منوعات
شاهيناز وزير: الفقه ثريّ ومتنوع لكن رجال الدين جعلوه سجاناً
الخميس 22 نوفمبر 2018
5
السياسة
القاهرة – شروق مدحت:ساعدها مجال عملها بالصحافة في الإحاطة بتفاصيل الجماعات الإرهابية المتشددة، وذلك من خلال ما كتبته عنهم والغوص في عالمهم. طرحت كتابها الأول الذي مزجت فيه بين الطابع الصحافي والبحثي، وضمنته أسراراً كثيرة عنهم، جعلها تتعرض لهجوم كبير، لدرجة أن البعض اعتبر كتابها هجوماً على الفقه و انتقاداً للإسلام.عن كتاب "سجن الفقه"، والقضايا التي تناولتها فيه، رؤيتها للخطاب الديني وكيف يمكن مواجهة التطرف، التقت "السياسة" بالكاتبة شاهيناز وزير في هذا الحوار. ما الهدف من "سجن الفقه"؟الكتاب يحوي تحليلا للخطاب الديني الحالي، كما يناقش بعض المسائل الفقهية، بهدف الدعوة للتفكير عموما والتحفيز على إعادة التفكير، وإن كان هدفي الأكبر التحريض على رؤية الأمور من أكثر من زاوية،حتى تكون هناك فرصة حقيقية لتكوين رأي موضوعي بعيدا عن التبعية العمياء أو الاستسلام للشائع أو المتسيد من الأفكار والتعصب لها، من أهم الفصول "وهم الإجماع، جهل المسلمين بلغة القرآن الكريم، المراوغات الفقهية، احتكار الاختصاص في الدين، قلب هرم الأولويات وصناعة الثوابت، والتدرج السم البطيء". هل من رسائل معينة يحملها الكتاب؟كان شغلي الشاغل أثناء كتابته أن يشاركني القارئ في التفكير، أن أضع أمامه الافتراضات والمعطيات وأرغمه على تحليل الأمور والاستنتاج، فإذا كانت الرسالة إعادة التفكير في بعض الآراء الدينية، فمن الواجب توفير نماذج لكيفية إعادة التفكير أو بمعنى أدق تدريب القارئ على ذلك، الكتاب لا يحمل آراء واضحة صريحة وإن تم عرض رأي أو استنتاج فلا يكون سوى بالمرور بمجموعة من التساؤلات والتسلسلات المنطقية.كيف بدأت خيوط الكتاب؟فكرت بالاستفادة من أرشيفي من مقالات الإسلام السياسي والفكر الديني في جريدة" المقال" وإن كنت أضفت عليها أفكارا جديدة وأعدت صياغة ما كتبت عن الأفكار القديمة، ومزجت بين الطابع الصحفي والبحثي في كتابتها.لماذا وقع الاختيار تحديداً على "سجن الفقه" عنوانا للكتاب؟لأنه يحمل معنيين، الفقه السجين والفقه السجان، فالفقه الإسلامي "سجين" لأنه في حقيقته يتميز بالثراء الشديد والتنوع،وهذا ما ينبغي أن يكون عليه، لكنه تحول إلى "سجان" لأن رجال الدين يتعمدون الاجتزاء منه وإقصاء بعض الفقهاء أو بعض الآراء أو إخفاء جوانب وآراء أخرى من فقهائهم المفضلين أو من الكتب التي يستخدمونها كمراجع أساسية في الإفتاء والتشريع.خدمة الإرهابيين كيف تم استخدام الخطاب الديني كأداة لخدمة التنظيمات الإرهابية المتشددة؟الخطاب الديني المتشدد يسير جنبا إلى جنب مع التنظيمات الإرهابية، حتى وإن لم يلمح للصراعات والمواقف السياسية صراحة، يكفي أن يوفر القبول والدعم من جانب الجماهير لممارسات تلك التنظيمات دينيا ويجد لها المبررات، والجهاد نفسه يتم تقديمه بصورة تتماشى مع تعاطي التنظيمات مع المناخ السياسي العام أو الإعلام العالمي أو المساعي الإقليمية. فعلى سبيل المثال تعامل الخطاب الديني مع التعصب الطائفي بعد الثورة الإسلامية في إيران يختلف عن تعامله معه قبلها، ويصعب على الأجيال الحالية من ذلك الحصار تخيل كيف كانت الأمور أكثر رحابة وقربا بين