السبت 12 أكتوبر 2024
28°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

سعيد الكفراوي: "حكايات من دفتر الأحوال"... شهادتي للوطن

Time
السبت 20 أكتوبر 2018
View
5
السياسة
القاهرة - نورة حافظ:

يعتبر نفسه عاشقا في محراب الأدب، يطلقون عليه شيخ القصة القصيرة، يفتخر دوما بأنه ابن كفر حجازي بالمحلة الكبرى في مصر،من مواليد ثلاثينيات القرن الماضي،له اثنتا عشرة مجموعة قصصية،نال جائزة السلطان قابوس عن القصة القصيرة وجائزة الدولة التقديرية في الآداب من مصر.
عن أحدث مجموعة قصصية له وعالمه الخاص وكيف يرى الساحة الثقافية وجديده، التقت "السياسة" الأديب في هذا الحوار.

ما القضية التي تدور حولها المجموعة القصصية "حكايات من دفتر الأحوال"؟
هي الجزء الثاني من مجموعة "حكايات عن ناس طيبين" التي صدرت قبل سنوات،الكتابان قماشة واحدة، عن بشر عشت بينهم،شاركونا الحياة الطيبة، الأفراح و الأتراح،الكفاح والأمل،رحلوا بالموت،منهم كتاب وكاتبات تعلمت على أيديهم، كذلك سردت لأحداث سياسية، أيضا حكايات من التاريخ ومواقف لا تنسى،كتبت عن ناس،أماكن،أشياء قابلتها يوما ومضت، ثبتها على الورق، شهادة للوطن الغالي،الذى قال فيه حسين فوزي مخاطبا الغزاة على مدار التاريخ: أنتم أهل الحرب ونحن أهل الحضارة.
ما أهم الشخصيات التي جاء ذكرها في المجموعة؟
شخصيات كثيرة منها، محمد عفيفي مطر،كان حاضرا في الجزء الأول،كذلك إبراهيم أصلان، إدوارد الخراط، عبد الغفار مكاوي، نجيب محفوظ،من الشخصيات التاريخية قطز،شجرة الدر، كذلك شخصيات أجنبية، منها، فوكنر، تشيكوف، غونتر غراس،شتاينبك، ودي آلان، من العوام مطاوع عبد الصبور،السيدة صيصة صاحبة القصة الشهيرة مع عبد الناصر، كلها حكايات عن روح الوطن.
ما أشهر حدث رويته؟
مر الخليفة المأمون بن هارون الرشيد، أثناء زيارته لمصر على قرية يسكنها القبط، فخرجت له سيدة قبطية وقبضت على لجام جواده وصاحت به: هل تريد أن يسخر مني أهل القرية؟ لابد من استضافتك. تحت الإلحاح قبل المأمون فأكرمته ومن معه. عندما فرغوا وأراد الرحيل قالت له: انتظر،ثم جاءت بصواني عليها سرر من الذهب، فدهش المأمون وقال: من أين جئت بها؟ فانحنت وأخذت كمشة من الطمي وقالت:يا مولاي هذا، وأشارت إلى الذهب، من هذا، وأشارت إلى الطمي.
ماذا عن مجموعة "ستر العورة"؟
من ضمن همومي واهتمامي ككاتب،تأمل العلاقة بين الحيوان والإنسان في القرية المصرية. رويت عن علاقة بين جواد وصبي يرمح به على الجسر،كأنه الحلم يتجسد أمام أبناء القرية،يمرض الجواد ويطلق عليه الرصاص ليموت بأمر وفد الصحة،يرى الصبي هذه اللحظة المؤلمة، أسميت القصة "الجواد للصبي الجواد للموت" لم تكن مجرد علاقة بين بني آدم وحيوان.
ما مدلولها؟
حضرت مع وفد كبير لمعهد العالم العربي،تحدثت الأديبة سلوى بكر إلى الفرنسيين عن "البنيوية" فناموا، عندما تحدثت قلت: أنا فلاح مصري من قرية قديمة، لي جدة لها علاقة بالجاموسة لدرجة أن الأخيرة لا تجلب اللبن إلا على يد جدتي،سافرت الجدة في يوم فامتنعت البهيمة عن إدرار اللبن وهذا يميتها، فاستسلمنا وأحضرنا الجزار في اليوم الثالث،فإذا بجدتي تحضر وتسمع البهيمة صوتها فتدر اللبن، قلت ساعتها: الكتابة عندي تعني انطلاقها من مصدر الصوت حتى انفجار اللبن، صفق الحاضرون ثلاث دقائق وانبهروا بما سردت.
ماذا عن "زبيدة والوحش"؟
ما سردته عن علاقة الإنسان بالحيوان ذهب بي إلى المجموعة القصصية "زبيدة و الوحش"،تضم ست قصص في 600 صفحة، كانت قصة زبيدة التي اتسمت بها المجموعة من جزأين، جزء واقعي عن فلاح يؤجر ثور يمتلكه للعشار ويعيش من هذا المال، نرى علاقة خفية بين أخته زبيدة الشابة الجميلة وذلك الثور، إذ ترى الثور مصدرا للمال،بالتالي تتعامل معه باعتباره "فاتح البيت" ويطعم العيال، فكانت تسير به على الجسر، فسر أخوها ذلك أن ثمة إشارة جنسية في الأمر، استيقظت زبيدة يوما فوجدت الثور ميتا.
ماذا عن الجزء الثاني؟
نص شعري عن الثور في العبادات المصرية القديمة،كان له تماثيل،هكذا النصان الواقعي والشعري وضعا متقابلين، هي أحد النصوص التجريبية المكتوبة عن القرية المصرية وإفصاح عن المكتوب الغرائبي، استرجاع للتاريخ القديم في الذاكرة المصرية،الجديد أنها طعمت بالرسوم المعبرة عن السرد،رسمها ابني عمرو، فجمعت بين لونين من الإبداع، فن الكتابة والفن التشكيلي.
لماذا تقول "أنا أعيش في الماضي"؟
أنا ابن قرية قديمة، لم تعد موجودة مع المتغيرات الجديدة،أصبحت أتوه حال ذهابي إليها، غاب من أعرفهم بالموت، تغير الناس، حتى الأماكن التي كونت الوعي ملأتها المباني، اختفت الذكريات والحكاوي، ينطبق علي الآن قصة "النسيان" التي سمعناها من الراوي عن رجل نزل يوما قرية باحثا عن رفقة والده المتوفى فوجده ناسيا كل شيء حتى أباه، هذه المنطقة من الكتابة تسمى "المنطقة الغامضة من الواقع المصري" لا نجدها ولا تتحقق إلا عبر الزمن الماضي. رحم الله من قال: أصدق الأزمنة هو الماضي، لأن الحاضر والمستقبل يذهبان إليه، فالماضي أبو الخيال، مادة الكتابة بمعارفها ومنطقة الحنين، تذكر الأحداث والشخوص، لذا شغفت بالماضي، مع وجود الحاضر والمستقبل، فالماضي هو الأساس، قال عنه أحد أبطال القصص:غايتي أن أستحوذ على زمن يضيع.

