منوعات
سعيد الشفاج: جرفتني عوالم الآخرين إلى هوس الكتابة
الأربعاء 20 يناير 2021
5
السياسة
القاهرة - إيمان مهران:روائي مغربي وشاعر حمل على عاتقه مشاكل الانفصام المجتمعي الذي عانت منه أجيال في المدن المغربية، فكتب روايته الأولى "درب المعاكيز" لترصد أبعادا مجتمعية وسيرة روائية، تعكس طفولته وشبابه في بيئته التي نشأ فيها، أما كتب روايته الثانية "عشق الأميرات"، فرصد خلالها التحولات الكبرى التي تعرضت لها المدن المغربية وربطها بالأحداث السياسية والفكرية.حول رواياته التي يعتبرها تشخيصا لمظاهر الخواء الحضاري ومعاناة الشعوب منه بسبب الانفتاح على العالم أكد الأديب المغربي "سعيد الشفاج"في لقاء لـ"السياسة" أنه بدأ حياته الأدبية بنظم ديوان شعر بعنوان "مقامات" ثم انتقل إلى كتابة المقالات الصحافية ثم القصة القصيرة فالروية وانتهى إلى تأليف كتاب نقدي، مؤكدا أن "عوالم الآخرين جرفتني إلى هوس الكتابة"، وفيما يلي التفاصيل: كيف كانت بداياتك في عالم الأدب والشعر؟بداية اندماجي كانت بالأثر الذي خلفته قراءاتي للكثير من التجارب الإبداعية في العالم العربي والغربي، إذ جرفتني عوالم الآخرين إلى لعنة الكتابة وهوسها، بدأت شاعرا أنسج على منوال أدونيس،أنسى الحاج،بابلو نيرودا،أمل دنقل،الماغوط،وعبد الله راجع، ثم كتبت القصة القصيرة والكثير من المقالات النقدية، وكان للمرحلة الجامعية بكل تجلياتها أثرها، أيضا كانت تجاربي الشخصية والحضور المكثف للكثير من الأمسيات الإبداعية.ماذا عن أول إصداراتك الأدبية؟كان ديوان شعر مشترك سنة 1997 بعنوان "مقامات"، شكل لي بداية خوض غمار النشر، كان صعبا أن افرض ذاتي حينها، لذا قررت مع اثنين من أصدقائي إصداره واقتسام تكاليف الطبع،عشنا تلك الفترة بفرح وسعادة،كنا نتقاسم الفرحة بيننا في حفلات التوقيع،بعدها مررت بلحظات عصيبة وخواء نفسي كبير، إذ عانيت حينها من اكتئاب موقت، لكنني أصررت على الحضور عبر مقالات صحافية بجريدة الاتحاد الاشتراكي.كيف كانت تجربتك الشعرية؟عشقي للشعر كان فطريا، رغم أنني لم أصدر سوى ديوان واحد، انتظر نشر ديواني الثاني، أحس بروح الشعر في كتاباتي المنثورة خاصة في الرواية، الشعر مدرسة لغوية فريدة من نوعها، ولكي يكون الشاعر ناجحا عليه أن يمر من قنطرة السفر نحو العوالم التي يختارها فيما بعد.ما الذي يضمن نجاح القصيدة؟الإلقاء يضمن لي نجاح القصيدة، فالشعر العربي يعتمد على التواصل القوي مع الجمهور، أما الانتشار فلا أظن أنني وصلت إلى ما أصبو إليه لاعتبارات تعود للذوق العام الذي بدأ يعتمد على نظم إبداعية مختلفة.هل واجهتك صعوبات؟قراءاتي الكثيرة والمتنوعة وشغفي بكل المسرودات إلى جانب دراستي الجامعية وكتاباتي الصحافية أفادتني كثيرا في خوض مضمار الكتابة، لكن عقل المبدع سيصطدم بالواقع المتناقض للمجتمع المغربي والعربي عامة،إذ يعاني من ضمور الجمال وموت الكلمة في صمت مع سبق الإصرار والترصد،فالمبدع عامة كائن غريب عن واقعه ومحاولاته تبقى فردية في غياب المثقف العفوي.ماذا عن رواياتك التي نشرتها؟أصدرت سيرتي الروائية "درب المعاكيز" عام 2015، ثم روايتي الثانية "عشق الأميرات" عام 2018، فكتابي النقدي "محمد بن ناشي بين التأمل والصورة" عام 2019،وقريبا سيصدر لي كتاب نقدي آخر بالأردن، يمثل مجموع مقالات نشرتها في الكثير من المنابر العربية، أيضا دراسة نقدية للشاعر عبد الله عيسى البطيان، الذي يعتبر تجربة مهمة في البحث عن الجوانب الجمالية في السفر النبطي."