت الخارجية بالإنسان أو الجار الطيب الذي يُحسن الى جاره من خلال"سياسة حسن الجوار"، وينفق المال على المحتاج من خلال" الصندوق الكويتي للتنمية"، ويدعو الى السِلم من خلال" سياسة التعايش السلمي". عشنا في الغربة كديبلوماسيين، أو طلاب علم، ونعلم تماماً معنى الوطن والحنين الى ترابه، بل وإلى غباره.