الأربعاء 25 يونيو 2025
40°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

روائع الأدب تنبَّأت بـ"كورونا"... الوباء سيعيد رسم السياسة العالمية

Time
الثلاثاء 19 مايو 2020
View
5
السياسة
الفيروس في "شربة الحاج داود" و"سجادة الخضر" والكوليرا في "الأيام" وكامو تنبأ بطاعون الجزائر

عالم ما بعد الجائحة مختلف تماماً عمّا قبله... ووسائل التعليم ومناهجه ستتغير
وسيزيد الاهتمام بالتكنولوجيا الصحية


محمَّد عبدالشافي القُوصي

لا تعجب كثيراً عندما تسمع أنَّ معظم الأحداث الكبرى في التاريخ سبقتها إرهاصات الأدباء وتنبؤات الحكماء والفلاسفة، فالأدب الحي هو لسان عقل الجنس البشري، أوْ هو الذي يمنحنا القدرة على الانفعال به، ولو كان أسمى من مشاعرنا الخاصة، لأنه يستطيع أن يرفعنا إليه لحظات، وقد تكون هذه من مزايا الأدب التي تُحْسَب له في عالَم "المنافع" إذا لم يكن بُد من النظرة النفعية للفنون؛ لذا قالوا: لوْ يعلم الأديبُ خطورة فنِّه، لسكتَ دهراً قبل أنْ يكتب حرفاً.
ومن هنا لا تعجب عندما تسمع مقولة صاحب رواية (مدام بوفري MADAME BOVARY ): "قرأتُ عشرة آلاف كتاب في مكتبة فرنسا الوطنية، كَيْ أكتب أرضيّة تلك الرواية".
ويقول صاحب المجموعة القصصية "سجّادة الخِضْر": مكثتُ خمس سنوات من أجل ربط كل قصة بأختها بهدف الوصول للغاية.
وَلِمَ لا؟ فالأدب صناعة ثقيلة، والفن قد يصل إلى أن يكون ضرباً من ضروب السحر، والإبداع من أشقّ الأعمال، والثورات الاجتماعية الكبرى قامت على أكتاف الأدباء والفنانين، والدعوات الإصلاحية اعتمدت كثيراً على الفن، ولاسيما الفن القولي... فالأديب الكبير أوْ المتميّز رائد من رواد البشرية، يسبق خطاها، ويُنير لها الطريق فلا تنقطع بينه وبينها السبل، وهو رسول من رسل الحياة إلى الآخَرين الذين لمْ يُمْنَحوا "حق الاتصال، كما مُنِحَه ذاك الرسول، فهو يطَّلِع من خفايا الحياة على ما لا يطَّلِع عليه الآخَرون، وهو يحسّها في صميمها مجردة عن الملابسات الوقتية والحدود الزمنية، يحسّها كما انبثقت أول مرة من نبعها الأصيل.
ووظيفة الفن أن يفتح المنافذ بيننا وبين هذا النبع بقدر ما نطيق، وفي الأديب – كما قيل - قبس محدود من النبوة التي تتصل بالقوة الكبرى، وتصل بها القطيع الضال، وقيمة الأديب الكبرى إنما تقاس بمقدار اتصاله بالنبع من وراء الحواجز والسدود.
من هنا، كان العمل الأدبي في حقيقته ثمرة "التجارب الشعورية" التي ترفع الإنسان فوق مستوى حياته العادية، التي ترتفع فيها درجة الانفعال أيّاً كان نوعه، حتى تصل إلى درجة التوهُّج والإشراق أوْ قريباً منهما.
فالأدب خير تعبير عن اللحظات الأقوى، والأملأ بالطاقة الشعورية في الحياة لأنه هو الفيض الاختياري للأحاسيس القوية، وهو ينبع من الانفعال الذي يستعيده المُبدع في هدوء، إذْ يُطيل الرويّة فيما خلّف عنده الموضوع من انفعال، حتى يتجدد الثأر به في نفسه ويختفي الهدوء تدريجياً، وينشأ في العقل انفعال مشابه للأول أوْ قريب منه، وهنا يبدأ الإبداع الأدبي الناجح، ويستمر في هذا الجو مصحوباً بحالة من الغبطة العقلية، وعلى المُبدع أن يُعيد النظر ويطيل الرؤية، ويترك الخيال حتى ينقل لنا المشاعر حيّة سليمة، محاطة بهالة من اللذة والإمتاع.

