الأربعاء 30 أبريل 2025
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

سورة المائدة... المنقذة في ملكوت السماوات

Time
الاثنين 21 مايو 2018
View
40
السياسة
إعداد- حمادة السعيد:

القرآن الكريم كلام الله المحكم، والمعجز لأهل الإعجاز، نزل على حسب المواقف والأحداث، ثم رتبت آياته وسوره، الترتيب الذي بين يدينا اليوم وكان لهذا الترتيب أسراره.
نتعرف من خلال كلماتنا على نفحات الرحمن وأسرار ترتيب سور القرآن، ولماذا رتب بهذا الترتيب، وما الحكمة الإلهية والمعاني الربانية منه، نتعرف على كل هذا فنزداد فهما وتمسكا بكتاب ربنا.

والكلام اليوم عن سورة من أعظم السور في القرآن - وسور القرآن كلها عظيمة – وهي سورة المائدة وموقعها بعد سورة النساء.
وعن سبب تسميتها بالمائدة يقول الطاهر بن عاشور في كتابه «التحرير والتنوير» : سميت في كتب التفسير وكتب السنة بسورة المائدة لأن فيها قصة المائدة التي طلبها الحواريون من عيسى عليه السلام وقد اختصت بذكرها. وفي مسند أحمد بن حنبل وغيره وقعت تسميتها سورة المائدة في كلام عبدالله بن عمر وعائشة أم المؤمنين وأسماء بنت يزيد، وغيرهم. فهذا أشهر أسمائها. وتسمى أيضا سورة العقود: إذ وقع هذا اللفظ في أولها. وتسمى أيضا المنقذة. ففي أحكام ابن الفرس: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سورة المائدة تدعى في ملكوت السماوات المنقذة». قال: «أي أنها تنقذ صاحبها من أيدي ملائكة العذاب». وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يسمون سورة المائدة سورة الأخيار.
ومما يدل على فضل سورة المائدة ما رُوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: أُنزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة المائدة وهو راكب على راحلته، فلم تستطع أن تحمله، فنزل عنها. وروى البغوي بسنده عن ميسرة قال: إن الله تعالى أنزل في هذه السورة ثمانية عشر حكمًا لم ينزلها في غيرها، وهي قوله:»وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ». «وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ»، «وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ»، «وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»، وتمام بيان الطهر في قوله:»إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ»،»وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ»، و»لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ»، «مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ» وقوله: «شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ».

الوفاء
وعن التناسب بين سورة المائدة من حيث ترتيبها بعد سورة النساء يقول البقاعي في كتابه «نظم الدرر في تناسب الآيات والسور»: سورة المائدة مقصودها الوفاء بما هدى إليه الكتاب، ودل عليه ميثاق العقل من توحيد الخالق ورحمة الخلائق شكرا لنعمه واستدفاعا لنقمه ، وقصة المائدة أدل ما فيها على ذلك، فإن مضمونها أن من زاغ عن الطمأنينة بعد الكشف الشافي والإنعام الوافي نوقش الحساب فأخذه العذاب، وتسميتها بالعقود أوضح دليل على ما ذكرت من مقصودها.ولما أخبر تعالى في آخر سورة النساء أن اليهود لما نقضوا المواثيق التي أخذها عليهم حرم عليهم طيبات أحلت لهم من كثير من بهيمة الأنعام، واستمر تعالى في هتك أستارهم وبيان عوارهم إلى أن ختم بآية في الإرث الذي افتتح آياته بالإيصاء وختمها بها شامل العلم، ناسب افتتاح هذه بأمر المؤمنين الذي اشتد تحذيره لهم منهم بالوفاء الذي جلُّ مبناه القلب، فقال مشيراً إلى أن الناس الذين خوطبوا ووصفوا بما هم محتاجون إليه، «يا أيها الذين آمنوا» أي ادعوا ذلك بألسنتهم «أوفوا» أي صدقوا ذلك أحل أو حرم أو ندب على سبيل الفرض أو غيره، التي من جملتها الفرائض التي افتتحها بلفظ الإيصاء الذي هو من أعظم العهود، وتعم سائر ما بين الناس من ذلك، حتى ما كان في الجاهلية من عقد يدعو إلى بر، وأما غير ذلك فليس بعقد، وإخبارا لهم بأنه أحل لهم ما حرم على أولئك، فقال على سبيل التعليل مشيرا إلى أن المقصود من النعمة كونها، لا بقيد فاعل مخصوص، وإلى أن المخاطبين يعلمون أنه المقصود من النعمة كونها، لا بقيد فاعل مخصوص، أي أوفوا لأنه أحلّ لكم بشامل علمه وكامل قدرته لطفا بكم ورحمة لكم ما حرم على من قبلكم من الإبل والبقر والغنم بإحلال أكلها والانتفاع بجلودها وأصوافها وأوبارها وأشعارها وغير ذلك من شأنها، فاحذروا أن تنقضوا كما نقضوا، فيحرم عليكم ما حرم عليهم، ويعد لكم من العقاب ما أعد لهم، ولا تعترضوا على نبيكم، ولا تتعنتوا كما اعترضوا وتعنتوا، فإن ربكم لا يسأل عما يفعل، وفي افتتاح المائدة بذكر الأطعمة عقب سورة النساء التي من أعظم مقاصدها النكاح والإرث، المتضمن للموت المشروع فيهما الولائم والمآتم أتم مناسبة.

