الأحد 13 أكتوبر 2024
27°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

رزان المغربي: الأدب صار سلعة على أرفف الأسواق الاستهلاكية

Time
الأحد 28 أكتوبر 2018
View
5
السياسة
* الغربة تجعل الكاتب يكتشف أن لغته وأسلوبه ينحازان لعوالم جديدة للكتابة
* الروائي يحتاج إلى عزلة يتخلص فيها من مشاعر متناقضة مع طبيعته إلى حد ما

القاهرة - أحمد بدر نصار:


تؤكد الأديبة الليبية المقيمة في هولندا رزان المغربي،التي رشحت روايتها « نساء الريح» لنيل الجائزة العالمية للرواية العربية سنة 2011 ، أن الغربة تصنع إنسانا مختلفا ، وأن الكتابة في الغربة تجعل الكاتب يكتشفت أن لغته وأسلوبه ينحازان إلى عوالم جديدة ، وربما هذه ميزة المنفى ، مؤكدة أن الرضوخ للذاكرة يصبح ضعفاً يشد المهاجر إلى الماضي .
وأعربت المغربي التي بدأت نشر نتاجها الأدبي سنة 1991 في الصحف, عن أسفها في أن يتحول الأدب إلى سلعة تخضع للطبيعة الاستهلاكية ،شأنها شأن مثل المنتجات الغذائية على أرفف الأسواق .
التفاصيل في هذا الحوار :
ما الذي يستفزك ككاتبة ؟
لا أدري ما إذا كان الكاتب تستفزه أعماله ، لأن مشاعر الاستفزاز هي ردات فعل قصيرة ومتداخلة مع مشاعر غضب ، بينما أتمرن باستمرار على تجاوز أي عمل انجز واصبح كتابا. وغالباً لست ممن يجيدون الترويج لاعمالهم ، لا أوزع كتبي في المؤتمرات ولست من هواة حفلات توقيع الكتب ، بمعنى آخر: هل ما كتبته مؤثر فعلا ؟ وهل يستفز القارئ أو الناقد مثلا ليتحدث عنه ؟ هذه الأسئلة أول مايتبادر إلى ذهني بعد كل كتاب.
أهديت رواية «نساء الريح» لربيعة وقلت :لولاها ما كتبت الرواية. من ربيعة ،وما قصة الاهداء؟
لأن الشخصيات التي تلهمنا والتي تبعث فينا الحماس لنبدأ السرد يبقى اثرها طويلاً، والإهداء نوع من رد الجميل في هذه الرواية .
ذكرت في الرواية جملة « عندما تشعر أنك تحب أحدا لا يمكن أن تفكر بالحرية أبدا ؟ هل الحب احيانا يسلب جزءاً من حرية الإنسان ؟
بعض مانكتبه يكون وليد التماهي مع حالة الشخصية الروائية، نحيا تفاصيل حيواتها ، لدرجة تقود مشاعرنا وأحاسيسنا لفترة وأثناء لحظة الكتابة ، لهذا يحتاج الروائي إلى عزلة حقيقية في تلك الفترة ، ويحتاج بعدها إلى فترة مماثلة ربما حتى يتخلص من مشاعر متناقضة غالبا مع طبيعته إلى حد ما ، لهذا تعريفي للحب والحرية مختلف عما ذكرته هنا. رغم أنه كان مطابقا لمشاعر الشخصية التي عملت عواطفها على استلابها بالكامل وفقدت حريتها .
كثر نموذج أم فرح في نساء الرياح في عالمنا العربي ،ألم يستفزك الأمر لكتابة جزء ثان من الرواية ؟
لا للتكرار
الحروب التي تشهدها منطقتنا العربية ، وبالذات موجات اللجوء ، وعبور البحر بل وحتى المشي في صقيع الثلوج الأوربية أو ركوب شاحنات البضائع ، كلها تصلح لتكون رواية ، لكن بما أني كتبت رواية تحكي مأساة العبور إلى الضفة الأخرى ، لا أحب التكرار، ولا القارئ يفضل قراءة حكاية مماثلة ، أفكر بكتابة مختلفة تماما .
