الجمعة 04 أكتوبر 2024
28°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأولى   /   منوعات

سيد بدرية ... بائع عطور أصبح صديقاً لمشاهير هوليوود

Time
الثلاثاء 18 أبريل 2023
View
5
السياسة
نجوم عربية في سماء العالمية
* عانى من الفقر في طفولته وحرمته والدته من الدراسة بكلية الهندسة
* العدوان الثلاثي دمّر مدينته وحطّم طفولته فلجأ إلى عالم الخيال
* حصره المخرجون في شخصية الإرهابي فاجتهد لتصحيح صورة العرب
* شارك بيليه في "لقطة ساخنة"... والتقى ويل سميث في "يوم الاستقلال"
* لم ينس بلده مصر وأهداها فيلماً من إنتاجه داعياً لإنقاذ كلاسيكيات السينما
* سافر إلى الولايات المتحدة وهو لا يجيد الإنكليزية ولم يمثل مشهداً واحداً


مشهد من أحد أعماله


سيد بدرية


بدرية والحلم المستحيل


القاهرة – أحمد أمين عرفات:

يعد حالة خاصة واستثنائية بين النجوم العرب الذين لمعوا في هوليوود، إذ لم تكن له سابقة تمثيل في أفلام عربية، ولم يولد أو يعيش حياته في الخارج حتى يقترب من السينما، بل بدأ من الصفر بعدما ترك مصر في شبابه وهاجر إلى أميركا، وهو لا يجيد حتى التحدث بالانكليزية، ورغم صعوبة الحلم بل استحالته، إلا أنه تحدى المستحيل، تعلم الإنكليزية ودرس التمثيل، ثم بدأ انطلاقته في المسلسلات والأفلام العالمية.
إنه الفنان سيد بدرية، والذي قدم أكثر من 60 فيلما في السينما الأميركية، نال عن العديد منها بعض الجوائز كأفضل ممثل، كما ارتبط اسمه بكبار النجوم.
حياته مثل فيلم درامي مليء بالدموع والنجاح، فقد ولد سيد، في 4 يناير 1957، بمدينة بور سعيد، والتي شهدت مسقط رأسه بعد نحو ثلاثة أشهر من العدوان الثلاثي عليها نهاية العام 1956، ردا على تأميم الرئيس جمال عبدالناصر لقناة السويس، فعاش طفولته في ظل الاعتداءات المتكررة والاحتماء بالملاجئ إذا تعرضت مدينته لغارات الطائرات، ومن حوله رجال المقاومة، الذين تربى بينهم ولمس عن قرب دورهم الكبير في الدفاع عن بور سعيد.


أفواه جائعة
لم يكد سيد، يبلغ التاسعة من عمره حتى شاهد أمه غارقة في بحر الدموع والأحزان، لوفاة والده الذي رحل تاركا لها سيد وثمانية أشقاء آخرين، ولدان وست بنات، ليس لديها أي مورد رزق بعد وفاة زوجها سوى معاشه البسيط كموظف صغير في البلدية، وهو لا يكفي لسد كل هذه الأفواه الجائعة، ورغم ذلك لم تيأس وكافحت من أجل أبنائها، وإن كان بعضهم قد ترك الدراسة واضطر للعمل من أجل مساعدتها.
الحياة الصعبة التي عاشها سيد، كانت تجعله يهرب إلى السينما القريبة من بيته، لكي يشاهد أبطالها وأحداثها المثيرة ليعيش فيها ويندمج مع مشاهدها، لكي ينسى واقعه المؤلم، خصوصا أنها تعرض ثلاثة أفلام في الحفلة الواحدة، فيلمان محليان والثالث أجنبي، فكان يتردد عليها، كلما استطاع أن يدخر ثمن التذكرة، حتى عرفه العاملون فيها، فكانوا يسمحون له بالدخول دون تذكرة بعدما أخبرهم بظروفه.
لم تمر مشاهدة الأفلام عليه مرور الكرام، بل كانت تنسج بداخله حلما بدأ يكبر، لأن يصبح واحدا من أبطالها، ولكن كيف؟ أنه المستحيل نفسه، فلا هو يقيم في القاهرة حتى يصبح ممثلا في أفلامها مثل الفنانين الذين يحبهم، ولا هو يعرف من الإنكليزية سوى كلمات قليلة تعلمها من الأفلام، حتى يصبح ممثلا في الأفلام العالمية.

