بيروت ـ"السياسة": لم ينتظر ثوار الانتفاضة انتهاء الحوار التلفزيوني الذي أجري مع رئيس الجمهورية ميشال عون، مساء أول من أمس، حتى عادوا لإشعال انتفاضتهم التي ما زالت على وهجها وثباتها، كأنها في يومها الأول، منذ السابع عشر من الشهر الماضي، والتي تتهيأ لدخول شهرها الثاني بعد أيام قليلة، بعزيمة لا تلين، فقطعوا الطرقات والأوتوسترادات وأحرقوا الإطارات في كل المناطق اللبنانية دون استثناء، رفضاً لما قاله الرئيس عون الذي لم يحدد موعداً للاستشارات النيابية الملزمة، معلناً وبصريح العبارة أنه لن "يمشي" بحكومة تكنوقراط، متمسكاً بـ "التكنوسياسية"، لا بل قال إنه " إذا لم يكن هناك أوادم من الحراك للمشاركة في الحوار، فليهاجروا لأنهم بهذه الحالة لن يصلوا إلى السلطة" . وإذا كانت مواقف الرئيس قد أثارت استياء عارماً في أوساط المنتفضين الذين طالبوا رئيس الجمهورية بالاستقالة، وحتى أنّ هناك من طالبه بمغادرة لبنان، رداً على ما أطلقه من تصريحات استفزت مشاعرهم، وما تركته من أصداء غير إيجابية لدى الرئيس سعد الحريري، قد تدفعه إلى الاعتذار، كما علمت "السياسة"، وهو ما يرجح إبلاغه للمعنيين في الأيام القليلة المقبلة، فإن مقتل الناشط في الحراك الشعبي علاء أبو فخر، أحد المنتسبين لـ "الحزب التقدمي الاشتراكي"، عند مثلث خلده، على يد عنصر من مخابرات الجيش اللبناني، قد رفع من وتيرة الاحتقان والغليان الشعبي إلى درجة كبيرة، دفعت النائب السابق وليد جنبلاط ونجله النائب تيمور إلى التوجه ليلاً إلى مدينة الشويفات لتهدئة الأهالي الغاضبين، والذين حملوا الرئيس عون المسؤولية، وطالبوا قيادة الجيش بإجراء تحقيق عادل وشفاف، للاقتصاص من الجاني . وأكدت مصادر "بيت الوسط"، أن "موقف الرئيس الحريري معروف وجرى ابلاغه لكافة الشركاء وهو يقضي بتشكيل حكومة اختصاصيين تتصدى لمعالجة الملف الاقتصادي والمالي وفقاً لاجندة زمنية لا تتجاوز الستة اشهر، لكن هذا الاقتراح اصطدم بمعارضة جهات سياسية اخرى بينها قصر بعبدا والتيار الوطني الحر".أما بالنسبة لترويج فكرة الاعتذار، فتؤكد مصادر بيت الوسط ان الاعتذار يرتبط بالتكليف ولم يتم تكليف الرئيس الحريري حتى يعتذر ، انما هو يرفض ان يكون على رأس حكومة تستنسخ الحكومة المستقيلة مع بعض التجميل.وفيما ينتظر أنّ يتحول مأتم الشهيد أبو فخر، اليوم، إلى عرس وطني سيشارك فيه الثوار من كل المناطق اللبنانية، زحف المنتفضون، أمس، إلى مداخل القصر الجمهوري، موجهين انتقادات عنيفة للرئيس عون، لأن البلد لم يعد يحتمل كل هذا الاستنزاف الذي يأخذه إلى الانهيار على مختلف المستويات .ونقل احد الضباط للمحتجين على طريق القصر الجمهوري، اقتراحاً باختيار عشرة منهم للقاء رئيس الجمهورية . وقد رفض بعض المحتجين هذا الأمر بينما وافق عليه البعض الاخر.وتم قطع السير على اوتوستراد الصياد باتجاه الحازمية.وعمد المحتجون على طريق القصر بالضرب على أعمدة الإنارة والفواصل الحديدية لاصدار الأصوات ليسمعهم رئيس الجمهورية .واستمر المتظاهرون بقطع الطرقات لليوم الـ28 على التوالي، حيث بلغ الأمر ذروته، بالتزامن مع كلمة الرئيس عون. ووقع اشكال في جل الديب وحصل تضارب بالحجارة بين المتظاهرين وعدد من المواطنين على خلفية فتح الطريق الداخلي في المنطقة.وقد أُفيد عن سقوط 3 جرحى خلال الاشكال.