محمد الفوزانصادف يوم السبت الماضي ذكرى سقوط غرناطة في 2 يناير 1492، وبتسليم الملك أبوعبد الله محمد الصغير إياها إلى الملك فرديناند الخامس بعد حصار خانق دام تسعة أشهر، وفي الحقيقة أن أباعبدالله كان قد قدم الولاء والطاعة لالفونسو اعتقاداً منه أنه يوفّر لسلطانه الحماية، لكن استخدمه الفونسو أداةً لحرق الممالك الإسلامية في الأندلس، فهل شفع له ذلك؟بالذل والاستصغار خرج أبوعبد الله محمد بن الأحمر الصغير، آخر ملوك المسلمين في غرناطة، وسار بعيدًا في اتجاه بلدة أندرش، حتى وصل إلى ربوة عالية تُطل على قصر الحمراء يتطلع منها إلى ذاك المجد الذي ولَّى، وبحزن وأسى بكى، فقالت له أمه عائشة الحرة :" فلتبك كالنساء مُلْكًا لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال".إلى هذه اللحظة ما زال هذا التل موجودًا، والناس يذهبون إليه، ويُعرف بـ"تل زفرة العربي الأخيرة". "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ"(يوسف:111).بدأت الخطوة عند اتحاد إيزابيللا الأولى ملكة قشتالة، وفرديناند الثاني ملك أراغون، وزواجهما وتوحيد مدنهما بحكم واحد، فقد فهما ان في الاتحاد قوة، أما المسلمون في حينها فقد استحوذت عليهم الفرقة، وتعزيز السلطة المطلقة كل في مدينته، ولا يهتم بتقديم العون لأي مدينة أخرى مسلمة مجاورة.الاسوأ أن أباعبدالله الصغير لجأ الى التحالف مع الأفرنج للتآمر ضد المدن الإسلامية، فيما المملكة المسيحية كانت تلتهم المدن الإسلامية دون رحمة، وكان الصغير مساهماً فعاّلا في مساعدة الفرنجة على ذلك.بدأت المملكتان بالتعبئة ضد المسلمين ومستخدمة "الإسلاموفوبيا"، وساهم أبوعبدالله بالتعبئة مع حلفائه الفرنج، وتمت الاستعانة باسقف الكنائس لطلب المال (مال صكوك الغفران)، وتجنيد الجيش، وفُرض الحصار على طليطلةَ في العام 1084، ولم يكن أحد يساعد المسلمين إلا المتوكل ابن الأفطس الذي أرسل جيشا كبيرا لنجدتها، لكنه تعرض لهزيمة، واستمر الحصار تسعة اشهر، إلى أن استبد الجوع بالناس، ولم تفلح محاولات المسلمين في الوصول لتسوية.لم يرض الفونسو سوى بتسلم المدينة كاملة، وتم ذلك في العام 1085، وتوجه إلى المسجد الكبير الذي حوله كاتدرائية وصلى فيه قداس الشكر، وصارت عاصمة لمملكة قشتالة، وتم منح المسلمين الحرية كاملة بمغادرة المدينة أو البقاء فيها وحرية التصرف في أملاكهم.أما ابوعبدالله الاول عندما بنى قصر الحمراء في غرناطة ساعد الفرنجة على الاستيلاء على إشبيلية، مقابل الاحتفاظ بسلطته وفي استقلال وحكم غرناطة، بل إن بعض الشعب ساندوه على ذلك متأثرين بثقافة القوي ونكاية بالمشروع الإسلامي.لقد توقع الاسقف وملوك المسيحية أنهم سيدخلون غرناطة بحرب، وكانوا لا يمكلون المال، لذلك كانوا يترجُون الكنيسة إعطاءهم اياه، ولم يعلموا حينها أن أباعبدالله الصغير، سيقدم لهم غرناطة على طبق من ذهب.سلم الصغير المملكة بعد صلح عقده مع فيرناندو يقتضي بتسليمها وخروج الصغير من الأندلس، وذلك في الثاني من يناير 1492، لكن سرعان ما تم نقض العهد، وبدأت محاكم التفتيش في التعذيب والقتل والنفي، وبدأت هنا معاناة أهل الأندلس من المسلمين واليهود، فقد كانت تلك المحاكم تجبرهم على التنصير أو الموت، وقد تمسك أهل الأندلس بالإسلام، ووفق الرواية القشتالية الرسمية، لم يُبد الأندلسيون رغبة في الاندماج بالمجتمع النصراني، وبقوا في معزل عنه، يؤدون شعائرهم، وحتى لا يصطدموا بمحاكم التفتيش لجأوا إلى ممارسة التَّقيَّة، فأظهروا النصرانية وأخفوا الإسلام، فكانوا يتوضأون، ويصلون ويصومون خفيةً عن أعين الوشاة، لكن لم تنته مشكلتهم، بل كانوا يجبرون على الأكل في شهر رمضان أمام العامة، ويجبرون على شرب الخمر وأكل الخنزير، وغيرها من ممنوعات الدين الإسلامي، ليتم التصديق بأنه لا يخفي إسلامه أوصيامه، بل وصل الأمر إلى إخفاء قصاصات القرآن، وكان اذا تبين للسلطات أن شخصا ما مسلما في السر، فقد كان يعذب ويقتل بأبشع الطرق، ويحرق حيا في النهاية.يمكننا تلخيص عوامل سقوط غرناطة كالتالي:1- الانحراف عن شرع الله تعالى ومنهجه الإسلامي الصحيح.2- تقديم فروض الطاعة للعدو القوي، مقابل حمايته واحتفاظه بالسلطة، والتحالف معه ضد المسلمين.3- تقاعس كثير من العلماء عن دورهم الدعوي والإصلاحي، وآثروا السلامة على تقديم النصح والمشورة.ما يجب أن يشغلنا حاليا هو أن نقف مع تاريخ الأندلس وغيرها من البلاد وقفة نفهم منها الأحداث، وما هو دور المسؤولين والشعوب والأفراد مما يدور حولنا، حتى لا تصبح مدننا أندلساً أخرى.
[email protected]