كورونا في "شربة الحاج داود"
ثمة كثيرمن القصص والروايات التي تنبّأت بانتشار الأوبئة، بلْ أخبرت عن البلدان والبيئات التي ستقع فيها تلك الجوائح، بلْ وتحدّثت عن مخاطرها المتوقّعة، وعن كيفية التعامل معها؟ فالكاتب والروائي الراحل "أحمد خالد توفيق"، في رواية "شربة الحاج داود"، يتجول بالقارئ في عالَم الطب والأمراض والأوبئة الفتّاكة والمشكلات الاجتماعية، والعادات والتقاليد والأمراض التى تسود المناطق الاستوائية وتحت الاستوائية، ويستمر في السرد الممتع حول تاريخ بعض الأمراض ومكتشفيها وأدويتها وكيف تمَّ التوصل إليها... وقد أشار توفيق إلى فيروس "كورونا"، الذى أخذ اسمه بعد انتشاره في عدد من الدول الأخرى.
وقد ظهر بالفعل هذا الفيروس منذ أكثر من 6 سنوات، وتحديداً عام 2012 م قبل أن يكتب توفيق روايته متضمنة اسم "كورونا" بنحو عاميْن كاملين.
ففي حديثه عن "كورونا"، يقول خالد توفيق: "لا أشعر أنَّ مشكلة فيروس "كورونا" خطيرة إلى هذا الحد إذا وصل مصر، والسبب سأشرحه حالا: هناك درجة معينة من سوء الأحوال الاقتصادية قد تحميك من الأخطار، الأطفال الأفارقة تخزن أجسامهم سُم الفطريات "الأفلاتوكسين"، فى صورة غير سامة فى البداية، تحتاج هذه المادة إلى بروتين كيْ تعطينا السميّة الكاملة، هذا لا يحدث بسبب سوء التغذية وقلة البروتين، عندما تتحسّن الأمور نوعاً ما يأكل الصبي اللحم، ينشط الأفلاتوكسين، ويحدث سرطان الكبد، هكذا تجد أن الجوع يحمى الأطفال السود من سرطان الكبد، فهل يحمينا جو مصر من الفيروس؟ يمكننا تخيُّل ما حدث".

"سجّادة الخضْر" تعالج "كورونا"
في السياق نفسه، تنبأت بعض القصص التي ظهرت في السنوات القليلة الماضية بحدوث وباء عالمي في مطلع العام 2020م، حيثُ تردَّد اسم وباء "كورونا" بالذات أربع مرات في المجموعة القصصية "سجّادة الخضْر" التي تحتوي على ثلاثين قصة قصيرة.
أشارت المجموعة إلى تأثير الوباء على الاقتصاد العالمي، ودوره في رسم سياسة عالمية جديدة، تتلاشى فيها تلك المحاور والتحالفات القديمة كما جاء في أول قصّة قصيرة بالمجموعة القصصية بعنوان "مكاشفـــة"، إلى أن يصل "المدرّس" في ختام القصة؛ ويقول لطلاّبه: "عالَم ما بعد "كورونا" مختلف تماماً عمّا قبله... فقد تتغيّر وسائل التعليم ومناهجه أيضاً، وسيتطور التعليم عن بُعد، وينحسر التعليم التقليدي، وربما لا نجد المدارس ذات الأسوار الشاهقة، والأتوبيسات المزدحمة التي تنقل الطلاّب، وقد تتلاشى كثير من النظريات والأيديولوجيات، وتنهار البورصات العالمية، وقد تتهاوى عروش وأنظمة بالية".
وفي قصّة "الدرويش": يعاتب الشيخُ تلميذه المُريد الآبِق، قائلاً: "علينا أن نشكر "كورونا" الذي أعادك إلينا من إيطاليا التي حرمتنا منك طوال تلك السنين... فيضحك المُريد، ويقول: ربَّ ضارةٍ نافعة يا مولانا".
وفي قصة "المسافر" نرى الأب ينصح ابنه المريض، قائلاً: "أرجوك، أرجوك يا ولدي تأجيل السفر، حتى تتبيّن حقيقة هذا الوباء، ومدى خطورته... ففي خلال شهرٍ واحد فقط، سقط آلاف الضحايا في الدول العظمى والمتقدّمة علمياً... لا تستعجل يا ولدي حتى نعرف إلى أين سيتجه هذا الوباء اللعين".
وفي قصة "مِن العشق ما قتل": تُصرّ الفتاة على رؤية خطيبها المُحتجَز بداخل مستشفى الحجْر الصحي، لاسيما بعدما تردّدت أخبار بأنَّ حالته حرجة للغاية، وللتخفيف عنها يكذب عليها الأطباء، قائلين لها: "خطيبك قد أخذ يتعافى بشكل جيّد، وقد ثبت أنه ليس مصاباً بفيروس "كورونا"، وسيخرج قريباً، ولكنها تُصرّ على دخول المستشفى ورؤيته بنفسها... وعندما يمنعها الأطباء من الدخول، تتسلّق أسوار المستشفى الخلفيّة فتسقط على الأرض جثّة هامدة!