السنة والشيعة مقارنة بالسنين الأخيرة. الخطاب الديني هو ما يروج لموقف سياسي على منابر المساجد في خطبة الجمعة تجاه أزمة ما أو يتجاهل أزمة أخرى ويصرف الناس عن الاهتمام بها، وهو الذي يُستخدم في الباطن لحشد الناس للانضمام للجماعات المسلحة، بل قد تستخدمه الجماعات لدعم إعلامي أو جمع دعم لوجستي تحت غطاء الأعمال الخيرية. وأخطر ما يفعله، وإن تم ذلك على مر سنين وبتدرج ماكر، أن يربي المجتمعات على درجة تطرف تتماشى مع تطرف الجماعات من أجل وجودها وتغذيتها. ما أبرز العوامل التي ساعدت على تكوين الشخصية المتطرفة؟التطرف عملية معقدة تتداخل فيها الأفكار التي يتبناها الفرد مع البيئة الاجتماعية المحيطة والأوضاع السياسية، لكني لا أنسبها للفقر أو الضغوط بقدر ما أرى أن أهم المؤثرات تتجسد في الخطاب الديني وهو مقتحم كل جوانب الحياة، نحن نتكلم عن خطب ومساجد وطقوس ومناهج دراسية وكوادر تعليمية وقنوات فضائية وتوغل اجتماعي وألوان فنية خاصة وغير ذلك.هل اختلفت نشاطات الجماعات المتطرفة عن الماضي؟تختلف وتتلون حسب الأوضاع السياسية، وفي السنين الأخيرة تسيدت "داعش "المشهد واختلفت أهدافها وأسلوبها عن أهداف وأسلوب "القاعدة "على سبيل المثال، واختلف مع ذلك الاختلاف مفهوم الجهاد وآلياته لينتهي بجهاد النكاح وخطف الفتيات وبيعهن، وكذلك التدرج من استهداف عناصر الاحتلال الأجنبي إلى تفجير الأسواق بعمليات انتحارية. كيف استطعت التوحد مع شخصية رجل الدين في بعض فصول الكتاب؟من أجل تحليل أفضل لشخصية ما سواء كان فردا متطرفا في جماعة مسلحة، أو خطيبا على المنبر أو شخصا من طائفة أو دين آخر، أن ننظر للأمور من عينه وأن نتطلع على ما يتعرض له، بالنسبة لرجل الدين فقد فكرت كثيرا كيف يرى الجالسين تحت قدميه، وكيف يرى التعامل الأمثل معهم إذا كان يهدف لتبعيتهم له وممارسة سلطته عليهم بشكل أكبر، بالطبع كان من أهم المشاهد في ذلك تعامله المباشر معهم أثناء الخطب والدروس في الجوامع أو حتى في الكتاتيب ومناقشة الأعراف الحالية المتبعة أثناء تلك الخطب والدروس، وركزت على الجانب النفسي في ذلك. إلى أي مدى يستطيع رجل الدين كشف نقاط ضعف المتلقي، ودعمها لصالحه؟هو لا يتعامل مع المتلقي بصفة فردية، بل يتعامل مع جماعة، يدرس جيدا الفئة المستهدفة وطبقتها أو ظروفها الاجتماعية. فإذا كانت الفئة طبقة اجتماعية راقية خرج عليهم بمظهر يشبه مظهرهم وأسلوب حديث مهذب سمح، وإذا كانت فئة متواضعة ثقافيا استعرض عليهم مهاراته في اللغة والخطابة والمعلومات، وإذا كان الخطاب للرجال داعب ذكوريتهم وأكد لهم أفضليتهم على النساء ووصف لهم فتنة الحوريات، فضلا عن أشياء عامة كاستخدام لغة عاطفية أو استثارة الغيرة على الدين في بعض المواقف. بدعة ذكرت بأن كلمة "شيخ" لم تذكر في القرآن للتدليل على المكانة الدينية، هل هي بدعة منتشرة؟ناقشت استخدام هذا اللفظ لغة واصطلاحا، بداية بالقوانين القبلية قديما ومرورا باستخدامه فقهيا مثل (شيخ الإسلام)، (الشيخان)، وانتهاء بالاستخدام السطحي له حاليا بين الشباب، واستعرضت الآيات التي ذكر فيها هذا اللفظ لتبيان كيف استخدمه القرآن، وقد ذكرت أنه بدعة ليس لأنني أتبنى خطاب "البدعة" ولكن لتطبيق قواعد أصحاب هذا الخطاب عليهم في أشيع ما يقولون وما يصنعون من الألقاب. هل يساعد الكتاب على كشف زيف شيوخ الدين ويدعو للتفكر؟