منوعات
سورة الشعراء...لإقامة الإسلام الكامل الشامل على التقوى والطاعة
السبت 09 يونيو 2018
130
السياسة
إعداد- حمادة السعيد:القرآن الكريم كلام الله المحكم، والمعجز لأهل الإعجاز، نزل على حسب المواقف والأحداث، ثم رتبت آياته وسوره، الترتيب الذي بين يدينا اليوم وكان لهذا الترتيب أسراره.نتعرف من خلال كلماتنا على نفحات الرحمن وأسرار ترتيب سور القرآن، ولماذا رتب بهذا الترتيب؟ وما الحكمة الإلهية والمعاني الربانية منه؟ نتعرف على كل هذا فنزداد فهما وتمسكا بكتاب ربنا.الكلام اليوم عن سورة من أعظم السور في القرآن - وسور القرآن كلها عظيمة – وهي سورة الشعراء والتي تأتي تالية لسورة الفرقان.يقول الصابوني في تفسيره "صفوة التفاسير":ابتدأت السورة الكريمة بموضوع القرآن العظيم، الذي أنزله الله هداية للخلق، وبلسما شافيا لأمراض الإنسانية، وذكرت موقف المشركين منه، فقد كذبوا به مع وضوح آياته، وسطوع براهينه، وطلبوا معجزة أخرى غير القرآن الكريم عنادا واستكبارا ..ثم تحدثت السورة عن طائفة من الرسل الكرام، الذين بعثهم الله لهداية البشرية، فبدأت بقصة الكليم موسى مع فرعون الطاغية الجبار، وما جرى من المحاورة والمداورة بينهما في شأن الإله جل وعلا، وما أيد الله به موسى من الحجة الدامغة التي تقصم ظهر الباطل، وقد ذكرت في القصة حلقات جديدة، انتهت ببيان العظة والعبرة من الفارق الهائل، بين الإيمان والطغيان .. ثم تناولت قصة الخليل إبراهيم عليه السلام، وموقفه من قومه وأبيه في عبادتهم للأوثان والأصنام، وقد أظهر لهم بقوة حجته، ونصاعة بيانه، بطلان ما هم عليه من عبادة ما لا يسمع ولا ينفع، وأقام لهم الأدلة القاطعة على وحدانية رب العالمين، الذي بيده النفع والضر، والإحياء والإماتة.ثم تحدثت السورة عن المتقين والغاوين، والسعداء والأشقياء، ومصير كل من الفريقين يوم القيامة وبعد أن تابعت السورة في ذكر قصص الأنبياء بينت سنة الله في معاملة المكذبين لرسله، عادت للتنويه بشأن الكتاب العزيز، تفخيما لشأنه، وبيانا لمصدره..ثم ختمت السورة بالرد على افتراء المشركين، في زعمهم أن القرآن من تنزل الشياطين، ليتناسق البدء مع الختام، في أروع تناسق والتئام!.أخبار الشعراء سميت سورة الشعراء لأن الله تعالى ذكر فيها أخبار الشعراء، وذلك للرد على المشركين في زعمهم أن محمدا كان شاعرا، وأن ما جاء به من قبيل الشعر، فرد الله عليهم ذلك الكذب والبهتان بقوله سبحانه: "وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226)" وبذلك ظهر الحق وبان.وأما عن تناسب سورة الشعراء مع سورة الفرقان فيقول أبو حيان صاحب تفسير "البحر المحيط " ومناسبة أول الشعراء لآخر ما قبلها أنه قال تعالى: فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا" ذكر تلهف رسول الله صلى الله عليه وسلم على كونهم لم يؤمنوا، وكونهم كذبوا بالحق، لما جاءهم. ولما أوعدهم في آخر السورة بقوله: فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا"، أوعدهم في أول هذه فقال في إثر إخباره بتكذيبهم "فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6)". ويذكر المراغي رحمه الله في تفسيره عن التناسب بين هاتين السورتين فيقول: ومناسبتها لما قبلها من وجوه:إن فيها بسطا وتفصيلا لبعض ما ذكر في موضوعات سالفتها. إن كلتيهما قد بدئت بمدح الكتاب الكريم. إن كلتيهما ختمت بإبعاد المكذبين.