منوعات
زواج المكيدة ... ضحيته امرأتان
الأربعاء 28 نوفمبر 2018
5
السياسة
القاهرة- محمد فتحي:تتعرض الكثير من النساء لانتقام من نوع مختلف من أزواجهن، حيث يقعن ضحية غدرهم، ويريد هؤلاء الرجال إذلال زوجاتهم وإغاظتهن وكيدهن، وذلك بالزواج بأخريات، وهو ما يسمى"زواج المكيدة"، حسب ما جاء في دراسة اجتماعية تحذر من لجوء الرجال إلى ذلك. وتحاول الكثيرات ممن يتعرضن لذلك اللجوء إلى طلب الطلاق، ولكن بعض الرجال يزيدون في كيدهم برفض الطلاق ما يجعلهن يلجأن للخلع. وظهرت فتوى لدار الإفتاء المصرية تؤكد عدم جواز زواج المكيدة."السياسة" تناقش هذه الأزمة وتحللها نفسيا واجتماعيا، وتستطلع آراء عدد من الرجال والنساء، والرأي الديني والقانوني.أكدت الدراسة أن كثيرا من الرجال يحاولون إذلال زوجاتهم والانتقام منهن بالزواج الثاني، أو ما يعرف بزواج المكيدة، وعندما تقرر المرأة أن تنفصل وتبحث عن الطلاق يزيد الرجل في كيده ويرفض الطلاق، ما يجعلها تلجأ للخلع، وهناك رجال يستخدمون التهديد بالزوجة الثانية، كسلاح يشهرونه في وجوه زوجاتهم عند أي خلاف، ورغم أن الزوجة قد تعتقد أن هذا الكلام مجرد تهديد، إلا أن هناك من يقدم على هذه الخطوة بالفعل، ما يترك آثاره النفسية والاجتماعية المدمرة على المرأة والأسرة. زواج غير جائزأصدر الدكتور خالد عمران، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، فتوى بخصوص هذا الزواج، وأكد أن هذا الفهم للتعدد خطأ، وأنه ليس من حق الزوج أن يتزوج بأخرى ليكيد الأولى، وأن هذا التصرف من سوء الفهم للدين، الذي رغَّب كل رجل بالزواج بامرأة واحدة، وهذا هو الأصل، وهو الغالب، وهو الأفضل لمن خاف عدم العدل بين الزوجات، فتعدد الزوجات ليس هو القاعدة، بل إنه أمر نادر قد يلجأ الإنسان إليه عند الحاجة، ولهذا لم توجبه الشريعة الإسلامية على كل الرجال، وإنما أباحته بشروط خاصة ولأسباب داعية إليه، مثل مرض الزوجة الأولى وعدم قدرتها على القيام بواجباتها أو عدم قدرتها على الإنجاب.وأضاف: يشترط للتعدد الذي يريده الإسلام عند الضرورة العدل، ولهذا قال الله تعالى: "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا" (آية 3) سورة "النساء". والزوج الذي يعدّد من دون داعٍ كمكيدة لزوجته، عاصٍ لله ولم يتق الله فيها، بل إنه ناشز شرعاً، لأنه حارب ما أمر الله به الأزواج من الحرص على السكن والمودة والرحمة، لقول الله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (آية 21) سورة "الروم".وطالب الدكتور خالد، الزوجة التي يرغب زوجها في الزواج عليها كيداً وانتقاماً، أن تحاول الاستعانة بأقاربه وأصدقائه لمنعه من تنفيذ مخططه الظالم، فإن لم يستطيعوا فلها الحق في اتخاذ حكمين من أهلها وأهله، تنفيذاً لقول الله تعالى: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا" (آية 35) سورة "النساء".