في روايتك «الهجرة على مدار الحمل « تحدثت عن جدك ومكافحته للاحتلال الايطالي لليبيا ، هل ليبيا في حاجة الآن لمن يحررها من العنف الذي تعيشه ؟
في واقع الأمر لم يكن جدي في الرواية ، بل كانت رواية الهجرة على مدار الحمل سيرة مجموعة من الليبيين اشتركوا في مصير واحد هو الهجرة والنفي إلى دول عدة ، أما ليبيا اليوم فهي تعيش ظرفاً أصعب من الاحتلال الإيطالي ، الذي تركها دولة ذات كيان وشأن ، حتى مع وصاية الأمم المتحدة لفترة عليها إلا أنها نهضت . اليوم المجتمع الدولي لايتحرك كما يجب لإنهاء النزاع والحرب الأهلية وسيطرة العصابات المسلحة عليها ، لأن أولوياته اختلفت عن السابق ، رغم ان مساحة ليبيا وثرواتها من المفترض أن تشعر الجميع بالقلق ، ولهذا أرى الحل سيأتي من الليبيين أنفسهم ، وكل الحروب في النهاية تتوقف عندما تسكت أصوات البنادق ويختفي الرصاص ، ستعود ليبيا من جديد .
ناقشت في أكثر من عمل قضية الهجرة ،هل تمثل لك الهجرة هاجسا ؟
أجل، يبدو أن في اللاوعي هاجسا لم انجزه ، وموضوع الهجرة يحتمل الاشتغال عليه من جوانب متعددة ، مثل حال المهاجر في المنفى ، الأجيال الجديدة واندماجها مع مجتمعات غريبة عنها ، الثقافات المتعددة ، وتأثير ذلك على أجيال لاحقة .
لك ديوان « شعر «شارات حمراء» ورغم ذلك لا تصنفين نفسك من الشعراء رغم إشادة النقاد بالديوان ، لماذا ؟
كتبت بعده كثيراً من النصوص ، لكني لا أصنف نفسي بين الشعراء ، وأيضا بدأت تجربة جديدة وهي التشكيل ورغم الإشادة بأعمالي الفنية ومشاركتي بمعارض جماعية ،والآن لدي معرض فردي ، لكن لاأدعي أنني فنانة تشكيلية ، و اعتبر كل هذه التجارب ادوات تعبير هي ضمن نسيج الإبداع متعدد الوجوه.
هل كتابة القصة القصيرة أصعب من كتابة الرواية ؟
لا يهم ايهما أكثر سهولة أو صعوبة، القصة القصيرة تشكل تحديا . في كل مرة أكتب قصة قصيرة اشعرأنها المرة الأولى، أكتب بوعي خالص لأكون متجددة ، القصة القصيرة يفضلها القارئ ، وغالباً تبقى في ذاكرته لفترة أطول رغم قصرها، هنا أتحدث عن القصة القصيرة المؤثرة والملهمة فعلا .
هل نعيش عصر الرواية ؟ ولماذا لم يعد للقصة القصيرة مكان في المشهد الثقافي العربي ؟
– من المؤسف ان يخضع الأدب للطبيعة الاستهلاكية شأنه شأن المنتجات الغذائية على أرفف الأسواق .
اعتقد نعم ولا ، نعم لأن المؤسسات الثقافية ودور النشر وكثير ممن أعجبتهم لعبة الجوائز وارتباطها بالشهرة السريعة ، دفعت الكل للتجريب ، وهذا حق طبيعي أن يكتب من يشاء الرواية ،أما لا فالسبب لأننا أصبحنا نعيش السباق المحموم على الإنتاج من دون رؤية او نضج ، يبدو حكمي قاسياً ، إلا أني اتبع ذائقتي التي لاتنقاد للسهل والثرثرة .