ويضيف صاحب كتاب البرهان في تناسب سور القرآن: "لما عرفت سورة الفرقان بشنيع مرتكب الكفرة المعاندين وختمت بما ذكر في الوعيد كان ذلك مظنة لإشفاقه عليه السلام وتأسفه على فوت إيمانهم لما جبل عليه من الرحمة والإشفاق، فافتتحت السورة الأخرى بتسليته عليه السلام وأنه سبحانه لو شاء لأنزل عليهم آية تبهرهم وتذل جبابرتهم فقال سبحانه: "لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4)" وقد تكرر هذا المعنى عند إرادته تسليته عليه السلام كقوله تعالى: "وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَ" "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا" "وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ".سر لطيفيقول السيوطي في "أسرار ترتيب القرآن":وجه اتصالها بسورة الفرقان أنه تعالى لما أشار فيها إلى قصص مجملة بقوله "وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38)" الفرقان، شرح هذه القصص، وفصلها أبلغ تفصيل في الشعراء التي تليها، ولذلك رتبت على ترتيب ذكرها في الآيات المذكورة فبدئ بقصة موسى، ولو رتبت على الواقع لأخرت كما في الأعراف فانظر إلى هذا السر اللطيف الذي من الله بإلهامه ولما كان في الآيات المذكورة بقوله "وقروناً بينَ ذلِكَ كثيراً" زاد في الشعراء تفصيلاً لذلك قصة قوم إبراهيم، وقوم لوط، وقوم شعيب ولما ختم الفرقان بقوله: "وإِذا خاطبَهُم الجاهلونَ قالوا سَلاما" وقوله: "وإِذا مروا باللغوِ مروا كِراماً" ختم هذه السورة بذكر الشعراء الذين هم بخلاف ذلك، واستثنى منهم من سلك سبيل أولئك، وبين ما يمدح من الشعر، ويدخل في قوله (سلاماً) وما يذم منه، ويدخل في اللغو.ويضيف الزحيلي في "التفسير المنير":وتتضح مناسبة هذه السورة لسورة الفرقان في الموضوع والبداية والنهاية.أما الموضوع: ففيها تفصيل لما أجمل في الفرقان من قصص الأنبياء بحسب ترتيبها المذكور في تلك السورة، فبدأ بقصة موسى، وهذا سر لطيف يجمع بين السورتين. وكان في الفرقان إشارة إلى قرون بين ذلك كثيرة، ففصلت هنا قصة إبراهيم، وقوم شعيب، وقوم لوط.وأما البداية: فقد بدئت كلتا السورتين بتمجيد القرآن العظيم: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ.. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ.وأما النهاية: فإن خاتمة كلتا السورتين متشابهة، فقد ختمت الفرقان بوعيد المكذبين، ووصف المؤمنين بأنهم يقولون: سَلاماً للجاهلين، وأنهم يمرون مر الكرام باللغو، وختمت الشعراء بتهديد الظالمين المكذبين، والرضا عن الشعراء المؤمنين الذين يعملون الصالحات، ويذكرون الله كثيرا، وينتصرون ممن ظلمهم.وقال صاحب "الأساس في التفسير": لقد عمقت سورة الشعراء عندنا مفاهيم تلزم لإقامة الإسلام الكامل الشامل، ومن أبرز المواضيع التي عمقتها السورة موضوع التقوى والطاعة، إن التقوى هي المطلب الرئيسي من كل مسلم، فالتقوى هي تكليفه من الإسلام بحسب طاقته، والطاعة هي رمز التحامه مع الجماعة وفي الحديث "من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فمات فميتته جاهلية" وهذا الموضوع من غوامض المواضيع- وخاصة في أيام الفتن- ولذلك كان العلم فيه من جملة العلوم المفروضة فرض عين، والذين يعرفون أن يتكلموا به قلة. وليست نفحات الرحمن وأسرار ترتيب سور القرآن مقتصرة على ارتباط سورة الشعراء بما قبلها وإنما هناك نفحات في ارتباطها بالسورة التي تليها وهي سورة النمل وهذا ما سنعرفه في الحلقة المقبلة إن شاء الله. فسبحان من أنزل الكتاب