وإذا فشل المحكمان في الصلح بين الزوجين ومنع الزوج من الانتقام من زوجته بالتعدد، فلها أن ترفع أمرها إلى القاضي لإنصافها ومنع الظلم عنها من طريق الحكم بالعدل، لقول الله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا" (آية 58) سورة "النساء". تهديد وصدمةكثيرات تعرضن لهذا الزواج، منهن انتصار محمدالتي تقول: حدثت مشكلات بيني وبين زوجي، وكان دائما يهددني بالزواج من أخرى، وكنت مغلوبة على أمري، وأعتبر أن هذا الكلام مجرد تهديد لن ينفذه، ولكني فوجئت بأنه خطب فتاة أعرفها، وكانت صدمة كبيرة لي، ولم يكن لديّ استعداد لاستكمال حياتي معه حتى ولو تراجع عن موقفه، وطلبت الطلاق لكنه رفض، لأنه كان يريد إذلالي أكثر، فلجأت إلى رفع دعوى قضائية أمام محكمة الأسرة من أجل الخُلع، والحمد لله تخلصت من هذا الزوج عديم الضمير، ولا توجد امرأة عاقلة تقبل الاستمرار مع زوج يضحي بها ويذلها بهذه الطريقة. مريضيقول محمد عصام الدين: الزوج الذي يفكر في إيذاء زوجته بهذا الشكل لا يتقي الله، وأضاع الأمانة التي حملها، فكيف أفكر في أن أذل زوجتي بالزواج من أخرى، فأكون بذلك قد أهنت نفسي وزوجتي والمرأة الثانية التي تزوجتها، فإذا وصلت الأمور بيني وبين زوجتي إلى حد أني لا أريدها فيجب أن يتم الطلاق فورا من دون أي تفكير في انتقام أو إذلال.أشرف شعبان: أعتقد أن هذا الزواج لا يجوز لأنه بهدف معين بعيد تماما عن تأسيس أسرة وحياة زوجية، والرجل الذي يفكر في ذلك مريض نفسي بالتأكيد، فهل وصلت الحال برجل لهذا الأمر؟ يجب أن تبحث المرأة عن الطلاق من الرجل الذي يفعل ذلك، لأنها لن تكون قادرة على الشعور بالأمان معه بعد ذلك، فهو لا يحتمل، ولن أفكر أبدا في فعل ذلك مع زوجتي.كما يقول هاني فتحي: على الرجل الذي يفعل ذلك أن يعلم أنه كما يدين يدان، وسوف يجد من يذلّه وينتقم منه، لأنه لم يراع أي مبادئ أو أخلاق أو يتقي الله في زوجته، وسوف تحدث له مكيدة هو أيضا، لأنه ينتقم من امرأة ضعيفة، فإذا لم يكن يريدها فعليه أن يطلقها بدلا من إهانتها بهذا الشكل.تقول نسرين محمد: الرجل الذي يتزوج زواج مكيدة لا يطلق عليه لقب رجل من الأساس، فهو ليس لديه أي معنى من معاني الرجولة، ولا يستطيع أن يتحمل المسؤولية، فهناك نساء سيئات بالفعل، ولكن هذا الانتقام صعب، وهذا الإذلال بشع، فإذا استحالت العشرة بينهما فعليه أن يطلقها، وإذا فعل زوجي معي ذلك فسوف أبحث عن الانفصال بأي شكل.لبنى عطا: أعرف رجالا كثيرين يهددون زوجاتهم بالزواج بامرأة أخرى حتى يذلوهن، ويخضعهن لهم، ولكن هل هذه هي الرجولة من وجهة نظرهم؟ من يفعل ذلك ليس رجلا لأنه لم يستطع أن يخضع زوجته إلا بالتهديد والإذلال، ولكنه يمكنه إخضاعها بالحب والاحترام، فالمرأة من الممكن أن تفعل أي شيء لزوجها إذا كان يحبها ويحترمها، ولن يحدث الأمر بالإذلال. إنسان غير سوييقول د. محمد يحيي، أستاذ علم النفس: للأسف الشديد ينتشر هذا الزواج بكثرة بالفعل، والضحية امرأتان، الزوجة التي يكيد لها زوجها، والمرأة التي يستخدمها الرجل في هذا الكيد، والرجل الذي يفعل ذلك غير سوي وغير متوازن نفسيا، ويفتقد أدنى درجات الإنسانية، ولا يؤتمن، وحتى لو كان بالتهديد فقط، فهو اعتداء نفسي وجسدي على المرأة، ففكرة الانتقام من الزوجة التي هي أقرب شخص لهذا الرجل تعبر عن مرض نفسي جعله لا يفكر في تبعات تصرفاته، فهذا الانتقام يؤدي إلى مشكلات نفسية واجتماعية ويترتب عليه تفكك اجتماعي في حالة وجود أبناء، ومهما كانت المشكلات التي تحدث بين الزوج والزوجة، فلا يمكن أن تصل الأمور إلى حد أن يتزوج بامرأة أخرى لإذلالها، فهناك أساليب لمعالجة الأمور، ولو حتى بالانفصال، هذا الرجل ضعيف، لأنه لم يستطع معالجة الأمور ولم يستطع التأثير على زوجته، ولم يجد الحل سوى في امرأة أخرى، ولكن نعيد السبب في البداية إلى سوء الاختيار، والتعجل