وتدخلت القوى الامنية وعملت على فضّ الإشكال ولكن الشبان المعترضين لم يعودوا أدراجهم ولا حتى الذين يقطعون الطريق من المتظاهرين. وذكرا الـ"ام تي في" عن كرّ وفرّ في جل الديب وهلع بسبب مجموعات من التيار الوطني الحر تسعى لفتح الطريق بالقوة.وتزايدت أعداد القوى الأمنية وقُرعت واجراس الكنائس في إشارة إلى الخطر القائم في المنطقة، وخصوصا بعد سماع إطلاق نار وتكسير سيارات.وكشفت مصادر عن اسم مطلق النار على الثوار في جل الديب، وهو: إدوار ميلاد غنطوس، من بلدة بيت الشعار وسكان ضبية، وينتمي الى التيار الوطني الحر، في حين ذكرت مصادر أخرى أنه ينتمي للحزب القومي الاجتماعي.وسقط 3 جرحى إثر هذا الإشكال، ونقل الصليب الأحمر أحد الجرحى إلى المستشفى. وتعليقاً على مقتل أبو فخر، أعلنت قيادة الجيش– مديرية التوجيه في بيان، انه "أثناء مرور آلية عسكرية تابعة للجيش في محلة خلدة، صادفت مجموعة من المتظاهرين تقوم بقطع الطريق فحصل تلاسن وتدافع مع العسكريين ما اضطر أحد العناصر إلى إطلاق النار لتفريقهم ما أدى إلى إصابة أحد الأشخاص".وقد باشرت قيادة الجيش تحقيقاً بالموضوع بإشارة القضاء المختص. وكان الرئيس الحريري تابع طوال الليل وحتى الساعات الاولى من الفجر، مجريات الاحداث والتحركات الشعبية في العاصمة والضواحي وسائر المناطق اللبنانية، بحسب بيان صدر عن مكتبه الإعلامي.وأشار المكتب الى أن الحريري "اجرى لهذه الغاية اتصالين مع قائد الجيش العماد جوزيف عون وقائد قوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان"، مشدداً على وجوب اتخاذ كافة الاجراءات التي تحمي المواطنين وتؤمن مقتضيات السلامة للمتظاهرين". وأعلن البيان أن رئيس الحكومة أجرى اتصالاً برئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط معزياً بالشاب علاء ابو فخر عضو المجلس البلدي في الشويفات الذي قضى في الحادث المأساوي خلال التحرك الشعبي في منطقة خلدة . ونوه الرئيس الحريري بالموقف الوطني المسؤول الذي عبر عنه جنبلاط ودعوته الى التهدئة وتجنب الانزلاق نحو الفوضى واعتبار الدولة الملاذ الذي لا غنى عنه. وناشد الرئيس الحريري كافة المواطنين في كل المناطق المحافظة على حراكهم السلمي وقطع الطريق على المصطادين في الماء العكر، منبهاً الى مسؤولية الجميع، سلطة وقيادات ومؤسسات عسكرية وامنية وتحركات شعبية، في حماية البلاد والتضامن في مواجهة التحديات.واعتبر جنبلاط، عبر "تويتر"، أنّ "أفضل تكريم لشهيد الثورة اللبنانية وشهيد الحزب الاشتراكي علاء ابو فخر هو في مواصلة الثورة السلمية بعيدًا من أيّ توتر أو هيجان او فئوية حزبية ضيقة".وتابع:"لقد حطم الحراك كل الحواجز ووحد اللبنانيين وكان علاء في الطليعة، وفي يوم وداعه غطوا الساحات والطرقات بالعلم اللبناني دون سواه". وقال :"اتصلت بقائد الجيش ورئيس الاركان وسيتم اجراء تحقيق في الحادث".وشدد جنبلاط بعد تقديم واجب العزاء لعائلة ابو فخر على "ضرورة الهدوء وعدم الانجرار الى ردات الفعل وبالرغم من كل شيء صوت العقل لا بد ان يتحكم". وتلقى رئيس "التقدمي"، رسالة تعزية باستشهاد أبو فخر من الرئيس عون، كما تلقى إتصالات تعزية أبرزها من الرئيس أمين الجميل، الرئيس ميشال سليمان، رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الرئيس تمام سلام، وزيرة الداخلية ريا الحسن، الأمير طلال ارسلان، النائبة ستريدا جعجع، النائب نعمة إفرام، الوزير السابق جان عبيد، السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه، والسفيرة الأميركية إليزابيث ريتشارد وعدد من الشخصيات.