الحلم المستحيل
لم يكن سيد، يملك حينها إلا أن يحلم حتى لو كان الحلم مستحيلا، ووجد أن ما يستطيع فعله أن يجتهد في دراسته، رغم اضطراره للعمل حتى يساعد والدته بسبب الظروف الصعبة التي تخنق الأسرة، التحق بمدرسة "الصنايع"، وسعى لأن يحصل على درجات عالية تمكّنه من التفوق والالتحاق بكلية الهندسة، وبالفعل حصل على معدل عال وقدم أوراقه بالكلية، لكن والدته عرفت بأن هذه الكلية تحتاج نفقات كبيرة لن تسمح بها ظروفهم، فأخفت عنه خطاب قبوله بالكلية الذي تسلمته من البريد في غيابه.
عندما عرف سيد، ما حدث استسلم لرغبة أمه، ولم يرد أن يخرج عن طوعها، فقنع بحظه من التعليم وعمل في بيع العطور، حتى يخفف عنها أعباء الحياة ويدخر بعضا من المال الذي يساعده في بناء مستقبل لا يدرى كيف سيكون، ورغم ذلك لم يمت حلمه بداخله، ولم يتوقف عن مشاهدة أفلام السينما، وتحديدا "الأكشن"، التي بات مولعا بها.
بعد سنوات ادخر بدرية، مبلغا لا بأس به من المال، فقرر السفر إلى الولايات المتحدة لدراسة التمثيل، وهو ما اعتبره بعض المحيطين به قرارا مجنونا لن يجني منه سوى الفشل، خصوصا أنه لا يجيد الإنكليزية ولم يقف أمام أي كاميرا لكي يقدم ولو مشهدا واحدا يشفع له بالسفر إلى هوليوود، لكنه حسم أمره.
حصل سيد، على تأشيرة سفر إلى الولايات المتحدة، وحلق بالطائرة إلى سماء المجهول، في العام 1979 ولم يكن تجاوز الثانية والعشرين، وفي بلاد العم سام، بدأ رحلة البحث عن عمل حتى يتمكن من الإنفاق على دراسته للتمثيل، ولأنه يفتقد لغة التواصل لجهله بلغة هذا البلد عانى كثيرا، خصوصا مع نظرات الريبة التي يقابل بها المسلمين العرب، لكنه لم يفقد الأمل في أن تتحسن الأمور، بل كان كلما أحكمت الظروف الصعبة حلقاتها حوله، كان يتذكر بور سعيد وقدرة رجالها على المقاومة، فتغمره طاقة تعينه على الصمود وأنه لا مجال للتراجع أو الاستسلام.