أحكام
ويقول السيوطي في كتابه «أسرار ترتيب القرآن»: ثم إن هاتين السورتين «النساء والمائدة» في التقديم والاتحاد نظير «البقرة وآل عمران»، فتلكما في تقرير الأصول، من الوحدانية، والكتاب، والنبوة وهاتان في تقرير الفروع الحكمية وقد ختمت المائدة بصفة القدرة، كما افتتحت النساء بذلك وافتتحت النساء ببدء الخلق، وختمت المائدة بالمنتهى من البعث والجزاء فكأنما سورة واحدة، اشتملت على الأحكام من المبتدأ إلى المنتهى ولما وقع في سورة النساء:»إِنا أَنزلنا إِليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس» الآيات فكانت نازلة في قصة سارق سرق درعاً، فصل في سورة المائدة أحكام السراق والخائنين ولما ذكر في سورة النساء أنه أنزل إليك الكتاب لتحكم بين الناس، ذكر في سورة المائدة آيات في الحكم بما أنزل الله حتى بين الكفار، وكرر قوله:»ومن لم يحكم بما أنزل الله».
ويضيف السيوطي : سورة النساء اشتملت على عدة عقود صريحاً وضمنا، فالصريح: عقود الأنكحة، وعقد الصداق، وعقد الحلف، في قوله: «والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم» وعقد الأيمان في هذه الآية وبعد ذلك عقد المعاهدة والأمان في قوله: «إلا الذينَ يصلون إِلى قوم بينَكُم وبينَهُم ميثاق» وقوله: «وإِن كانَ مِن قومٍ بينكُم وبينهم ميثاق فدية» والضمني: عقد الوصية، والوديعة، والوكالة، والعارية، والإجارة، وغير ذلك من الداخل في عموم قوله: «إِن اللَهُ يأَمُركُم أَن تؤدوا الأمانات إِلى أَهلها» فناسب أن يعقب بسورة مفتتحة بالأمر بالوفاء بالعقود فكأنه قيل في المائدة: «يا أَيها الذين آمنوا أَوفوا بالعقود» التي فرغ من ذكرها في السورة التي تمت فكان ذلك غاية في التلاحم والتناسب والارتباط ووجه آخر في تقديم سورة النساء، وتأخير سورة المائدة، هو إن هاتين السورتين النساء والمائدة في التقديم والاتحاد نظير البقرة وآل عمران، فتلكما في تقرير الأصول، من الوحدانية، والكتاب، والنبوة وهاتان في تقرير الفروع الحكمية وقد ختمت المائدة بصفة القدرة، كما افتتحت النساء بذلك وافتتحت النساء ببدء الخلق، وختمت المائدة بالمنتهى من البعث والجزاء فكأنما سورة واحدة، اشتملت على الأحكام من المبتدأ إلى المنتهى. فسبحان منزل الكتاب
آخر الأخبار