التجربة الصحافية
كيف كانت تجربتك الصحافية؟
لم تضف لي، بل عطلتني عن الإبداع، أدرت مجلة "العربي الصغير " الكويتية تحت إلحاح محمد المنسي قنديل،لكني أصبت بالملل،لم أستطع الاستمرار،كذلك تركت بنك التسليف الذي عملت به في الستينات،لأنني أكره أن أكون أجيرا. حتى الكتابة المنتظمة لم تستهوني، كنت أكتب عمودا في جريدة "القاهرة" منذ سنتين،لكنني لم أستمر. أنا مقل جدا في كتاباتي، كان بوسعي أن أملأ بها الدنيا، لولا أنني موسوس،أعمد إلى الدقة،أخاف من التكرار، فالكاتب ليس بعدد ما كتب،لكن بما عاش منها،رب كاتب لعمل واحد ولكنه عاش.
كيف ترى إبداعات جيل الشباب والوسط؟
تتغير الكتابة ويتغير الهم العام، تتغير الذائقة وحتى التخييل متأثرين بالمتغيرات من حولنا،ما يحدث حولنا ينطق الحجر. الأجيال الحالية لديها وسائط لا أول لها ولا آخر، بينما تربينا على القراءة، هم تربوا على الصورة،كما تغيرت مفاهيم عدة وتنوعت الأيديولوجيات، لكن تظل مصر بلدا ذا أسرار، تنتج الإبداع في كل وقت،تتبع مصائره،تظل بلد الحكائين.
من يعجبك كتاباتهم؟
واقعنا عامر بهؤلاء الشباب المبدعين، طارق إمام، محمد الغزالي،هشام أصلان، هناء عطية،منصورة عز الدين وغيرهم كثير،شعراء لا حصر لهم، منهم، محمد صالح.
ما واقع القصة القصيرة الآن؟
تغيرت كما تغير شكل الكتابة،أصبحت تسمى القصة القصيرة جدا، لا أحب المحتوى الذى يحمل جرأة على المحرم والقيم القديمة.
ماذا ينقص واقعنا الثقافي؟
لدينا مبدعون في كل أطياف الفنون، نحتاج الاعتناء بهم،نريد مشروعا للاستفادة منهم. غاب دور المجلس الأعلى للثقافة جزئيا وأنشغل بالمهرجانات والاحتفالات،هي مهمة أيضا،لكن أين حرث الأرض أمام المبدعين واحتوائهم كما كان يفعل طه حسين،وكما فعل معنا نجيب محفوظ.
هل ترى ضرورة تقييد المسابقات الإبداعية؟
يستفيد الكتاب من الجوائز ذات الهدف الثقافي الجاد فتحقق لهم الرواج والقيمة المادية. الجوائز المشروطة مكلفة وضارة بالعملية الأدبية، لذا فأي جائزة لابد أن تتمتع بحرية مطلقة والابتعاد عن تسييسها،يجب أن تسود القيمة والعدالة،أما شرط السن فقد رأينا حلا لهذا الأمر في "جائزة ساويرس " فجعل جائزة للشباب وأخرى للكبار.
هل تعتبر التشكيك في أبطال وبطولات راسخة في ثقافتنا حرية إبداع؟
هناك فرق بين الجدال الذي يبنى على الاختلاف الصحي، وأصحاب الشطحات الذين يشككون في الأحداث والشخصيات،أنا مع مناقشتهم بالحجة العلمية وتصدى الباحثين لهم، لست مع سبهم وإهانتهم،لكن الرأي يقاوم بالرأي والرأي الآخر مكفول للجميع.
الإبداع...هل تصنعه البيئة والنشأة؟
أعتقد أن ثمة فكرة تولد مع الإنسان، ما يسمى موهبة،ثم تأتي التجارب والممارسة لتحدد أي نوع من الفنون يستقر في الوجدان. بالنسبة لي كان مشهد القرية و أنا طفل يطرح الكثير من الأسئلة حيث كان يستهويني مشهد الوجود وتنوع الحياة،كلها دعوة للتأمل ومتابعة تغيرات الدنيا التي تطرأ على مكان الميلاد، في البداية كان الكتاب لحفظ القرآن، تعرفت على أول حروف الهجاء، ثم كانت المدرسة الابتدائية وقتها أعطاني قريب لي مختصرا لحكايات "ألف ليلة و ليلة" بعد قراءته تفجر بداخلي شيء كان يمثل البداية الأولى للتعرف على الإبداع، شيء خاص بي، بدأت أتأمل الفصول،المواسم، أتلمس الأساطير والعلاقات بين البشر والمحاصيل،الحيوان وعلاقته بالإنسان، ثم كانت الجدة التي تعلمت منها حكى الحكايات وقول الأمثال والحكم، نبهتني إلى ثراء هذا العالم.
هل تتذكر أول كتاباتك؟
في طفولتي كانت المحافظة تقيم مسابقات للقصة القصيرة للمدارس، كنت أكتب وأحصد الجوائز،كما كان بالقرية حلقة الغلمان وسرد الروايات في الأجران حول المحصول الزراعي،كذلك في الأفراح أو الموالد.