مختل نفسياً
رغم كل الصعوبات التي واجهت سيد، إلا أن القدر وقف إلى جواره عندما وضع في طريقه مهاجر لبناني، وافق على أن يعمل لديه، بعدها سعى إلى تعلم الإنكليزية، ثم التحق بجامعة بوسطن لدراسة فنون المسرح، وخلال دراسته التمثيل، تعرف على العديد ممن يعملون في هوليوود، كما أتاحت له مشاريع التخرج أن يقف أمام الكاميرا ويمثل فينال إعجاب زملائه الذين اكتسب صداقتهم، وبدأ معهم العمل في هوليوود، من خلال الإعلانات، وحقق معها بعض الانتشار حتى جاءته فرص عدة للعمل في المسلسلات التلفزيونية، ثم ساعدته الظروف وتعرف على المخرج والممثل أنتوني بيركنز، الذي نال شهرة واسعة عندما قام ببطولة فيلم "مختل نفسيا Psycho" من إخراج ألفريد هتشكوك، حيث كان وقتها يجهز لثاني تجاربه كمخرج من خلال فيلم "الصارم المحظوظ Lucky Stiff"، فاختار سيد، مساعدا له في التجربة الإخراجية الكوميدية، حول فتاة تدعو شابا لمنزلها ليفاجأ بنفسه وسط أسرة من آكلي لحوم البشر.
بعد تجربته الإخراجية مساعدا، خاض تجربة أخرى العام 1988، دفعته للوقوف أمام الكاميرا كممثل وليس خلفها، عندما شارك الجوهرة السوداء، نجم الكرة البرازيلي الراحل بيليه، بطولة فيلم "لقطة ساخنة Hot Shot"، من إخراج ريك كينغ.
لفت بدرية، الانظار فبدأت تأتيه الترشيحات المتعددة، ليشارك أوائل التسعينيات ببعض حلقات مسلسل "السيت كوم" الشهير "سينفيلد Seinfeld"، بجانب أفلام تلفزيونية منها "الرحلة The Flight"، ثم شارك بعدها في الفيلم الكوميدي "غريب وودود Intimate Stranger"، أيضا شارك في فيلم "رجال نوفمبرThe November Men"، وكذلك فيلم "بوابة النجوم Stargate"، وفي العام 1994 قدم دور طيار عربي في فيلم "يوم الاستقلال Independence Day" أمام ويل سميث.

أعمال مهمة
كانت مشاهد سيد بدرية، في تلك الأعمال محدودة، لكنها أتاحت له الانتشار لكونها في أفلام مهمة ذات ميزانيات ضخمة، وأبطالها لهم جماهيرية كبيرة، خصوصا فيلم "المطلع The Insider"، لأنه أتاح له الوقوف في مشهدين أمام نجمه المفضل آل باتشينو، الذي رشح عن هذا الفيلم لجائزة أوسكار أفضل ممثل، ورشح الفيلم نفسه لجائزة الأوسكار كأفضل فيلم، كذلك شارك في فيلم "الملوك الثلاثة" وجسد فيه دور ضابط عراقي، وأتاح له الفيلم مشاركة الثنائي جورج كلوني ومارك وولبرغ، ولم ينته الفيلم إلا وكانا أصبحا صديقين له.
في منتصف التسعينيات وبعد العديد من التجارب، استعان به المخرجان الشقيقان بوبي وبيتر فيرلي، في العديد من أفلامهما الكوميدية ومنها "نفوذ Kingpin" أمام وودي هاريلسون وراندي كويد، و"هال الساذج Shallow Hal" أمام غوينث بالترو، ومن أهم أدواره مع هذين المخرجين دوره في فيلم "ملتصق بك Stuck on You ". كما لفت إليه الأنظار بشدة عندما قدم دور الإرهابي في الفيلم التلفزيوني "سراب Mirage"، ولم تكن هذه المرة الأولى التي يقدم فيها هذا الدور، إذ سبق أن قدمه أكثر من مرة، خصوصا بعد 11 سبتمبر 2001، ففي تلك الفترة تم ترشيحه مرارا لدور الإرهابي لتعدد الأفلام التي تناولت هذا الهجوم وما ارتبط به من إرهاب.
في العام 2004، شارك سيد، بدور مميز مع المخرج الألماني فيم واندر، في فيلم من تأليفه وإخراجه بعنوان "أرض الوفرة Land of Plenty"، كما تألق بدور "القائد" في فيلم "الرجل الحديدي Iron Man" العام 2008، وشارك في بطولته روبرت داوني جونيور، وحصل الفيلم على العديد من الجوائز منها جائزة أفضل فيلم خيال علمي.
من أدواره المميزة أيضا "هاري" في فيلم "أنا ذلك الرجل I Am That Man"، العام 2009، وقبلها بعام حصل على جائزة أفضل ممثل في الدورة الـ 13 من مهرجان "Action on film" في لاس فيغاس، عن دوره في الفيلم الروائي القصير "ailero" وجسد من خلاله شخصية "أحمد" ضابط طيران عربي يعيش في أميركا تتعرض الطائرة التي يقودها لحادث فيسعى إلى انقاذها من السقوط، كما فاز فيلمه القصير " شيكاغو ميراج" بجائزة أفضل فيلم وأفضل مخرج في مهرجان بوسطن، كذلك شارك جاكي شان بطولة فيلمه "فانغارد Vanguard" وجسد شخصية "أباتي" صديق جاكي، الذي يساعده في القبض على الإرهابيين، وحقق الفيلم الذي ناقش كيفية القضاء على الإرهاب في العالم وتم تصويره في دبي والهند وبريطانيا، 37 مليون دولار في أسبوعين فقط عند عرضه بدور السينما الصينية العام 2020، رغم تفشي فيروس "كورونا" حينها.
تعددت الشخصيات المميزة التي جسدها بدرية، في رحلته ومنها شخصية الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وتألق فيها بعدما اختاره لها المخرج الكبير أوليفر ستون، فأداها ببراعة في فيلم "دبليو" الذي تناول حياة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الشخصية والسياسية، وعرضه مهرجان دبي السينمائي في افتتاح دورته الخامسة العام 2008.