عشق الأميرات"ما الفكرة العامة لرواية عشق الأميرات؟عشق الأميرات، انتقال من السرد الذاتي إلى المتخيل، رواية مطواعة،كانت رحيمة، غير أن البناء الحكائي أرهقني، كنت حريصا أن أكتب بلغتي الخاصة وأن لا أسقط في التقليد وقد حالفني الحظ، إنها رواية تتنفس من روح الحياة، وتحرك فينا المسكوت عنه والممنوع، تتساءل عن منظومتنا الفكرية والأعراف القبلية المترسخة فى الفضاء الحضري، كما تطرح سؤال الإرهاب ومعالجة أبعاده السيكواجتماعية.كم من الوقت استغرقت في كتابتها؟قضيت عامين في انجازها، فأنا أحبذ البطء في الكتابة لأنه يمنحني فرصة تأمل ما أكتبه.المرأة والحب كيف صورت الحب والمرأة في الرواية؟العشق، إنه الدرجة القصوى للحب، الأميرات في روايتي نساء اخترن قدرهن رغم قسوة المجتمع الذكوري، إنها إعادة الاعتبار للمرأة بعيدا عن الفكر الصالوناتي النسائي والبعد الحقوقي، إن صعود البطلة إلى رتبة اجتماعية عالية لم يغير من طباعها وأفكارها وهذا شيء نادر في طبائع البشر مما جعلني انصبها أميرة بلا قصر.ما مدى تأثر المرأة بتطور المجتمع المغربي؟الرواية تلخص التحولات الكبرى التي تعرضت لها المدن المغربية من أحداث سياسية،فكرية،واجتماعية، إذ رصدت التحول في المدنية المغربية والطابع المشوه الذي وصلت إليه رغم مظاهر المدنية، لكن عقلية المدني لم تتغير بتاتا رغم ثقافة الحداثة وانفتاح المغربي على العالم عبر وسائل التواصل الحديثة، فالتغيير بقي حبيس رفوف الكتب وفي عقول المثقفين، مما أفسح المجال لإدانة الآخر ومحاولة اغتياله جسديا بسبب الإقصاء وعدم تقاسم الثروة.ما تأثير تلك التحولات على المجتمع؟المجتمعات العربية نتاج تاريخ من الإقصاء، الغرب ساهم كثيرا في الانفصام الذي تحدثت عنه في "عشق الأميرات"، أيضا فى روايتي "درب المعاكيز" التي تعتبر تشخيصا روائيا لمظاهر الخواء الحضاري ومعاناة الشعوب من غياب المبدأ، ما زالت هذه الشعوب تعاني بسبب نظرة الغرب التدميرية وضمور الحس التنويري في مجتمع لديه كل مقومات النهضة لكنه يصدرها للآخر، فما زلنا لم نتحرر بشكل كاف من سلطة القمع الخارجي والداخلي،هذا سبب فشل السياسات العربية في الوقوف بقدمين واثقتين.الرواية العربية كيف ترى الرواية العربية بشكل عام والمغربية بشكل خاص؟الرواية فن الحكي والبوح، مسرود قديم جدا، كانت دوما مرآة العصر، سرت خطوات صوب الحداثة اللغوية وعكست الراهن الاجتماعي والسياسي المتقلب، والأكيد أن تفاعل وارتباط الرواية المغربية بالعربية كان قويا مع اختلاف بسيط، فالرواية المغربية عرفت تطورا ملحوظا وفي الوقت نفسه عانت من غياب "حكاويين" كبار ورحيلهم، والامتداد الموجود الآن لا يرقى إلى الماضي المجيد للراوي، وهناك أقلام جادة ورصينة لكنها تعانى من التهميش النقدي والإعلامي لأسباب غامضة.ماذا عن حال الثقافة المغربية في الفترات الأخيرة؟لا توجد لدينا ثقافة، بل مجهودات فردية لكتاب ومفكرين، لا أؤمن بدور المثقف الآن، لأنه بالكاد يضمن قوت يومه، السياسي الآن قتل المثقف عكس الماضي حيث كانت السياسة جزءا من الثقافة وسندها القوي، وفي المغرب هناك لصوص المنابر الإعلامية والصالونات المخملية الفارغة، ويوجد تشجيع لثقافة الاستهلاك باستثناء بعض المبادرات الشخصية، فالمثقف كأنه حرباء يتلون حسب من يغدق عليه ويجزل له العطاء، للأسف فقد الناس ثقتهم في الثقافة المغربية.