منوعات
رواية "مسيو داك" جديد العراقي نزار عبدالستار
السبت 11 يوليو 2020
5
السياسة
منذ ربع قرن، بدأ الكاتب العراقي نزار عبد الستار مسيرته السردية التي افتتحها بمجموعته القصصية الأولى "المطر وغبار الحقول"، التي صدرت في العام 1995، وتمخّضت عن ثلاث مجموعات قصصية، وخمس روايات حتى تاريخه، آخرها "مسيو داك" (نوفل - هاشيت أنطوان، ولا تزال المسيرة مستمرّة. وبالدخول إلى الرواية من عنوانها، نشير إلى أنّ مسيو داك هو أحد الاسمين المستعارين: دونالد داك وديزي داك، اللذين أطلقتهما شركة إيطالية على بطلي الرواية زياد وربى، للإيحاء بأنّهما من خلق والت ديزني، أي أنّهما شخصيّتان متخيّلتان وليستا واقعيّتين. وبالتوغّل في المتن الروائي، نكتشف أنّ المتخيّل منه يشكّل انعكاسًا لهذا العنوان.في "مسيو داك"، يتناول الكاتب علاقة غريبة، غامضة، ملتبسة بين بطلي الرواية، زياد، رجل الأعمال والاقتصادي العراقي، وربى، عالمة النبات التي كانت تعمل في إيطاليا، ، ويروح يرصد تمظهرات هذه العلاقة في أطوارها المختلفة، منذ بدايتها حتى المآل الأخير في الرواية، وما يكتنفها من تواصل وانقطاع، وما يحفُّ بها من أدوار هامشية تقوم بها شخصيات مساعدة. وهي علاقة يتجاور فيها الحب والغرام والخضوع والتبعيّة والشغف."جنينة توفيق" البؤرة التي تتمحور حولها الرواية هي "جنينة توفيق" في حمّانا، حيث تصبّ ربى اهتمامها بمساعدة زياد على محاربة حشرة ميفيا التي تهدّد أشجار الكرز، فتمضي الليالي في هذا العمل، مستخدمةً أساليب علمية حينًا وبدائية أحيانًا، وانطلاقاً من هذه الوقائع، نخلص إلى أن زياد هو شخصية خاضعة، تابعة، تنفّذ ولا تقرّر، تُنكر ذاتها، وتقمع أفكارها غالبًا، وتعمد إلى مسايرة ربى في جميع أفكارها دون أدنى نقد أو اعتراض. ونخلص إلى أنّ ربى هي شخصية مزاجية، غامضة، آمرة ناهية، تأمر فتطاع، وتطلب فَتُستجاب، تستبطن قلقاً من زوال جمالها، وتُسقِطُهُ على شجرة الكرز الجميلة المهدّدة بحشرة الميفيا، في معادلة جميلة، تقيمها الرواية بين الشجرة والمرأة، من جهة، وبين الحشرة والزمن، من جهة ثانية. على أنّ هذه الشخصية، رغم قوّتها، نراها تستسلم لخيارات زياد في اختيار ثيابها وإملاء بعض أفكاره الأسطورية عليها، وبذلك، تتجاور القوة والانصياع ضمن الشخصية الواحدة. وفي الحالتين، ثمة أسئلة تتعلق ببناء الشخصية تطرح نفسها على الكاتب.من جهةٍ أخرى، ثمّة مفارقة كبرى في الرواية، بين واقعية الفضاء والشخصيات بحيث تذكر بلدات وأماكن معروفة وشخصيات سياسية محدّدة بالاسم، وبين غرائبية الأحداث التي يطغى فيها المتخيّل، البدائي، والأسطوري، على ما عداه. وبذلك، نكون إزاء حالة من عدم التلاؤم بين الشكل والمضمون، أو بين المحتوى والإطار. ومع ذلك، تبقى "مسيو داك" رواية تزخر بالتنوّع، على أنواعه، سواءٌ على مستوى الفضاء الروائي أو المشاهد أو الشخصيات أو الأنماط الكتابية أو اللغة، ولن يعود قارئها من غنيمة المتعة بالإياب.