رواية "العمى الأبيض"
ومن الأعمال الأدبية التي تنبّأت بظهور الأوبئة، أو التي ناقشت موضوع الأمراض والأوبئة الفتّاكة، رواية "العمى الأبيض" للأديب البرتغالى "جوزيه ساراماغو" الذي تحدث عن انتشار وباء سُمِّيَ "العمى الأبيض"، إذْ تدور أحداث روايته فى بلدٍ ما أصيب بعض الناس فيه بوباء غريب سُمِّيَ بالعمى الابيض، وحُجز هؤلاء المصابون في حجر صحي، كيْ لا ينتقل المرض، ويبدأ صراع الدراما بين الأفراد، وتتنوع الاحداث والشخصيات وتظهر الفروق الفردية بين الشخوص، وتطور الانفعالات فى ظل هذا الحجر، ثم تبدأ تلك المجموعة بانتهاك آدمية باقي أفراد الحجر، ممَّا يُعبِّر عن فقدان الإنسانية معناها، وتبدأ المجموعة الأخرى فى محاولة التخلص من هؤلاء الأشرار حتى لوْ تمت التضحية ببعض الأفراد في سبيل بقاء الإنسانية بمعناها.
وتسرد الرواية تفشِّي وباء العمى الأبيض، والسبب غير المعلوم لهذا المرض الذي يُصيب تقريبا كل سكان المدينة، كما تُركِّز الرواية بشكل خاص على طبيب وزوجته، حيث إن الكثير من مرضى الطبيب وأشخاص آخرين يتم احتجازهم سوياً بمحض الصدفة، بعد قضائهم فترة طويلة وصعبة في الحجر الصحي، ويترابط أفراد المجموعة ويُصبحون كعائلة واحدة تقاوم وتدافع وتحاول النجاة، ويخدمهم الحظ بوجود زوجة الطبيب التي لم يصبها الوباء، وما زالت قادرة على الرؤية فى مجموعتهم، كون هذا الوباء ظهر فجأة ولا يُعرف سبب حدوثه.

"الكوليــرا" المصرية
ويَعرِض "طه حسين" في روايته "الأيــام" - التي تتناول سيرته الذاتية - تفشّي وباء "الكوليرا" في قريته مطلع القرن العشرين، ويصف لوعة أهل بيته وحسرتهم بموت أخيه الأوسط طالب الطب الشاب بهذا الوباء اللعين، فيقول: "كان قد هبط الوباء إلى مصر، ففتك بأهلها فتكاً ذريعاً ودمّر مدناً وقرى ومحا أسرا كاملة".

رواية "الطاعـــون"
وفي رواية "الطاعون" للأديب الفرنسى "ألبير كامو"، التي سرد خلالها قصة واقعية جرت عام في مدينة وهران بالجزائر، فقد وصف في الرواية طبيعة الشعب الجزائري وعاداته وتقاليده ونضاله في صراعه ضد الاستعمار وضد التخلف والجوع وضد الطاعون الذي حصد آلاف البشر، وإعلان المجلس البلدي أنَّ الوباء قد زال، وأنَّ أبواب المدينة ستظل مغلقة، والتدابير الصحية ستبقى على سبيل الاحتياط والحذر تحسبًا لعودة المرض مرة أخرى.
وصف "كامو" مدينة وهران بالمدينة الجامدة، التي يجتاحها الطاعون، فيبدأ الهلع والخوف في المدينة بأكملها وتتحول إلى سجن كبير لا أحد يدخل أو يخرج منها، وبعدها يظهر بطل الرواية "بيرنارد ريو" الذي أخذ على عاتقه البحث عن أسباب المرض المدمّر هذا، وكيفية القضاء عليه بعد أن تسبب فى حصاره داخل المدينة وابتعاده عن زوجته، وتتصاعد الأحداث حتى يعثر بطل الرواية على علاج يقضى على هذا الوباء لتفتح المدينة أبوابها المغلقة من جديد.
وهكذا، سيظلّ الإبداع الخلاّق هوالأسرع في معالجة الأحداث والتنبؤ بها... مِن هنا وجب عدم الاستهانة بخطورة الأدب.

أديب، ومترجم، وكاتب صحافي

غلاف 'شربة الحاج داود'


غلاف 'سجّادة الخضر' بالعربية والانكليزية
آخر الأخبار