في فصل "مراوغات فقهية" ركزت على ضرورة النظر بشكل مختلف للخطب أو الفيديوهات المنتشرة للشيوخ بما يساعد في استنباط الهدف من الجزئيات أو الروايات التي يعرضونها وكيف هي مخبأة جيدا بما لا يدينهم بشيء قالوه صراحة. لا أحب عبارات رنانة مثل "زيف شيوخ الدين الإسلامي" بقدر ما أدعو ببساطة لضرورة المرور بالشك والتحقق قبل التسليم بأي أمر من الأمور، خصوصا وقد رأينا نتائج خطابهم في الفساد والخراب التي تعج به المنطقة، أنا أرفض التحريض بالجملة على فئة من الفئات، ببساطة لأن ذلك كفيل بتسفيه وتسطيح أي دعوة.ذكرت بأننا ضحايا لمشهد سياسي متقن الإخراج، فكيف يمكن الخروج من هذا المأزق؟ليس الأمر بتلك السهولة، للأسف الخطاب الديني والمشهد السياسي مسنود بدعم كبير متعدد المصادر والأهداف، لكن أول الطريق أن نعرف من جعل منا ضحايا، الوعي هو سلاح الشعوب ومحركها، ولكن تظل المشكلة في صعوبة الوصول لمنافذه. ليس هناك خطة واضحة حتى لكيفية إيصال ذلك الوعي والاستقرار على ماهيته وأهدافه، وكل ما نملكه هو محاولات فردية في إرساله ومحاولات فردية أيضا في استقباله.كيف يحدث الشحن المذهبي في هذا العصر؟بلادنا في الأساس لا ترتكز اجتماعيا إلى قيم التعددية وقبول الآخر، العادات والتقاليد نفسها تسعى للقولبة. والزواج بين السياسة والخطاب الديني هو المتسبب الرئيس في الشحن المذهبي والصراعات الطائفية. ما القاسم المشترك بين شيوخ الطائفية والجماعات المتطرفة؟الجماعات المتطرفة تنفذ ما يمليه عليها هؤلاء الشيوخ، وكثيرا ما ينبطح شيوخ آخرون لما آلت إليه الأمور ليشاركوا في صناعة التطرف، الطرفان لهما نفس الفكر والأهداف.إلى أي مدى يمكن أن يستمر فكر هذه التنظيمات على الأرض؟إلى أن تشاء السياسة وقف الحرب بالوكالة واستخدام الدين في تحقيق المكاسب، أو أن تقوم ثورة تستهدف في المقام الأول الإصلاح الاجتماعي والثقافي.في أحد فصول الكتاب، ناقشت دور خطبة الجمعة في نشر التشدد، حدثينا عن ذلك؟خطبة الجمعة يتعرض لها المسلمون،طوعا أو كرها، في كل مكان،وتصل لكل بيت وللمارين في الشوارع، وهي مرآة واضحة للفكر الديني المسيطر على الأغلبية الساحقة من المسلمين، وهي أيضا ما يتعرف به أصحاب الديانات الأخرى على الإسلام في بلادنا. وخطبة الجمعة منمطة بشكل كبير وخطير من حيث تناول الموضوعات والتعامل مع النساء والأقليات المذهبية أو أصحاب الديانات الأخرى بما يخدم الرجعية والكراهية، ناهيك بأسلوب الزجر والاستهجان والغضب حتى في الأداء، بما يربي المستمعين نفسيا على العنف والفظاظة وكراهية الآخرين.الأناشيد ما المغزى من فصل "الأناشيد صناعة الإرهاب"؟تسليط الضوء على اللون الفني الخاص بالتيارات الإسلامية وتأثيره النفسي، بالإضافة لأنواعه وتدرجه الخطير وغير الملحوظ. كما أن الفصل يعرض أناشيد المتشددين وإسقاطاتها السياسية وكمية التشبيهات والصور الدموية أو التحريض الواضح، بالإضافة لصعوبة معرفة مصدرها، فنحن في أغلب الأحيان لا نعرف منشديها أو الجهات التي انتجتها.ما حجم الخسائر التي خلفها الخطاب التكفيري؟هناك خسائر مادية واضحة في الخراب والتفجيرات وعدم استقرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية،، الأفدح خسائر تتمثل في التلاعب بهوية الشعوب وعاداتها، وإفشاء ثقافة الإقصاء وتربية أجيال على التبعية الفكرية والنفاق السلوكي.