هل أسلوبك فى السرد الروائي والقصصي يختلف عن النمط الروائي العام؟تتربص الرواية ببعض المسببات تاركة القارئ ليستنتج أبعادا أخرى، فعندما كنت اكتب "عشق الأميرات" حاولت تجنب البعد الواعظي وأن أظهر الحالة دون إصدار إحكام.ظاهرة الارهابما أسباب زرع أفكار الإرهاب في عقول الشباب؟الإرهاب ظاهرة عالمية وليست حكرا على جنس بشري دون آخر أو دين عن دين آخر، إنها رؤية تصفي حق الآخر في الحياة بسبب الكره وسوء الفهم، حاولت رصد هذه القضايا في قالب واحد حكواتى مشوق بعيدا عن إدانة أي طرف.هل لعبت بطلة الرواية الدور المثالي في التصدي لظاهرة السحر والشعوذة؟لعبت البطلة دورها الملحمي في تشخيص إشكالية العرق القبلي، وبالفعل استطاعت التصدي للظاهرة.لماذا وصفت رواية "درب المعاكيز" بالسيرة الروائية؟الرواية صدرت عام 2015 اخترت لها هذا التجنيس لانني خرقت تعريف السيرة وفق ما جاء به فيليب لوجون على أنها حكي واقعي لأحداث واقعية، ويختار الأديب لغة احتيالية ليتملص من الحقيقة لأن مجتمعاتنا العربية تعجز عن مواجهة الحقيقة.لماذا لجأت إلى الخيال في سرد أحداثها؟لجأت إليه في بعض الفصول، تجديدا في بناء السيرة الذاتية فمن حق الكاتب أن يكتب بالطريقة التي يريد، ثم لأحافظ على سرية حياة شخوص عايشتهم سوف تسبب لهم جراحات اجتماعية ونفسية، أنا كاتب ولست بفاضح، لكن توجد أحداث حقيقية في الرواية لاسيما الشق الذي يتحدث عن درب المعاكيز والقرية.طفولتي وشبابيلماذا تعتبرها أحب الروايات إلى قلبك؟لأنها تعكس طفولتي وشبابي، كتبتها بروح الحياة والحب، خلدت فيها جيلا لا يتكرر، تعلم بأظافر على صخر التجربة، جيل لعب ببراءة وحلم ونضج قبل الأوان، كتبتها في نحو سبع سنوات لظروف اجتماعية ونفسية عانيت منها توقفت عن الكتابة بسببها، ثم إنني لم يكن في مقدوري الإنفاق على مصاريفي.لماذا اخترت هذا العنوان؟إنه يعبر عن حي شعبي بالدار البيضاء، وهو بذلك يعد وثيقة مهمة للأجيال المقبلة للتعرف على بنية اجتماعية أصلية بمدينة ضخمة كالدار البيضاء، لان الدرب يشكل لنا تركيبة نفسية أكثر مما هو نمط عيش،لا أحد يمكن أن يتخلص من امتداد درب الطفولة بداخله، أعتقد أنني وفقت وتفوقت في اختياره لان كل النسخ نفدت من الأسواق.ما ذكرياتك الخاصة الطفولية والشبابية في الدرب؟لدي ذكريات كثيرة منذ تحصيلنا الدراسي بمراحله الأولى إلى الجامعة، رصدت كل أنواع اللعب والمغامرات بالحي وقرية ابو معاشو، فالسيرة حكي طفولي عن الطفولة وتتويج لخيال جامح شكل شخصياتنا، في كل فصل ذكرى بين مدينة تتنفس الحداثة وقتها وقرية تنعم بالجمال والبساطة، من يقرأ الرواية سوف يستذكر حياته هو وأن اختلفت عن حياتي.ما مدى تأثير العادات والتقاليد على الأجيال الحالية؟في الرواية فصل يحكي عن عادات قبلية ضاربة في التاريخ البدوي،منها " موسم الركب"، وهو عبارة عن رحلة أخوية من مكان إلى آخر للتواصل وصلة الرحم، شكل لي هذا الموسم ذاكرة حية إذ كنت أحضره، بل سبق لي أن شاركت في الرحلة في الثمانينات من القرن الماضي.ما مدى تأثير الحداثة على حياة القرية؟القرية روح الإنسان وبداياته الأولى ومن يتنكر لها يتنكر لأبيه وأمه، حقيقة حدث شرخ في التفكير الفطري البدوي بسبب التمدن والهجرة الداخلية لكنني ما زلت،وأنا في الخمسينات من عمري، احتفظ بالطفل البدوي داخلي.