وتوجه شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن من عائلة شهيد لبنان المتوثّب للحياة الحرَّة الكريمة الشهيد علاء أبو فخر بأحرّ مشاعر العزاء والمؤاساة.وقال :"رجاؤنا أن يكون استشهاد المرحوم علاء أبو فخر يقظةً لخطوات حثيثة لمعالجة فورية للأزمة للحفاظ على لبنان الموحَّد والدولة الدستوريَّة العادلة".وشدد على أننا "نخشى ما يُمكن حدوثه في هذه الأيام المشهودة هو الافتقار المفزع للشعور بالمسؤوليَّة العالية التي ترقى إلى مستوى قضيَّة مصير وطن".وطلب من، " قيادة الجيش كشف ملابسات هذه الحادثة الأليمة واتخاذ الإجراءات اللازمة، وعلى القضاء ان يسوده حكم القانون وروح العدالة فوق كل اعتبار". كما تقدم رئيس "القوات"، سمير جعجع، ب" أحر وأصدق التعازي القلبية من ذوي الشهيد علاء أبو فخر، والحزب التقدمي الاشتراكي والطائفة الدرزية الكريمة".وقال، عبر "تويتر": "لقد آلمني جداً استشهاده والطريقة المفجعة التي استشهد بها".وطالب جعجع "القضاء المختص بالقيام بكل التحقيقات اللازمة، وإنزال أشد العقوبات بمن يظهره التحقيق مذنباً ومسؤولاً".وأشار شقيق الشهيد علاء أبو فخر، الى ان "علاء مسيرة نضال طويلة في سبيل الوطن".وقال: "كان في الصفوف الأمامية وهو اليوم شهيد الوطن، و"انشاالله دمه يحرر الوطن، لا يزال لدينا أمل بالدولة".من جهتها، قالت والدة علاء: "ابني شهيد لبنان وشهيد الثورة و"خلّيهن كلن ينزلوا عن الكراسي". وقام أحد الفنانين، برسم صورة للشهيد علاء ابو فخر على جدار ساحة النور في طرابلس.وفي ظل هذه الأجواء، أشارت قناة "المنار"، الناطقة بلسان "حزب الله"، "أنّ هذه الساعات هي حاسمة في ملف التكليف والتأليف وستحسم اسم رئيس الحكومة المقبلة". ولفتت الى أن "الاتصالات الحكومية قائمة وعلى الأرجح أن الحريري سيتجه إلى الاعتذار عن التشكيل".من جهتها، اشارت قناة الـ "OTV"، الناطقة باسم "التيار الوطني الحر"، الى أن "الأفق مسدود تماما أمام الحل وهناك تباعد بين وجهتي نظر الرئيسين عون والحريري الذي يصر على حكومة اختصاصيين ولن يتدخل في تسمية اي رئيس حكومة آخر على قاعدة أنه كيف يغطي تركيبة لغيره لا يرضاها لنفسه".ونقل النائب علي بزي عن رئيس مجلس النواب نبيه بري ، مطالبته بالحفاظ على الانتظام العام وبتشكيل حكومة جامعة تلبي طموح المواطنين.واعتبر بري خلال لقاء الإربعاء النيابي ،ان المرحلة الراهنة تستدعي تحمل المسؤولية من الجميع لانتشال الوطن من قعر الهاوية التي ان حصلت لن يسلم من تداعياتها احد على الاطلاق.وفيما أعلن رئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف جورج الحاج، ان "اضراب الموظفين مستمر بغض النظر عن الامور التي استجدت بالبلد، الى حين توصل جمعية المصارف بالتعاون مع السلطات الى توفير الظروف الأمنية المواتية لاستئناف العمل".

الثوار يوجهون أقوى رسالة للرئيس ميشال عون ردا على خطابه الاستفزازي وفي الإطار ثائرة تضع وردة على صورة شهيد الثورة علاء أبو فخر وفي الأسفل زوجته تبكيه وسط المحتجين (أ ب)