ما رأيك في دعوات تجديد الخطاب الديني، وهل تم تطبيقها على أرض الواقع؟معظم الدعوات،خصوصا الرسمية، ردود أفعال ظاهرية على حالة الاستياء والرفض الاجتماعي. ومن المضحك أن نجد صناع الخطاب الديني المتشددين يتبنون تجديد الخطاب الديني، وإن أردنا معرفة الساعين حقا لتجديد الخطاب فأغلبهم مطاردون ومسجونون وموصومون أو مهمشون إعلاميا. كيف يمكن القضاء على التطرف؟بتوفير مساحة آمنة لعرض آراء دينية وفكرية متنوعة. لا أنادي بقمع فئة أو حرق كتب أو نبذ دعاة، ولكن بتكافؤ الفرص وعدم التحيز الإعلامي ومراقبة دعم المؤسسات والجمعيات الإسلامية. نحن بحاجة للتنوع في كل شيء، لأنه إذا ما ظهر التنوع حولنا سنحترم الاختلاف وتتلاشى الصراعات والتهديدات، ولن يجبر الناس على لون واحد من الفكر الديني بل سيختارون من متعدد ما يرونه الأفضل والأقرب لدينهم. أما الاحتكار الحاصل فيحمل معه سوء النية والخوف من الانتقاد وهو أساس التطرف. هل اعتمدت على مراجع بحثية أو دراسات علمية؟اعتمدت على مراجع كثيرة في كتابة "سجن الفقه" منها،صحيح البخاري،صحيح مسلم، "لسان العرب" لابن منظور، "القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد" للشوكاني، "البحر المحيط في أصول الفقه" للزركشي، "المستصفي من علم الأصول" للغزالي، "الشمائل المحمدية" للترمذي، "الجامع الكبير" للترمذي، "السنن الكبرى" للبيهقي، "صفة الصفوة" لابن الجوزي، بالإضافة لبعض الفيديوهات والمقاطع الموجودة على الانترنت. ماذا عن ردود الفعل بعد صدور الكتاب؟أفضل مما توقعت من حيث الاهتمام والقبول، واهتمام الشباب الجامعي به أشعرني بالفخر، لأنني حاولت أثناء كتابته استخدام لغة سهلة، وقد آتت أكلها على ما يبدو. لكن أغلب الانتقادات جاءت على عنوان الكتاب الذي وُصف بالصادم، والبعض أساء الفهم ليعتبره هجوما على الفقه ومن ثم انتقادا للإسلام.ما المشكلات التي يواجهها الباحثون في الإسلام السياسي؟مشكلات كثيرة بدءا من النشر، مرورا بهجوم وانتقادات الكثيرين لهم إذا خرجوا عن المألوف والسائد، وانتهاء بدعاوى قضائية تحت بند ازدراء الأديان. لماذا يتسم مجال الدراسات الإسلامية بقله النساء الباحثات فيه؟رسخ رجال الدين لإقصاء النساء من ذلك المجال،بل هناك مسعى عام لتضييق الخناق عليهن. في بعض أقسام الكليات المعنية بالدراسات الإسلامية كقسم الدعوة يكاد يخلو من الطالبات، كيف لا وصوت المرأة عورة والتعامل معها فتنة وهي ناقصة العقل والكائن الأقل طهرا وتقوى من الرجل؟ وهذا ما يدرس في تلك الكليات نفسها. بالتالي فالمرأة التابعة للخطاب الديني مقتنعة بأنها ليست أهلا لذلك وبضرورة ترك ذلك المجال للرجال فقط، أما المرأة المعارضة له فتعلم أنه سيتم مضاعفة الهجوم عليها،أولا لأنها امرأة، ثانيا لأنها معارضة. كما أن الكثيرات من المهتمات بذلك المجال ولديهن أعمال أو أفكار رصينة لطرحها يخشين أن ينظر لهن الناس بعين الاستخفاف أو أن يتم التركيز على مظهرهن وشخصنة الهجوم عليهن، الأمر الذي قد يدفع البعض للخوض في أعراضهن، وهذا كله صناعة الخطاب نفسه. ما جديدك؟ كتاب عن الفكر الديني، لكنه سيكون حول موضوع واحد.