الرحلة مستمرة
رغم رحلته الطويلة في عالم هوليوود، متنقلا بين الأفلام الروائية والقصيرة والتسجيلية، والمسلسلات التلفزيونية، لكنه لم ينس بلده مصر، لأنه لا يصنف نفسه كممثل قدر ما يؤمن بأنه سينمائي عليه أن يقدم كل ما يحمل قيمة فنية، ويحافظ على تراث بلده، ويؤكد ذلك قيامه بعد تأسيسه شركة للإنتاج الفني، وإخراج فيلم وثائقي عن الأفلام المصرية القديمة بعنوان "انقاذ كلاسيكات السينما المصرية"، واستعان فيه بعدد من الفنانين منهم الفنانة مديحة يسري والمخرج والمقدم التلفزيوني الأميركي آرثر هيلر، داعيا من خلاله إلى محاولة ترميمها لإنقاذها من الضياع باعتبارها ثروة قومية مصرية عربية، ولم يكتف فقط بفيلمه التسجيلي، بل قدم مشروعا لوزارة الثقافة المصرية لترميم هذه الأفلام وطرحه على وزير الثقافة آنذاك فاروق حسني، خصوصا أنه أعد لذلك فريق متكامل من مصر وأميركا بشكل تطوعي دون مقابل، لكن الوزير السابق رفض المشروع، ما أحزنه كثيرا، لكنه ظل على تواصل من خلال المهرجانات الفنية، حيث شارك في أكثر من مهرجان سينمائي عربي بفيلمه "الشرق في أميركا American East" تأليف وإخراج المصري الأميركي هشام عيسي، وشاركه البطولة النجم الأميركي ذي الأصول اللبنانية طوني شلهوب، وقد حاول فريق العمل من خلال هذا الفيلم الذي تم إنتاجه العام 2007 تصحيح صورة العرب المغلوطة لدى الغرب.
لم ينس سيد بدرية، رغم سنوات البعد والانشغال، مدينته بورسعيد وأهله فيها، خصوصا والدته التي قام بتوفير كل شيء لها من أجل حج بيت الله، وفي إحدى زيارته قام بتنظيم ورشة مجانية لتعليم شباب مدينته فن التمثيل وأطلعهم على تجربته والصعوبات التي واجهته وصولا إلى النجاح.
خاض بدرية، رحلة من الأحلام المستحيلة التي تحولت إلى واقع فاق كل التوقعات، ورغم ما حققه لكنه لا يزال يواصل رحلته حتى اليوم، وبعد أن بلغ من العمر 66 عاما، لا يزال قادرا على الحلم والتحدي من أجل تحقيق المزيد من النجاحات والانجازات في التمثيل.
آخر الأخبار