القاهرة - السيد حسين:عبرت الروائية العراقية الشابة شهد الراوي عن سعادتها لردود الأفعال على روايتها الأولى "ساعة بغداد" التي صدرت منها طبعات عدة ولاقت نجاحاً طيباً ووصلت للقائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية "البوكر" في دورتها الأخيرة وتضيف الراوي أنها رواية الشباب التي احتفلوا بها بطريقة مدهشة لم تتوقعها، وأن الشباب العراقيين تعاملوا مع صدور "ساعة بغداد" مثلما يحدث مع صدور نسخة جديدة من "الايفون" وتضيف : نحن شعب مثقل بالجراح والآلام لكننا ولحسن الحظ نملك أملاً بلا حدود وتاريخ بلدنا يساعدنا على تجاوز أعقد مراحل حياتنا، العراق كلمة غامضة عصية على التفسير.="ساعة بغداد" روايتك الأولى، حدثينا عنها، ولماذا اخترت هذا العنوان؟سنة ونصف السنة وأصبحت قيداً بين يدي القراء. مهمتي انتهت منذ أن أرسلتها لدار النشر. كل ما يمكنني قوله بهذا الصدد، أنها كانت أياماً ممتعة، وساعات مدهشة. أن تصنع عالما جديدا، أن تعيش حياتين في الوقت نفسه، أن تهرب من إحداهما إلى الأخرى. بالفعل، ان زمن كتابة رواية هو زمن إضافي تستعمله ضد رتابة الحياة . وحتى تكتمل لديك الصورة، فسأتذكر اليوم الذي انتهيت فيه من وضع آخر جملة وأغلقت الكومبيوتر ، نظرت من نافذة بيتي شعرت بفراغ هائل يتجسد أمامي مثل صحراء بلا نهاية. أحسست يومها أن عائلتي التي عشت معها زمن الكتابة تتخلى عني. في هذه اللحظة وحدها انتابني شعور بحقيقية الشخصيات. كنت أريد أن أعود لهم واعتذر عن بعض المواقف التي وضعتهم فيها. لم أصدق أن المحلة والهواء والأشجار والطيور والبشر الذين أحببتهم طيلة سنتين من السهر المتواصل هم مجرد مخلوقات من كلمات . ماذا تريدني أن أحدثك أكثر ؟ كتابة رواية في فهمي الشخصي لا تعني كتابة (قصة) مشوقة فقط ، وإنما بحث عن إمكانية أخرى للحياة، حياة ليست مستحيلة لكنه تصادف إننا لم نعشها. أما فيما يتعلق بالعنوان، فاعتقد أن ذلك كان واضحا داخل الرواية. الطفلة التي رسمت المحلة من خيالها ثم حولتها إلى سفينة بدخان أبيض ينطلق نحو السماء كان عليها أن تنظم الوقت في الرواية فاقترحت ساعة جدارية في الحلم الذي افتتحت به الأحداث وتركت هذه الساعة داخل رأس صديقتها ، تحدثت عن معنى الوقت بالنسبة للكبار الذي يختلف عن الوقت الذي يستخدمه الأطفال، تركت آثار الساعات التي يطبعها " عمو شوكت " على معصم الصغار وبعد ذلك وصلت الى لحظة افتتاح مبنى "ساعة بغداد" الذي أنجز في الواقع العام 1994 لتتحول هذه البناية الى منظم لوقت المحلة في الرواية. فعلى دقاتها كانت تتشكل المشاهد . وأخيراً، فان السجل الذي دونت فيه ذاكرة المحلة حمل اسم (ساعة بغداد سجل المحلة). هل تعد هذا سببا كافيا لكي اختاره عنواناً؟

النسخة العربية من "ساعة بغداد"
كيف استقبلت وصول الرواية للقائمة القصيرة لجائزة البوكر؟ وهل كنت تتوقعين للرواية الوصول للقائمة القصيرة ؟ وهل أنت راضية عن ردود الأفعال عن الجائزة؟لا أخفيك، استقبلت خبر دخولها القائمة الطويلة بفرح وبهجة أكبر من دخولها في القائمة القصيرة. في القائمة القصيرة شعرت كما لو أنني اقتربت من مسؤولية إضافية. أن تكون تحت الأضواء في بداية مشوارك الإبداعي مسألة تنطوي على بعض شعور معقد. أما عن ردود الأفعال فلا أستطيع أن أقول لك إنني راضية أو غير راضية، فهناك دائما ردود أفعال متباينة تجاه أي عمل روائي. ربما تكتسب بعض الروايات أهميتها من حدة تباين ردود الأفعال هذه.دار جدل كبير حول وصول روايتك للقائمة القصيرة حيث تداول كثيرون صفحات منها واستشهدوا ببعض المقاطع رأوها ضعيفة فنياً فما ردك؟