كل الآراء
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم
الخميس 27 سبتمبر 2018
1260
السياسة
يظن بعض من يتأمل هذا البيت أن شاعره مل من الحياة، ورأى في الموت راحة له، والحقيقة انه مل تكاليف الحياة لا الحياة، فنحن لا نمل الحياة بل كلما تقدم بنا العمر تمسكنا بها أكثر، أما تكاليفها وشدائدها ومصاعبها فهي ثقيلة على من بلغ الثمانين، وهذا ما أراد ان يقوله لنا شيخ شعراء الجاهلية زهير بن ابي سلمى، وعموماً فالإنسان يمر في حياته بثلاث مراحل ذكرها المولى عز وجل في قوله: "الله الذي خلقكم من ضعف، ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قو ة ضعفا وشيبة، يخلق ما يشاء وهو العليم القدير" "الروم - 54" وقد قال علماء الشعر إن بيت زهير هذا اصح معنى من قول لبيد بن ربيعة العامري:ولقد سئمت من الحياة وطولهاوسؤال هذا الناس كيف لبيد؟ولم يقل لبيد هذا البيت إلا بعد ان بلغ مئة وأربعين سنة "أبي زيد القرشي- الجمهرة" وقد صور أبوالطمحان القيني حاله عندما تقدمت به السن تصويراً بليغاً حيث يقول:حنتني حانيات الدهر حتىكأني خاتل أدنو لصيدقريب الخطو يحسب من رآنيولست مقيداً أني بقيدوغير بعيد عنه قول الصحابي قردة بن نفاثة حيث يقول:وكنت أمشي على الساقين معتدلاًفصرت امشي على ما تنبت الشجريقول زهير بن أبي سلمى في معلقته:أمن أمّ أوفى دمنة لم تكلّمبحومانة الدراج فالمتثلمودار لها بالرقمتين كأنهامراجع وشم في نواشر معصموقفت بها من بعد عشرين حجةفلأيا عرفت الدار بعد التوهمومنها قوله:سئمت تكاليف الحيـاة ومن يعشثمانين حولاً لا أبـا لك يسأموأعلم ما في اليوم والأمس قبلهولكنني عن علم ما في غد عمرأيت المنايا خبط عشواء من تصبتمته ومن تخطئ يعمر فيهرمومن لم يصانع في أمور كثيرةيضرس بأنياب ويوطا بمنسمومن يجعل المعروف من دون عرضهيفره ومن لا يثق الشتم يشتمومن يك ذا فضل فيبخل بفضلهعلى قومه يستعن عنه ويدممومن هاب أسباب المنايا ينلنهوإن يرق أسباب السماء بسلمومهما تكن عند امرئ من خليقةوإن خالها تخفى على الناس تعلمومن لم يذد عن حوضه بسلاحهيهدم ومن لا يظلم الناس يظلموإن سفاه الشيخ لا حلم بعدهوإن الفتى بعد السفاهة يحلمدعونا نتعرف على هذا الشاعر، فهو زهير بن أبي سلمى، واسمه ربيعة بن رياح بن قرط بن حارث بن مازن المازني، كانت منازل قومه بنواحي المدينة المنورة، ثم أقام بالحاجر من ديار نجد، تزوج أم أوفى التي ذكرها في مطلع معلقته حيث قال:أمن أم أوفى دمنة لم تكلمبحومانة الدراج فالمتثلمثم طلقها بسبب موت أولاده منها، واقترن بكبشة بنت عمار الغطفانية ورزق منها بولديه، الشاعرين: كعب وبجير، سميت قصائد زهير بالحوليات لانه كان ينظم القصيدة في شهر، ويهذبها في سنة، وهو أحد الثلاثة المقدمين على سائر الشعراء، واختلف في تقديم أحد الثلاثة على صاحبيه، والآخران، هما: امرؤ القيس والنابغة الذبياني، وقد ذكر عبدالله بن العباس أن عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" كان شديد الإعجاب بشعر زهير، واتفق علماء الشعر أن زهيراً صاحب أمدح بيت وأصدق بيت وأبين بيت في الجاهلية، فالأمدح قوله:تراه إذا ما جئته متهللاكأنك تعطيه الذي أنت سائلهوأصدق بيت قوله:ومهما تكن عند امرئ من خليقةوإن خالها تخفى على الناس تعلموأما أبين بيت فقوله برسم الحدود:فإن الحق مقطعة ثلاثيمين أو نفار أو جلاءوبيته الأخير يدل دلالة واضحة على توحيده بالله تعالى، وقد روى المحدث الزهري أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رأى زهيراً وقد أتت عليه مئة سنة فقال: اللهم أعذني من شيطانه. فما قال بيتا حتى مات، ومن دلالات توحيد زهير بن أبي سلمى قوله:ألم تر أن الله أهلك تبعاوأهلك لقمان بن عاد وعادياوأهلك ذا القرنين من قبل ما ترىوفرعون أردى جنده والنجاشياوقوله أيضا:تزود إلى يوم الممات فإنهولو كرهته النفس، آخر موعدذكر ابن قتيبة في "الشعر والشعراء"، أن زهيراً كان يتأله ويتعفف في شعره، ويدل على إيمانه بالبعث كقوله:يؤخر فيودع في كتاب فيدخرليوم الحساب أو يعجل فينقموقال ابن قتيبة ايضا: كان جيد شعره في هرم بن سنان المري, فقال عمر بن الخطاب لبعض ولد هرم: كان زهير يقول فيكم فيحسن, فقال احدهم: يا أمير المؤمنين, كنا نعطيه فنجزل له العطاء, فقال عمر رضي الله عنه:"ذهب ما اعطيتموه وبقي ما أعطاكم"، وكل اشعار زهير بن أبي سلمى تدل على رزانته وحسن معشره, وصدق طويته ودماثة خلقه وترفعه عن الصغائر وعفة نفسه, وهذه الامور طبعت شعره بطابع الحكمة والرصانة, ولد زهير سنة 520م وتوفي عام 607م.أكتفي بهذا القدر.دمتم سالمين، في أمان الله.كاتب كويتي