الثلاثاء 01 يوليو 2025
41°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة   /   كل الآراء

رب ضارة نافعة

Time
الأحد 21 أكتوبر 2018
View
5
السياسة
احمد الدواس

إن أزمات ومحن الحياة التي تبدو ظاهريا أنها مؤلمة قد تكون نافعة، لنضرب أمثلة على ذلك عاشتها دول ويمر بها الإنسان، ففي أميركا كان كثير من الأميركيين عاطلاً عن العمل في سنوات الثلاثينات، أي قبل 80 سنة، وكانت أميركا تتبع سياسة انعزالية عن الأحداث الأوروبية، وفي هذا الوضع السيئ دخلت أميركا الحرب العالمية الثانية الى جانب الحلفاء في أوروبا وذلك في سنة 1940 أثناء حكم الرئيس روزفلت، وهنا انتعش الاقتصاد الأميركي، اذ تم توظيف كثير من الأميركيين بوظائف متعلقة بالتسلح العسكري. ثم انتهج الرئيس ترومان سياسة إصلاحية جديدة لتوظيف المواطنين، وصدرت قوانين تتعلق بالصحة والإسكان، وهكذا فقد نفعت الحرب العالمية الثانية في تخليص أميركا من الكساد الاقتصادي الكبير. وفي كينيا كانت حكومتها قد أنشأت طرقاً للسكك الحديد تسير عليها القطارات، لكن إحدى القبائل الأفريقية سرقت الحواجز الخشبية التي تمتد بين خطي الحديد من أجل أن تصنع منها "أسهماً تصطاد بها "، وبالطبع فقد تضررت قضبان السكك الحديدية،لكن الحكومة الكينية استعانت ببعض الهنود الموجودين ممن هاجروا من الهند الى شرق أفريقيا طلباً للرزق، وشيئاً فشيئاً امتهن الهنود صناعة العصي الخشبية أي دخلوا تجارتها فربحوا، فضرر القبيلة التي سرقت الحواجز الخشبية نفع الهنود. وعندما هزمت أميركا اليابان في الحرب العالمية الثانية سنة 1945 فُرضت على اليابان إجراءات قاسية مع تعهد اليابان بعدم استخدام أي قدرة حربية سواء في البر أو البحر أو الجو، هنا يبدو ان اليابان قد دُمرت تماماً، لكن القادة اليابانيين أظهروا بصيرة أو حكمة عظيمة بالقبول بهذه الصعوبات والمحن، فمع انه يغلق جميع الأبواب أمام اليابان ويمنعها من التسلح واتخاذ القرار السياسي إلا انه يفتح أمامها الصناعة والتقدم العلمي، وهكذا فالأزمة التي أصابت اليابان بهزيمتها سنة 1945 جعلتها تخرج من بين أنقاض الحرب كإحدى القوى الاقتصادية العظمى في العالم.
كذلك أدى حدوث تغير في فكر "ماو" الشيوعي في الصين الى تحول وتطور اقتصادي فيها. وعندما تم تحطيم جدار برلين في 1989 انفتحت الأسواق أمام المستثمرين في أوروبا. وفي حرب أكتوبر 1973 رفع العرب سعر برميل النفط بشكل كبير، وهذا أيضاً "ضرر"على الاقتصاد العالمي من دون شك لكن الدول الغربية لاسيما أوروبا أخذت تفكر ببدائل للنفط فاكتشفت وصنعت ألواح الطاقة الشمسية، والاستفادة من غاز الهيدروجين في حقن محرك السيارة، وبعد القضاء على الأنظمة الديكتاتورية في أميركا اللاتينية في الثمانينات سلكت حكوماتها سياسات تشجع على انفتاح الأسواق أمام تبادل السلع.
وينطبق هذا المثل حتى على مستوى المرء، فقد كان هناك ديبلوماسي تقرر نقله الى الاتحاد السوفييتي، وكانت روسيا بلداً صعب المعيشة، فشعر الموظف بالحزن لكنه اكتشف أن لديه متسعاً من الوقت ليمارس هوايته المحببة وهي الكتابة فألف كتاباً. وعلى المستوى الشخصي، لنفترض ان رجلا أراد الزواج من امرأة لكنها رفضــته فكأن ضررا أصابه فتزوج بأفضل منها أو العكس.
لكن أحسن ماقيل عن ارتكاب الإنسان لخطأ ومحاولة تصحيحه ما ورد في احد كتب تطوير الذات من ان تلك التجارب التي تبدو ظاهرياً سيئة أو مؤلمة هي الأهم في بعض الأحيان، فالمرء عادة يحتفل حين ينجح، أما حين يفشل فإنه يلجأ الى إعادة التفكير، ويتساءل: لماذا أخطأت، ماذا حدث؟ ويبدأ في اتخاذ قرارات جديدة من شأنها ان تعزز نوعية حياته، لذلك يجب علينا ان نتعلم من أخطائنا بدلاً من أن نلطم وجوهنا. ويؤخذ عن توماس أديسون قوله: ان كل محاولة خاطئة أتخلى عنها هي خطوة أخرى تقودني نحو الأمام.
رب ضارة نافعة مثـلُ، يصلح في السياسة والحياة معاً، ماعدا حادثا واحدا لم ينطبق عليه المثل، فالاحتلال العراقي لبلادنا في 2 أغسطس 1990 كان ضرراً كبيراً ولاشك، ولكن بعد مرور 28 سنة، لم نستفد من هذه التجربة المؤلمة في تحسين ظروفنا الاجتماعية والاقتصادية، بل زادت سوءاً، فما سبب ذلك؟ وأترك للقارئ الكريم تحليل الأسباب.
آخر الأخبار