السبت 20 سبتمبر 2025
36°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

سلطنة "كانم - برنو" استمرت نحو ألف عام

Time
السبت 01 يونيو 2019
السياسة
كتب – محمود خليل:


يحفل التاريخ العربي بالنوادر، التي قلما يوجد مثلها في أمم أخرى، نظرا لما يتمتع به العرب من خفة ظل، حتى أنهم سخروا الشعر في كثير من هذه المواقف فتحولت بها إلى نادرة، "السياسة" طافت
عبر تاريخ العرب قديمه وحديثه وقطفت بعض هذه النوادر لتقدمها للقارئ حتى ترسم على ملامحه البسمات.

لم تقتصر علاقات "كانم" بالدول العربية على الجانب الثقافي فقط، بل زادت الصلات التجارية، فاتسعت تجارة "كانم" في مصر، حتى ان طائفة من أهل "كانم" رحلوا وأقاموا في مصر، اتخذت مدينة "قوص" مركزاً لها، فتحولت إلى سوق تجاري، للمحاصيل السودانية، البهارات اليمنية والهندية، منتجات الوسط الإفريقي والسلع المغربية.
كما تاجروا في القماش الذي ينسجونه في بلادهم، المعروف باسم "دندي"، كذلك الودع، الخرز، النحاس، الورق، فنمت ثروة تجار "كانم" في مصر نمواً كبيراً حتى انهم كانوا يقرضون حكام مصر والبلاد المجاورة، مما دعاهم إلى تكوين ما يشبه النقابة، أقاموا عليها رئيساً معترفاً به من قبل الحكومة المصرية، يشبه دور السفير، كان يشرف على تنظيم القوافل التجارية ورحلات الحج، الاتصال بالسلطان لمعاونة الجالية الكانمية في مصر.
كما كان لكانم علاقات مع الحفصيين في تونس، إذ زارت سفارة كانمية أرسلها الماي "عبدالله بن كادي" إلى السلطان الحفصي "أبي يحيى المتوكل"، حملت معها "زرافة" كهدية لحاكم تونس، سميت بـ "نجم السافانا الإفريقية"، نجحت الرحلة، خاصة بعد إبرام معاهدة سياسية حصلت بموجبها كانم على أسلحة.
كذلك تم تبادل الرسائل والسفارات مع "طرابلس"، في زمن الماي "إدريس ألوما"، مما يدل على نمو العلاقات التجارية بين "برنو" وهذه البلاد.
تعرضت كانم لصراعات داخلية، بسبب ثورات بعض القبائل، خلافات بين الأسرة الحاكمة، مما أضعفها، فاحتلت قبائل "البولالا"، نجيمي عاصمة الدولة، في عهد السلطان عمر بن إدريس، الذي فر والأسرة السيفية الحاكمة إلى غربي البحيرة، لتحمل الدولة بعد هذا اسم "كانم ـ برنو"، أو دولة البرنو الإسلامية، ثم أسست عاصمة جديدة في عهد السلطان "علي حاجي"، عرفت باسم "جسر جمو"، ثم مد نفوذه على بعض إمارات مملكة الهوسا.
استمرت مشاكل أسرة سايفوا الحاكمة، حتى أن خمسة عشر ملكا منهم، أطلق عليهم اسم ماي، أي السلطان، جلسوا على العرش، حتى تمكن الماي، "علي دونا مامي"، من التغلب على منافسيه في الحكم، ثم بنى عاصمة محصنة في "نجازار جامو"، نيجيريا الحالية، غرب بحيرة تشاد، ثم تمكن "ماي علي"، من إخضاع قبائل البولالا واسترجع العاصمة الأولى "نجيمي"، من أيديهم.
نشأت مملكة البرنو في البداية في إقليم "كوار" جنوب فزان، بعد سقوط مملكة "كوش" على يد "اكسوم"، فهاجرت قبائلها إلي إقليم كوار، لتؤسس دولتها الجديدة في هذه المنطقة، ثم انتقلت مرة أخرى جنوبا واستقرت شرقي بحيرة تشاد.
اهتمت المملكة منذ نشاتها بعلاقاتها الخارجية، يقول الشيخ أحمد بابا إن سلاطين الدنيا العظام أربعة، هم، الأعظم سلطان بغداد، "يقصد الخليفة العثماني"، سلطان مصر، سلطان برنو وسلطان مالي.
يقول الشيخ عبدالقادر بن المصطفى: "إن دولة البرنو كانت أعظم الدول الأفريقية قاطبة خلال العصر الوسيط ولهذه المكانة المرموقة حرص سلاطين برنو على توطيد علاقاتهم بالدول الاسلامية الكبري مثل مصر ودول شمال أفريقية والدول العثمانية".
كما أقامت علاقات قوية مع حكام مصر ودول شمال افريقيا، فكانت قوافلها التجارية تجوب الصحراء الأفريقية، بل وصلت حتي الحجاز، الصين، الهند، ظهر تجارها كتجار ودعاة في ذات الوقت.
يروى القَلْقَشَنْدي كيف استغاث سلطان "البرنو"، بسلطان مصر "الظاهر برقوق"، لمساعدته في القضاء على تمرد القبائل العربية التي ساعدت خصومه السياسيين من "البولالا"، مما يدل على مدى عمق العلاقات بين البلدين.
اعتنى أكثر حكام امبراطورية برنو، بالنظم الإسلامية، فكان الإسلام دستور بلادهم، وحكمهم، حياتهم، إذ حكموا بالعدل والانصاف، حاولوا تنفيذ الاقتصاد الإسلامي، فاتجهوا الى جمع الزكاة ووزعوها بالعدل، كما اهتموا بتعليم القرآن الكريم، اتباع آدابه، فطبقوه على أنفسهم أولا، فكانوا يحفظون القرآن الكريم منذ صغرهم، اتخذوا العلماء في قصورهم لتعليمهم، كان الحج مظهرا إسلاميا مهما لسلاطين البرنو حتى أن أكثر من ثلاثين سلطانا من سلاطينها حج البيت الحرام.
وصلت برنو قمة مجدها وتوسعها في عهد الماي إدريس علومة "ألوما"، بعدما ضمَّت عددا كبيرا من القبائل، العربية، البربر، الزنوج، ما أدى إلى ظهور عناصر جديدة، نتيجة اختلاط العرب بالسكان المحليين، منها، قبائل التنجور، البولالا، السالمات.
آخر الأخبار