القصة القصيرة كما ذكرت سابقا مازالت معظم الدوريات تحتفي بنشرها والمواقع الالكترونية ، إلا أن حركة النقد انسحبت من المشهد لتقييم التجارب الجديدة وتطور القصة القصيرة .
قلت عندما سافرت إلى هولندا : شعرت أني امرأة أمية رغم ثقافتي الكبيرة ،هل تصنع الغربة إنسانا آخر ؟
لم يعد مفهوم الغربة كما كان في القرن التاسع عشر ،او حتى قبل خمسين عاما . عالم التكنولوجيا خفف وطأة مشاعر الغربة ، بل قدم حلولا أخرى للاندماج مع مجتمعات غريبة عنه لغة وثقافة ، عالم الاتصالات قدم حلولا كثيرة لو انتبهنا إليها بعين المتابع والمهتم ، لكن لم تستطع الاتصالات والتقدم التكنولوجي تقديم حل حقيقي لي مثلا ، ولكثير ممن يحمل شهادات تخصص علمية عالية ، أمضى عمره في بلده يتقدم في مركزه الوظيفي والعلمي ليجد نفسه في بلاد تتحدث لغة مختلفة ، ولاتهتم لخبراته السابقة ، ويجد أمامه حلين ،أما يكون مثل انسان فاجأه تقاعد مبكر أو البحث عن أعمال جديدة لاخبرة له فيها ، في الحالتين هناك عطب ما ، وخيبة لم يحسب لها حساب . من يهاجر أو تدفعه الظروف القاسية نحو المنفى ، حاله حال شخص أمي يتلمس طريقه من جديد وهو في سن متقدمة ليتعلم من جديد لغة لم يخترها ويمارس عملا يفرض عليه أحياناً .
إلى مدى يأتي تأثير ألم الغربة والبعد عن الوطن على كتاباتك ونظرتك للحياة ؟
لم أختر أن أكون بالمنفى ، لكن حينما خرجت كنت أعلم أن الجسور خلفي تتهاوى ، وعلي البدء ،ليس بصفتي ضحية تلك الهجرة بل بصفتي نجوت ويمكن لأي مشاعر عاطفية مثل الحنين والذاكرة أن تولد أحاسيس محبطة ، بل قاسية على نفسي وعلى من حولي . الرضوخ للذاكرة يصبح ضعفاً يشد المهاجر إلى الماضي ، وبما أني خرجت وفي ذهني صورة اكثر اشراقاً ، علي البدء بالتفكير بطريقة مغايرة . حتى في الكتابة اكتشفت أن لغتي وأسلوبي ينحازان إلى عوالم جديدة ، وربما هذه ميزة المنفى ، لو اخذنا الامور بشكل إيجابي ، يمنحنا الوقت لمعرفة ذواتنا بعيدا عن تأثير المحيط الذي تعودنا عليه . نحن هنا ننتقل للسباحة في مياه ربما تكون أكثر صقيعاً ،لكن هذا الصقيع يصفعنا لنصحو على ذات جديدة تتحدى لتكمل المسيرة بما يتناسب مع هذه التجربة .
لك مشروع رواية عن لبنان فهل سنراها قريبا ؟
كان هذا المشروع قائما بعد رواية «نساء الريح» مباشرة ، إلا انني اشتغلت منذ عامين على عمل مختلف تماما . أكتب رواية تدور احداثها بين الراهن وتاريخ قريب عن طرابلس ، وكان الالهام لهذا العمل بعد كتابتي لمقال عن تحطيم تمثال في وسط طرابلس لحسناء عارية مع غزال ، نتيجة الظروف التي تشهدها البلاد ،تم اطلاق الرصاص عليها ثم سرقة التمثال ، وهنا عدت إلى تلك المرحلة اثناء نحته من قبل فنان ايطالي في عهد الحاكم العسكري بالبو الذي بنى طرابلس ، أما الراهن فإنا نترك التفاصيل محجوبة ريثما يصدر العمل .


آخر الأخبار