في الارتباط بشخص لم تفهمه المرأة بعد، ولم تتعرف على طباعه، وهذه مشكلة كبيرة تواجه الكثير من الرجال والنساء، فسوء الاختيار يدفع ثمنه من يقدم عليه وخلفه الأبناء. اعتداء على ذاتهيقول د. طه أبوحسين، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأميركية: فكرة الزواج من امرأة أخرى بدافع إذلال الزوجة وإغاظتها تعبر عن حالة عدائية شديدة تصيب هذا الرجل، والزوجة تعتبر زواج زوجها من امرأة أخرى بمثابة اعتداء على كينونتها ومشاعرها، وبطبيعة الحال لن ترضى أي امرأة بأن يتزوج زوجها من امرأة أخرى، وتعتبر هذا الأمر مكيدة من الرجل سواء كان بقصد أو من دون قصد، ولا نستطيع أن نحاسب الرجل على إقدامه على فكرة الزواج الثاني، هو الذي سيتحمل مساوئ ذلك، فهو اعتداء منه على ذاته، لأنه انتقاص منه في نهاية الأمر، وسيكون هو الخاسر في النهاية، لأن هذا الزواج تصرف غير محسوب، الهدف منه إذلال الزوجة الأولى، فمن الممكن أن يقدم على هذه الخطوة وهو ليس لديه القدرة المادية، وسيندم بعد ذلك. كما أن الزوجة الثانية مسؤولية إضافية، وسيشعر بالعقاب بعد ذلك، ويدفع الثمن، والمرأة من حقها أن تغضب وتغار وتحزن من هذا التصرف. العدلتقول د. آمنة نصير، أستاذة العقيدة الإسلامية بجامعة الأزهر: الرجل الذي يفعل ذلك غير قادر على فرض رجولته بالحب والحنان فيحاول اللجوء إلى الإذلال بالزواج الثاني، وأعتقد أن 50 في المئة من حالات الزواج الثاني تكون بهذه الطريقة، فالرجل يريد أن يقهر زوجته ولا يستطيع ذلك فيفكر في الكيد لها بإحضار ضرّة، ولكن تعدد الزوجات له شروطه، ومن يتأمل آيات سورة النساء حول الزواج من اليتامى ونهي الله عن الزواج منهن من دون ثمن يتبين له اهمية التأني في الزواج الثاني، كما أن التعدد مرتبط بالعدل، كما قال تعالى "وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة" فمجرد الخوف من عدم العدل يجعل الرجل لا يفكر في التعدد، فالشرع وضع عقبات في فكرة الزواج الثاني حتى لا يستسهل أحد هذا التعدد، ويجعله للمكيدة أو الغنيمة، فالإسلام يحرم عملية استسهال هدم البيوت وضياع الأولاد، وزواج المكيدة بعيد تماما عن عدالة التشريع، والتعدد لم يبح لمجرد المتعة أو المكيدة للمرأة، ومن لا يثق في نفسه أنه يستطيع العدل يبتعد عن التعدد، فأين العدل في رجل يريد أن ينتقم من زوجته ويذلها بالزواج عليها؟ كما أن ذلك ظلم للمرأة الثانية، فعند الإقدام على الزواج الثاني يجب أن ندرك حكمة الإسلام للتعدد، وأن يكون الذي يريد التعدد مستوفيا شروط التعدد، وعلى من يفعل ذلك أن يتذكر حديث رسول الله "كفاك إثما أن تضيع من تعول". القانون لا يتدخل في التعدديقول د. أحمد بهاء، أستاذ القانون بجامعة القاهرة: لا يوجد نص قانوني يتدخل في هذه المسألة، فالزوجة لن تستطيع أن تثبت أن زوجها تزوج ليكيدها، كما أن القانون لن يستطيع معاقبته على ذلك، ولذلك فليس أمام المرأة إلا اللجوء إلى المحكمة للحصول على الطلاق للضرر، أو رفع دعوى قضائية أمام محكمة الأسرة للخلع، إلا إذا كانت الزوجة قد اشترطت في عقد الزواج ألا يتزوج زوجها ثانية، ففي هذه الحال وفقا لقانون الأحوال الشخصية تستطيع الزوجة فسخ عقد الزواج بطلبها لأن الزوج لم يف بشرط في عقد الزواج، ولها كل حقوقها الشرعية بالطبع، ولكن غير ذلك ليس هناك نص قانوني يحاكم الزوج إذا تزوج بهذه الطريقة.