الأحد 21 سبتمبر 2025
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

سلطنة "عفت" تزعمت حركة الجهاد الإسلامي في الحبشة

Time
الأربعاء 22 مايو 2019
السياسة
إعداد - محمود خليل:


لا يعلم كثيرون أن أفريقيا جنوب الصحراء التي لم تصل إليها جيوش الفتح الإسلامي قامت بها دول وممالك إسلامية كان لها دور بارز في نهضة الإسلام والدفاع عنه في مواجهة الهجمات التي كانت تسعى للنيل منه، في هذه الحلقات نستعرض عددا من تاريخ أهم الدول والممالك الإسلامية في أفريقيا جنوب الصحراء، مواقفها من دول الاحتلال الأوروبية دفاعا عن الأرض والدين.

تعد سلطنة "عِفَت" أو "عِفَة" أو "أوفات"، تسمى أيضاً "جَبرت"، أو "جَبَرة"، إحدى إمارات الطراز الإسلامي السبع التي قامت في شرق أفريقيا، أسماها المقريزي بممالك "زيلَع"، حملت السلطنة العديد من الأسماء في مراحلها التاريخية، منها، "عفت، عدل، إيالة الحبشة، أرض الصومال الفرنسي، العفر والعيسى، جمهورية جيبوتي حاليا".
أسس المملكة، التي كانت تتبع ملك الحبشة سياسيا، قبيلة من بني هاشم القرشية من ولد عقيل بن أبي طالب الذين قدموا من الحجاز الذين استوطنوا المنطقة، ظهر من بينهم شخص يسمى عمر، لقب بـ "وَلَشْمَع"، لقبه المسلمون بـ "الحَطِّي"، تولى الحكم واعترف بسلطان نجاشي الحبشة، الذي وافق على أن يكون الحكم لأبنائه من بعده.
تحكمت بسبب موقعها في الطريق الذي يصل البحر الأحمر وخليج عدن بالحبشة، كانت تعيش على الزراعة، لخصوبة تربتها، وفرة مياهها المطرية، من منتجاتها قصب السكر، الحبوب، ثمار الفواكه، الخضراوات، كما انتعشت بها تربية المواشي، بنيت مساكنها بالطين، والخشب، والحجر، كانت تجارتها نشطة، لسيطرتها على الطريق بين زيلع والداخل، صدرت الجلود، العاج، الصمغ، الذهب، البهار، كانت لها صلات تجارية مع مصر، تعاملت بالنقد المصري المملوكي.
أخذت منذ تأسيسها العمل على التحرر من التبعية الحبشية، والعمل على نشر الدين الإسلامي، والتوسع في المناطق المجاورة على حساب الحبشة، تزعمت حركة الجهاد الإسلامي في منطقة الحبشة، كان جيشها يتألف من خمسة عشر ألف فارس وعشرين ألف رجل، حظي سلطانها باحترام سلاطين الإمارات الإسلامية الأخرى، فانقادوا له.
في الوقت نفسه عملت الحبشة، على توسيع ملكها على حساب الإمارات الإسلامية التى تطوقها من الجنوب والشرق، إذ كانت تفوق مساحتها أرض مملكة الحبشة نفسها، وتسيطر على الموانئ، وتعزلها عن البحر، وتتحكم في التجارة، وتدين بدين غير دينها، لذا ناصبتها العداء طويلا.
ولم يهدأ الصراع بينهم، كانت أبرز مراحله الحرب التي نشبت بين نجاشي الحبشة عمدة صهيون الأول وسلطان عفت حق الدين الأول، وأخويه من بعده صبر الدين وجلال الدين.