القرية والمدينة
ماذا تمثل القرية لك؟
استدعاء مستمر لهذا الماضي،انحياز إلى عالم ظل يلازمني حتى الآن، يرتفع بالعمر،ترتفع الرؤية بالثقافة، ما زالت القرية همي ودافعي في كتابة أشياء تظل طويلا على الورق.
كيف كانت المدينة وقتها؟
نحن جيل الستينات الذي ينتمي بفكره إلى ثورة عالمية حدثت في فرنسا،كنا نمتلك حلم تغيير العالم عبر الكتابة، نحن أبناء مدارس وتعليم زماننا،لكننا تبنينا مشروعا كتابيا مختلفا عن المشروع الكتابي لفترة الخمسينات والأربعينات، مع الاستفادة منه، فلا أحد يأتي من فراغ، نحن الجيل الذي عاصر حزن الهزيمة،تتلمذنا على نجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهما، نحن أبناء الثقافة المصرية والعربية،لكن كنا نطل على الثقافات الأجنبية، الأدب الروسي لتولستوي، ديستوفيسكي، تشيكوف، كذلك الأدب الأميركي لأرنست هيمنغواي، أيضا الأدب الفرنسي والإنكليزي، رغم ان أغلبنا لا يجيد إلا لغة واحدة،لكن كانت تصلنا ترجمات بيروت، كل ذلك أثرى وجداننا ورؤيتنا.
بم تصف جيلكم؟
جيل الحزن، لكننا جيل مثل الوثبة المضادة في الأدب، كتب صنع الله إبراهيم "تلك الرائحة" كتب محمد عفيفي مطر ديوان "النهر يلبس الأقنعة" وغير ذلك كثير، من هنا كانت كتاباتي عبر محاور الحياة والموت،القرية والمدينة، الطفولة والكهولة، العشق والدم، من يملكون ومن لا يملكون، كانت مجموعاتي القصصية "مدينة الموت الجميل"، "ستر العورة"، "سدرة المنتهى "، "دوائر من حنين"، "مجرى العيون "، وغيرها.
ماذا عن ترجمة أعمالك؟
ترجمت مجموعات كاملة إلى الإنكليزية،الفرنسية،الألمانية، الكثير من القصص إلى التركية والسويدية.
ما جديدك؟
أعكف على عمل منذ ست سنوات، ليس قصة ولا رواية،هو عشرون نصا عن صبي، يحكي كل نص عن أول كل تجربة في حياته، أول تجربة مع النساء، عن قصته مع الأميرة فوزية أخت الملك فاروق حينما زارت قريته وشاهد موكبها،أثناء سباحته في الترعة، فهتف بحياة بلده والملك، فقابلته الأميرة وأعطته قلادة، لكن أزمتي مع الوسوسة وإعادة الكتابة التي تكررت ثلاث وأربع مرات حتى الآن، فهما يعيقان إنجاز هذا العمل الذي أتوق لإنجازه.
آخر الأخبار