أحمد الجاراللهحسناً فعل مجلس الوزراء بوضع القضية الإسكانية على رأس أولوياته، وإعلانه خطوة جريئة في هذا الشأن، لكن لا بد من التأكيد أن هذا الملف لا يمكن حله بالطرق المعهودة التي درجت عليها الجهات المعنية منذ بدء العمل بالرعاية السكنية قبل نحو 60 عاماً؛ لأنها تسببت بالكثير من المشكلات الاجتماعية والبيئية، وأثقلت كاهل المواطن بأعباء لا قبل له بها.في البداية كان المشروع جيداً؛ لأنَّ الظروف حتمت في تلك الأيام القواعد التي كانت متاحة، لكن مع التطور الذي شهدته البلاد، وفكرة "أرض وقرض" التي عمل فيها لاحقاً كانت أسوأ ما يمكن أن تنتهجه دولة لتأمين رعاية جيدة لمواطنيها، وبعدها تسببت الفوضى وعدم المتابعة بخلق غابات اسمنتية، أقل ما يُقال فيها إنها مجرد علب معيشة، وليست مكاناً لائقاً للسكن، ولذلك نشهد اليوم تلك الفوضى العارمة في غالبية المناطق بسبب سوء فهم معنى الرعاية السكنية، وعدم مراعاة الأسس الصحيحة في البناء واستخدام المساحات، فغالبية المناطق السكنية حالياً شيدت منازلها على أساس التأجير للغير، ولم تراع المساحات الخضراء المفيدة للبيئة والإنسان.اليوم أصبحت هذه القضية شبه معضلة، وتحتاج إلى سنوات عدة للخروج من المأزق، بسبب سوء التدبير أولاً، وثانياً: لأنَّ الوفرة المالية التي كانت موجودة في العقود الماضية تقلصت ما دفع بالجهات المعنية للتأخر في البت بالطلبات الكثيرة التي لديها.سمو رئيس مجلس الوزراء، المؤسف في هذا الأمر أن حكوماتنا المتعاقبة لم تتعلم من تجارب الدول الأخرى، وسارت الأمور "على طمام المرحوم"، بسبب غياب الإبداع في فن اتخاذ القرار، ففي الوقت الذي حلت معظم الدول التي تعاني من تأمين المساكن لمواطنيها هذا الأمر عبر وسيلة سهلة، وغير مكلفة، حيث تكون هناك بنوك متخصصة بالإسكان، تشرف عليها الحكومة فيما تمولها البنوك التجارية، ويمكن أن يكون رأس مالها بين ثلاثة وخمسة مليارات دينار، وفي حين تمنح الدولة الأرض وتنشئ البنية التحتية، تضمن في المقابل الفوائد على القروض التي تكون لفترات طويلة، وهي بذلك لا تتكلف أي مبالغ مالية ولا تحتاج إلى سيولة، كما هو معمول به في الكويت حالياً.في تلك الدول، لا سيما الخليجية منها، ثمة ثلاثة نماذج للمساكن الخاضعة للرعاية، وفق حاجة المواطن، تتراوح بين ما يعادل 70 ألف دينار، و90 ألفاً، و120 ألفاً، والمستفيد يختار النموذج ويعمل به من دون أي تعديلات، فيما يدفع المقترض الأقساط وفق ملاءته المالية.إن حلَّ هذه المشكلة سهلٌ جداً إذا خَلُصت النية، وإذا لم تكن لديكم الخبرات الكافية في هذا المجال يُمكن الاستعانة بخبراء إسكان من الخارج، أما أن تكون الحلول في الترقيع، فإن الفساد في هذا الملف سيبقى قائماً إلى الأبد، ففي هذه المشاريع الكثير من التلاعب، إضافة إلى المحسوبيات التي تسيء إلى الحكومة، كما أنها ترفع التكلفة المالية، وهو ما يجعل مشاريع الإسكان كلها فساداً في فساد.
[email protected]