* الغربة تجعل الكاتب يكتشف أن لغته وأسلوبه ينحازان لعوالم جديدة للكتابة* الروائي يحتاج إلى عزلة يتخلص فيها من مشاعر متناقضة مع طبيعته إلى حد ماالقاهرة - أحمد بدر نصار: تؤكد الأديبة الليبية المقيمة في هولندا رزان المغربي،التي رشحت روايتها « نساء الريح» لنيل الجائزة العالمية للرواية العربية سنة 2011 ، أن الغربة تصنع إنسانا مختلفا ، وأن الكتابة في الغربة تجعل الكاتب يكتشفت أن لغته وأسلوبه ينحازان إلى عوالم جديدة ، وربما هذه ميزة المنفى ، مؤكدة أن الرضوخ للذاكرة يصبح ضعفاً يشد المهاجر إلى الماضي .وأعربت المغربي التي بدأت نشر نتاجها الأدبي سنة 1991 في الصحف, عن أسفها في أن يتحول الأدب إلى سلعة تخضع للطبيعة الاستهلاكية ،شأنها شأن مثل المنتجات الغذائية على أرفف الأسواق .التفاصيل في هذا الحوار : ما الذي يستفزك ككاتبة ؟ لا أدري ما إذا كان الكاتب تستفزه أعماله ، لأن مشاعر الاستفزاز هي ردات فعل قصيرة ومتداخلة مع مشاعر غضب ، بينما أتمرن باستمرار على تجاوز أي عمل انجز واصبح كتابا. وغالباً لست ممن يجيدون الترويج لاعمالهم ، لا أوزع كتبي في المؤتمرات ولست من هواة حفلات توقيع الكتب ، بمعنى آخر: هل ما كتبته مؤثر فعلا ؟ وهل يستفز القارئ أو الناقد مثلا ليتحدث عنه ؟ هذه الأسئلة أول مايتبادر إلى ذهني بعد كل كتاب. أهديت رواية «نساء الريح» لربيعة وقلت :لولاها ما كتبت الرواية. من ربيعة ،وما قصة الاهداء؟ لأن الشخصيات التي تلهمنا والتي تبعث فينا الحماس لنبدأ السرد يبقى اثرها طويلاً، والإهداء نوع من رد الجميل في هذه الرواية .ذكرت في الرواية جملة « عندما تشعر أنك تحب أحدا لا يمكن أن تفكر بالحرية أبدا ؟ هل الحب احيانا يسلب جزءاً من حرية الإنسان ؟ بعض مانكتبه يكون وليد التماهي مع حالة الشخصية الروائية، نحيا تفاصيل حيواتها ، لدرجة تقود مشاعرنا وأحاسيسنا لفترة وأثناء لحظة الكتابة ، لهذا يحتاج الروائي إلى عزلة حقيقية في تلك الفترة ، ويحتاج بعدها إلى فترة مماثلة ربما حتى يتخلص من مشاعر متناقضة غالبا مع طبيعته إلى حد ما ، لهذا تعريفي للحب والحرية مختلف عما ذكرته هنا. رغم أنه كان مطابقا لمشاعر الشخصية التي عملت عواطفها على استلابها بالكامل وفقدت حريتها . كثر نموذج أم فرح في نساء الرياح في عالمنا العربي ،ألم يستفزك الأمر لكتابة جزء ثان من الرواية ؟لا للتكرار الحروب التي تشهدها منطقتنا العربية ، وبالذات موجات اللجوء ، وعبور البحر بل وحتى المشي في صقيع الثلوج الأوربية أو ركوب شاحنات البضائع ، كلها تصلح لتكون رواية ، لكن بما أني كتبت رواية تحكي مأساة العبور إلى الضفة الأخرى ، لا أحب التكرار، ولا القارئ يفضل قراءة حكاية مماثلة ، أفكر بكتابة مختلفة تماما . في روايتك «الهجرة على مدار الحمل « تحدثت عن جدك ومكافحته للاحتلال الايطالي لليبيا ، هل ليبيا في حاجة الآن لمن يحررها من العنف الذي تعيشه ؟ في واقع الأمر لم يكن جدي في الرواية ، بل كانت رواية الهجرة على مدار الحمل سيرة مجموعة من الليبيين اشتركوا في مصير واحد هو الهجرة والنفي إلى دول عدة ، أما ليبيا اليوم فهي تعيش ظرفاً أصعب من الاحتلال الإيطالي ، الذي تركها دولة ذات كيان وشأن ، حتى مع وصاية الأمم المتحدة لفترة عليها إلا أنها نهضت . اليوم المجتمع الدولي لايتحرك كما يجب لإنهاء النزاع والحرب الأهلية وسيطرة العصابات المسلحة عليها ، لأن أولوياته اختلفت عن السابق ، رغم ان مساحة ليبيا وثرواتها من المفترض أن تشعر الجميع بالقلق ، ولهذا أرى الحل سيأتي من الليبيين أنفسهم ، وكل الحروب في النهاية تتوقف عندما تسكت أصوات البنادق ويختفي الرصاص ، ستعود ليبيا من جديد . ناقشت في أكثر من عمل قضية الهجرة ،هل تمثل لك الهجرة هاجسا ؟ أجل، يبدو أن في اللاوعي هاجسا لم انجزه ، وموضوع الهجرة يحتمل الاشتغال عليه من جوانب متعددة ، مثل حال المهاجر في المنفى ، الأجيال الجديدة واندماجها مع مجتمعات غريبة عنها ، الثقافات المتعددة ، وتأثير ذلك على أجيال لاحقة . لك ديوان « شعر «شارات حمراء» ورغم ذلك لا تصنفين نفسك من الشعراء رغم إشادة النقاد بالديوان ، لماذا ؟ كتبت بعده كثيراً من النصوص ، لكني لا أصنف نفسي بين الشعراء ، وأيضا بدأت تجربة جديدة وهي التشكيل ورغم الإشادة بأعمالي الفنية ومشاركتي بمعارض جماعية ،والآن لدي معرض فردي ، لكن لاأدعي أنني فنانة تشكيلية ، و اعتبر كل هذه التجارب ادوات تعبير هي ضمن نسيج الإبداع متعدد الوجوه. هل كتابة القصة القصيرة أصعب من كتابة الرواية ؟ لا يهم ايهما أكثر سهولة أو صعوبة، القصة القصيرة تشكل تحديا . في كل مرة أكتب قصة قصيرة اشعرأنها المرة الأولى، أكتب بوعي خالص لأكون متجددة ، القصة القصيرة يفضلها القارئ ، وغالباً تبقى في ذاكرته لفترة أطول رغم قصرها، هنا أتحدث عن القصة القصيرة المؤثرة والملهمة فعلا . هل نعيش عصر الرواية ؟ ولماذا لم يعد للقصة القصيرة مكان في المشهد الثقافي العربي ؟– من المؤسف ان يخضع الأدب للطبيعة الاستهلاكية شأنه شأن المنتجات الغذائية على أرفف الأسواق . اعتقد نعم ولا ، نعم لأن المؤسسات الثقافية ودور النشر وكثير ممن أعجبتهم لعبة الجوائز وارتباطها بالشهرة السريعة ، دفعت الكل للتجريب ، وهذا حق طبيعي أن يكتب من يشاء الرواية ،أما لا فالسبب لأننا أصبحنا نعيش السباق المحموم على الإنتاج من دون رؤية او نضج ، يبدو حكمي قاسياً ، إلا أني اتبع ذائقتي التي لاتنقاد للسهل والثرثرة . القصة القصيرة كما ذكرت سابقا مازالت معظم الدوريات تحتفي بنشرها والمواقع الالكترونية ، إلا أن حركة النقد انسحبت من المشهد لتقييم التجارب الجديدة وتطور القصة القصيرة . قلت عندما سافرت إلى هولندا : شعرت أني امرأة أمية رغم ثقافتي الكبيرة ،هل تصنع الغربة إنسانا آخر ؟ لم يعد مفهوم الغربة كما كان في القرن التاسع عشر ،او حتى قبل خمسين عاما . عالم التكنولوجيا خفف وطأة مشاعر الغربة ، بل قدم حلولا أخرى للاندماج مع مجتمعات غريبة عنه لغة وثقافة ، عالم الاتصالات قدم حلولا كثيرة لو انتبهنا إليها بعين المتابع والمهتم ، لكن لم تستطع الاتصالات والتقدم التكنولوجي تقديم حل حقيقي لي مثلا ، ولكثير ممن يحمل شهادات تخصص علمية عالية ، أمضى عمره في بلده يتقدم في مركزه الوظيفي والعلمي ليجد نفسه في بلاد تتحدث لغة مختلفة ، ولاتهتم لخبراته السابقة ، ويجد أمامه حلين ،أما يكون مثل انسان فاجأه تقاعد مبكر أو البحث عن أعمال جديدة لاخبرة له فيها ، في الحالتين هناك عطب ما ، وخيبة لم يحسب لها حساب . من يهاجر أو تدفعه الظروف القاسية نحو المنفى ، حاله حال شخص أمي يتلمس طريقه من جديد وهو في سن متقدمة ليتعلم من جديد لغة لم يخترها ويمارس عملا يفرض عليه أحياناً . إلى مدى يأتي تأثير ألم الغربة والبعد عن الوطن على كتاباتك ونظرتك للحياة ؟ لم أختر أن أكون بالمنفى ، لكن حينما خرجت كنت أعلم أن الجسور خلفي تتهاوى ، وعلي البدء ،ليس بصفتي ضحية تلك الهجرة بل بصفتي نجوت ويمكن لأي مشاعر عاطفية مثل الحنين والذاكرة أن تولد أحاسيس محبطة ، بل قاسية على نفسي وعلى من حولي . الرضوخ للذاكرة يصبح ضعفاً يشد المهاجر إلى الماضي ، وبما أني خرجت وفي ذهني صورة اكثر اشراقاً ، علي البدء بالتفكير بطريقة مغايرة . حتى في الكتابة اكتشفت أن لغتي وأسلوبي ينحازان إلى عوالم جديدة ، وربما هذه ميزة المنفى ، لو اخذنا الامور بشكل إيجابي ، يمنحنا الوقت لمعرفة ذواتنا بعيدا عن تأثير المحيط الذي تعودنا عليه . نحن هنا ننتقل للسباحة في مياه ربما تكون أكثر صقيعاً ،لكن هذا الصقيع يصفعنا لنصحو على ذات جديدة تتحدى لتكمل المسيرة بما يتناسب مع هذه التجربة .لك مشروع رواية عن لبنان فهل سنراها قريبا ؟ كان هذا المشروع قائما بعد رواية «نساء الريح» مباشرة ، إلا انني اشتغلت منذ عامين على عمل مختلف تماما . أكتب رواية تدور احداثها بين الراهن وتاريخ قريب عن طرابلس ، وكان الالهام لهذا العمل بعد كتابتي لمقال عن تحطيم تمثال في وسط طرابلس لحسناء عارية مع غزال ، نتيجة الظروف التي تشهدها البلاد ،تم اطلاق الرصاص عليها ثم سرقة التمثال ، وهنا عدت إلى تلك المرحلة اثناء نحته من قبل فنان ايطالي في عهد الحاكم العسكري بالبو الذي بنى طرابلس ، أما الراهن فإنا نترك التفاصيل محجوبة ريثما يصدر العمل .