إعداد - محمود خليل: عانى المسلمون في الأندلس، كثيراً من ظروف القهر والرقابة الدائمة التي فرضت عليهم بعد سقوط الأندلس، التي كانت محاكم التفتيش المعينة من طرف الكنيسة مسؤولة عن ترتيبها وتنفيذها. أدت تلك الرقابة الصارمة إلى نفور شديد من قبل الموريسكيين من كل ما يأتي من قبل السلطات الصليبية، فبعد الذوبان الاجتماعي للأندلسيين القشتاليين وأندلسي الغرب، ثاروا على المسيحية التي فرضت عليهم، وبدأوا في البحث عن جذورهم الإسلامية العربية المفقودة. زاد من حدة تحول هؤلاء الاندلسيين، الذين اجبروا على اعتناق المسيحية - المسيحيون الجدد كما كان يطلق عليهم - طرد أندلسيي غرناطة إلى مناطق تواجدهم، اذ وجدوا في الأندلسيين القدامى في غرناطة، ما فقدوه قبل قرون، كما أجبر تواجدهم النصارى القدامى على عدم نفورهم من أهل غرناطة على النصارى الجدد.لم يمر وقت طويل حتى التحم أندلسيو غرناطة مع باقي الأندلسيين في شتى المقاطعات الخاضعة لحكم القشتاليين، ما نتج عنه فئة جديدة نتيجة ظلم محاكم التفتيش، أسموها "الموريسكيون"، شكلت عنصراً جديداً في التركيبة السكانية والاجتماعية في الأندلس.يحتفظ التاريخ بسيرة امرأتين أندلسيتين، يمكن أن يطلق على كلتيهما لقب "المرأة الحديدية" الأولى "عائشة الحرة"، والثانية "زينب النفزاوية"، لما كان لهما من تأثير واضح في الحياة السياسية الأندلسية، هناك أيضا "فاطمة المجريطية" التي قدمت مساهمات علمية وفلكية ما زالت تدرس حتى اليوم. كانت عائشة بنت محمد ابن الأحمر ملكة غرناطة، امرأة ذات شخصية قوية تتسم بالذكاء، قادرة على اتخاذ قرارات مؤثرة في الحياة السياسية للمملكة، لتأمين مستقبل ابنها البكر في مملكة غرناطة الناصرية، كما أن حياتها الغنية بالأحداث جعلتها موجودة في الأدب حتى يومنا هذا. ويكفي أنها حاربت من أجل حقوقها وحقوق ابنائها بقوة غير معتادة بالنسبة لامرأة في القرن الخامس عشر، هذا النضال حوله الأدب الرومانسى إلى دراما من مشاعر الغيرة والانتقام.لقبت بـ "عائشة الحرة والأمينة والشريفة"،وعرفت في التراث الإسبانى باسم "عايشة"، أم آخر ملوك غرناطة، التى تعد من أبرز الشخصيات النسائية في تاريخ الأندلس، فهى ابنة ملك غرناطة محمد العاشر، بينما يذكر بعض المؤرخين انها ابنة محمد الثامن.أصبحت عايشة سلطانة بعد زواجها من الملك أبو الحسن علي الذى انجبت منه أبو عبد الله محمد وأبو الحجاج يوسف كما انجبت ابنة وحيدة اسمتها عائشة لكن السلطان أغرم بأسيرة مسيحية تدعى "ايزابيل دى سوليس" أسرت فيما يعرف اليوم باسم "برج الأسيرة" في قصر الحمراء، عرفها الغرناطيون باسم "ثريا" بعد اعتناقها الإسلام.اشتعلت الغيرة بين ثريا وعائشة، إذ شعرت الأخيرة بالخوف على إرث ابنائها، وعدم ثقتها في نوايا السلطان، خصوصا أن ثريا كانت تسعى لديه ليجعل أحد أولادها وليا للعهد بدلًا من ابني عائشة، لذا تعاونت مع بني سراج للإطاحة بالسلطان وتعيين ابنها أبو عبد الله مكانه بعد تحريره من أحد أبراج قصر الحمراء، حيث كان سجينًا بأمر من والده السلطان. حثت عائشة ابنيها على الفرار إلى وادى آش حيث نصب ابو عبد الله ملكًا لغرناطة، بعد حرب أهلية دموية، وعندما وقع أسيرًا لدى القشتالين في معركة لوسينا "ظاهر قلعة اللسانة"، تفاوضت معهم وتم تحريره.استمرت في النضال، شهدت أحداث غرناطة، ثم رحلت وابنها إلى المنفي، في "البشرات" بعد دخول القشتاليين غرناطة، ثم رحلا إلى فاس، حيث كان مثواها الأخير.كانت عائشة استلمت من أختها "أم الفتح" منزل زهير الذى بيع للفارس المسيحى "لويس دى بالديفيا"، بمبلغ ألفين وخمسمائة ريال فضية، ثم أصبح بعد ذلك من أملاك الملوك الكاثوليك. ويوجد حتى اليوم في غرناطة قصرها الذى يسمى "دار عائشة الحرة"، كما يوجد به مكان للألعاب النهرية في الصيف، مصمم بنظام هيدروليكى، كان يحتفظ ببعض الجدران لسنوات قريبة، لكنه بدأ في الانهيار مع عملية تخطيط الطرق في المدينة، التى قسمته إلى نصفين، كما تأثر أيضًا بعمليات البناء والإسكان.أما "زينب بنت اسحاق النفزاوية" زوجة أمير المسلمين "يوسف بن تاشفين"فقد تمتعت بمكانة عظيمة وسلطة واسعة، إذ كان زوجها يشركها في إدارة شؤون المملكة، يستمع لنصحها وإرشادها، بلغ من نفوذها أنها كانت تعزل من تريد من رجال الدّولة. فاطمة المجريطيةومن ألمع النساء أيضا فاطمة ابنة أبو القاسم مسلمة بن أحمد المجريطي عالم الرياضيات والكيمياء والفلك الذى عرف في الأندلس بـ "إمام الرياضيين"، وكان قد ولد بمدينة مجريط "مدريد" ثم رحل إلى قرطبة لتلقى العلم ويعتبر من أنبغ علماء الأندلس في عهد الخليفة الحاكم المستنصر، قيل عنه أنه أفضل الرياضيين والفلكيين في زمانه، شارك في ترجمة كتب بطليموس في الفلك، وطور جداول الخوارزمى الفلكية، كما ابتكر تقنيات جديدة في علمى المساحة والمثلثات.تعلمت فاطمة ابنته على يديه فصارت عالمة فلكية في الأندلس في نهاية القرن العاشر وبداية القرن الحادى عشر الميلادى، تعتبر من الأسماء المعترف بها عالميًا كإحدى الفلكيات اللواتى قدمن مساهمات مهمة وكبيرة في علم الفلك في تلك الحقبة الزمنية.

عائشة الحرة

فاطمة المجريطية