شق صدر النبي... علامة مبكرة على نبوته

اصطفى اللهُ من البشر رجالاً، هداهم إلى الحق، طهَّرهم وباركهم، وكلَّفهم بان يكونوا لأقرانهم مُبشرين ومُنذرين، ينقلون إليهم تعاليمه، ويبلغونهم بحلاله وحرامه، ولأنه تعالى عليم بذات الصدور، فقد زوَّدهم بقدرات خارقة لسنن الكون، وأيَّدهم بمواهب خاصة وعلامات تنطق بالقدرة المُطلقة لعلَّها تكون سبباً للتقوى والإيمان، وتلك هي معجزات الأنبياء.

كتبت - رحاب أبوالقاسم حامد:

اصطفى الله من البشر رجالا، هداهم الى الحق، طهرهم وباركهم، وكلفّهم بأن يكونوا لأقرانهم مبشرين ومنذرين، ينقلون اليهم تعاليمه، ويبلغونهم بحلاله وحرامه، ولأنه تعالى عليم بذات الصدور، فقد زودهم بقدرات خارقة لسنن الكون، وأيدهم بمواهب خاصة وعلامات تنطق بالقدرة المطلقة لعلها تكون سببا للتقوى والإيمان وتلك هي... معجزات الانبياء.
معجزة شق صدر النبي من المعجزات الإلهية التي ذكرت في أحاديث كثيرة على لسان النبي وأصحابه، وورد بشأنها رواية للصحابي الجليل أنس بن مالك تؤكد انه رأى بعينيه اثر شق صدر النبي مرات عدة، ووقعت هذه المعجزة ثلاث مرات خلال حياته الكريمة، الأولى عندما كان طفلا لا يتجاوز عمره الست سنوات، والثانية في مستهل تكليفه بالرسالة، أما الاخيرة فكانت في ليلة الإسراء والمعراج.
وتتفق الروايات على ان أول لقاء بين جبريل عليه السلام والنبي كان وهو ابن السادسة، عندما كان يعيش في بيت مرضعته حليمة السعدية، التي تكفلت برعايته وتربيته ورضاعته مع أبنائها الصغار، وقضى معها ومع أخوته في الرضاعة سنواته الاولى، ويلعب ويمرح معهم في ارجاء البادية، وذات يوم أثناء لهوه مع اقرانه الصغار، تقدم منه رجلان بهيئة طيبة وملابس بيضاء، وأخذوا به برفق ولين وكأنهم يجهزونه لإتمام عملية جراحية، والغريب ان الله انزل السكينة على قلب الطفل الصغير، فاستسلم لأياديهم الممدودة بلا مقاومة، وسار معهم لا يلوي على شيء، وسط حالة من الجلال سيطرت على المكان، وأجبرت الجميع على التزام الصمت، وكأنهم في حالة من الذهول الجمت السنتهم، وبالفعل فوجئ الطفل المستسلم لصحبة الملكين بطرحه ارضا بهدوء، ثم قام احدهم بشق صدره من دون ألم أو سيلان دماء على مرأى ومسمع من اقرانه الخاشعين، وأخرج قلبه وسلمه للآخر الذي كان يحمل بيده وعاء من الذهب ممتلئا بالماء وقطع صغيرة من الثلج، فقام بغسل قلبه ونزع مضغه أو شيئا صغيرا منه، ثم اخبره أن هذه المضغه نصيب الشيطان في قلبه، أي الجزء الذى يمكر به الشيطان ويحض الانسان من خلاله على المعاصي، وغادرا المكان كما أتيا دون ان يتبين احد امرهما، ودون ان يتركا اية علامة بالمكان تدل على ما فعلاه، لينطلق الصغار كالسهم المارق مطلقين الصيحات المرتعشة التي سمعتها السيدة حليمة من بعيد، وبعد ان هدأّت من روعهم، واستمعت للقصة باهتمام شديد مرة بعد مرة، قصّت الامر على زوجها العائد لتوه من العمل والذي اصعقته المفاجأة، فخرج الى حيث اشار الاطفال لعله يتبين ما حدث، ولكنه عجز على ان يجد له تفسيرا ورجّح انها اوهام اطفال صغار.
وفي الوقت نفسه دلته بعض العلامات في صدر الطفل على حدث كبير تعرض له منذ دقائق، ما يعطي بعض المصداقية لرواية الاطفال بشأن الرجل الغريب الذي انتزع جزء من قلب محمد، وبعد نقاش مع السيدة حليمة ظهرت خشيتهما من تكرار الامر، او تعرض الطفل الضيف لمكروه، ليقررا على الفور اعادته إلى أمة في مكة، وعندما استمعت لسبب اعادة طفلها على غير موعد، لم تتعجب مما حدث، اذ سبق ان شاهدت وقت ولادته نورا عظيما يملأ أرجاء المكان، واستقر بداخلها يقين انه أنه نبى الزمان.
وكانت المرة الثانية التي يُشق فيها صدره الشريف حينما ناهز الاربعين عاما، اذ فوجئ ذات ليلة وهو بين اليقظة والنوم، بالرجلين ذوي المظهر الحسن والثياب البيضاء يتهامسان بالقرب منه، ويخبر أحدهما الآخر أنه الشخص المقصود، ففزع منهم، ولكنهم طمأنوه بأنه الرسول المبشر، وبادر احدهم بشق صدره مرة ثانية وهو مستسلم لا يألو على شيء، وأخبره بنزع العلقة السوداء من قلبه لإزالة ما فيه من الغل والحسد، وليتم غسله بالماء والثلج، ثم قام بتمرير يده على موضع الجرح ليلتئم من فوره.
أما الشق الاخير لصدره الشريف فقد حدث في ليله الاسراء والمعراج، حينما جاء إليه الملاك جبريل بصحبة الملاك ميكائيل، وبيده قسط من الذهب مملوء بماء زمزم، فعرفهم ولم يفزع منهم هذه المرة، فقاما بغسله ثلاث مرات ليمتلئ قلبه حلما وكرما يليق بمقام النبوة.