تحالفت الإمارات الإسلامية مع عفت، وبلغ عدد الجيوش الإسلامية 12 ألف جندي، لكن هجوم النجاشي الكاسح جعل النصر من نصيبه، فنهب المدن الإسلامية، أحرق المساجد،وأعلن سلطان عفت حق الدين الثاني استقلاله عن الحبشة، فتحالفت معه الإمارات الإسلامية، ضد النجاشي سيف أرعد، وهزموا جيوشه، إلا أن حق الدين استشهد، فخلفه أخوه سعد الدين أبو البركات، الذي تمكَن مع حلفائه، من هزيمة قوات النجاشي، غير أن النجاشي حاصر مدينة زيلع وتمكن من الاستيلاء عليها وتدميرها، أستشهد سعد الدين، فلجأ أولاده إلى ملك اليمن.
ظلت الحبشة تعيث فساداً وتخريباً في مملكة عفت عشرين سنة، حتى عاد أولاد سعد الدين ثانية بدعم من ملك اليمن، وانضم إليهم من بقي من المسلمين في المنطقة، أتخذ من "دكر" أو "دكار" عاصمة له، لبعدها عن تهديد الحبشة.
اخذت مدينة عفت اسم "بر سعد الدين" تكريماً لجهاده، كما سمَى ملوك دكار "ملوك عَدَل"، الذين لم يهدأوا فى جهادهم ضد الأحباش بزعامة إمام عَدَل، أحمد غران أو أحمد المجاهد.
حينما بدأت الحرب تميل لصالح المسلمين استعان الأحباش بالبرتغاليين الذين أمدوا الحبشة بالجنود والمدفعية، بينما قدم العثمانيون العون لأحمد غران من اليمن، لكن البرتغاليين والأحباش تمكنوا من التغلب عليه فسقط شهيداً في معركة "واينا دجا"، لكن الحرب استمرت في عهد خلفائه من بعده.
استأنف سلاطين "عَدَل" الجهاد مرة أخرى، استطاع "صبر الدين الثانى"، الاستيلاء على عدة بلاد حبشية فيما يعرف بحرب العصابات، بعد وفاته خلفه أخوه "منصور"، الذي حشد عددا كبيرا من مسلمى "الزيلع"، هاجم بهم ملك الحبشة وقتل صهره وكثيرًا من جنده، حاصر منهم ثلاثين ألفًا مدة تزيد عن شهرين.
طلب المحاصرون الأمان فخيرهم بين الدخول في الإسلام أو العودة إلى قومهم سالمين، فأسلم منهم نحو عشرة آلاف وعاد الباقون إلى بلادهم، لم يقتلهم "منصور" ولم يستعبدهم، كما كان يفعل ملوك الحبشة المسيحيين بالجنود المسلمين الذين كانوا يقعون في أسرهم.
أعد إسحاق بن داود ملك الحبشة جيشًا كبيرًا، هاجم به منصور وقواته وهزمها هزيمة كبرى حتى أن السلطان منصور وقع هو وأخيه الأمير محمد في الأسر، لكن راية الجهاد ضد الأحباش لم تسقط، إذ قام جمال الدين شقيق السلطان الأسير برفع راية الجهاد من جديد وانتصر على ملك الحبشة في مواقع كثيرة.
اغتيل جمال الدين من جانب أبناء عمه، رغبة فى السلطة، تولى الحكم بعده أخوه السلطان شهاب الدين أحمد بدلاي، الذي عاقب القتلة، حارب الأحباش، استرد إمارة "بالي" الإسلامية، لكنه استشهد نتيجة لخيانة أحد الأمراء الذي ادعى التحالف معه.
تمكن الأحباش من اجتياح ممالك زيلع "عَدَل، أوفات، فطجار، دوارو، بالى، هدية"، ثم منحت استقلالا ذاتيا، بعدما ولى عليها الأحباش عاملاً أسموه "الجراد"، أصبحت الحبشة إمبراطورية كبيرة امتدت شمالا حتى مصوع وسهول السودان.
يبدو أن الرغبة الصادقة فى الجهاد فترت عند أحفاد سلاطين "عدل"، الأمراء، والتجار، لكن الشعب لم يتخل عن جهاد الأحباش، ليبدأ دور سلطنة "هرر"، في مقاومة المحتل الحبشي، تزعمها طائفة من الأمراء الأئمة.

آخر الأخبار