هذا الجدل ليس جديداً، الرواية أثارت جدلا منذ صدورها، ومن ثم بعد خبر ترجمتها. في أحد المواقع العربية المعروفة هناك تحقيقان صحافيان تفصل بينهما سنة ونصف السنة (ضع خطاً تحت سنة ونصف السنة) يبدأان بنفس العبارة : رواية "ساعة بغداد" تثير ضجة في الشارع العراقي. مرة عند صدورها والثانية عند ترشحها للقائمة الطويلة. إذن، هذا الجدل ليس جديداً وهو أمر جيد عادة كما قلت سابقاً ولكن المضحك في التحقيقين الصحافيين إن أغلب المدافعين عن الرواية والمهاجمين يبدأون حديثهم بعبارة : في الحقيقة أنا لم أقرأ الرواية ولكن. وبعد هذه الـ ( لكن ) يتحدثون بحرية وثقة عن شيء لا يعرفونه. هذا أمر غريب، اعتقد انه لا يحدث في مكان آخر في العالم، إن تبدي رأيك بحماس في كتاب لم تقرأه فهذا ما أسميته على صفحتي الشخصية ذات يوم "غريزة التعليقات" أما بخصوص تداول صفحات من بداية الرواية وردت على لسان طفلة تتهجى العالم لأول مرة وبناء رأي يخص رواية من 266صفحة فهذه ممارسة أخرى لا تحدث إلا لدى مدمني مواقع التواصل الاجتماعي الذين يفقدون تدريجياً ملامحهم الشخصية وطريقة صنع آرائهم الخاصة. الجميل في الأمر أن بعض التعليقات ظريفة بخفة دم رائعة وأنا لا آخذها على محمل الجد، باستثناء بعض الآراء المحترمة لقراء لم تنسجم الرواية مع توقعاتهم فانتقدوها بعد القراءة وليس قبلها.تُرجمت روايتك "ساعة بغداد" فما الذي أضافه ذلك إليك؟أن يلقى عملك الأدبي اهتماماً من دار نشر حصلت على ( مان بوكر ) البريطانية ثلاث مرات وفازت في نفس العام كأفضل ناشر بريطاني فهذا مكسب مهم جداً . أن تنتقل الرواية إلى مساحة قراءة جديدة بلغة عالمية دليل على أن ما كتبته يحمل قيمة إبداعية إنسانية قابلة للحياة في لغة أخرى . عدا عن الانكليزية فان الرواية ترجمت إلى الكردية وهي في طريقها إلى لغات أخرى كالتركية والإندونيسية وكل هذا حدث قبل أن تترشح للبوكر .حقائق روائيةشخصيات الرواية نادية، شوكت التركماني، شروق، أحمد، فاروق، خليل،كم اقتربت من الحقيقة؟جميعهم شخصيات روائية ولدوا بين غلافي "ساعة بغداد" . اقترابهم وابتعادهم عن الحقيقة لا يعنيني بشيء لانهم حقائق روائية أولا وأخيرا. هؤلاء أبطال حقيقيون في رواية بل حقيقيون جداً تصلني رسائل عديدة من قراء يسألونني عن مصير شروق وماذا حل بها. هم يعتقدونها شخصية لديها حياة إضافية خارج صفحات الرواية . هل هناك أكثر حقيقية من شخصية شروق ؟ حتى أنا أحيانا أتساءل عن مصيرها وماذا حل بها لان الأحداث تجاهلتها ومضت . واجهت الكثير من الانتقادات عند طرحك الرواية ما ايجابيات هذه الانتقادات ؟العكس هو الصحيح، واجهت الكثير من الاحتفاء بالرواية. فهي أكثر عمل أدبي عراقي في الأقل احتفى به القراء، حتى إنني ذكرت لإحدى محطات التلفزيون أن الشباب احتفلوا بساعة بغداد كما يحتفل الآخرون بصدور نسخة جديدة من" الايفون" هناك مئات من الصور التقطت للرواية في أنحاء متفرقة من العراق وعشرات غيرها التقطت مع معالم أخرى في عواصم عالمية حيث يعيش العراقيون في مغترباتهم . كانت طريقة حديثة وغير مألوفة ربما لأنها أول رواية في جيلنا على حد علمي تناولت حياة جيل لم يزل في عمر الشباب . هذا من جانب ، ومن جانب آخر فان النقد الفني كان في المجمل الى جانب الرواية حيث كتبت عنها مقالات في صحف عراقية وعربية ، وقدمت عنها ورقة مهمة الى مؤتمر تخصصي في الجامعة المستنصرية وإذا أجريت بحثاً في محركات البحث على الانترنت فستتأكد من ذلك بنفسك، اما موجة الانتقادات في مواقع التواصل الاجتماعي فهذا كما قلت لك، جزء من ظاهرة أصبحت شائعة. معلقون هواة يشاركون في كل موضوع مطروح أمامهم . بصراحة نادراً ما صادفني رأي جاد بهذا الخصوص من كل ما أتيح لي الاطلاع عليه. كيف ترين العراق اليوم وحال العراقيين، ماذا تقولين لهم، أو ربما ماذا يقولون لك؟عندما أتحدث مع العراقيين اتحدث مع نفسي، فماذا أقول لنفسي؟ ربما انصحها بقليل من الصبر وقليل من الهدوء وقليل من الود وكثير من الغفران . نحن شعب مثقل بالجراح والآلام لكننا ولحسن الحظ نملك املا بلا حدود وتاريخ بلدنا يساعدنا على تجاوز اعقد مراحل حياتنا، العراق كلمة غامضة عصية على التفسير، فهو اكثر من مجرد دولة يعيش على ارضها بشر ، اكثر من ذلك بكثير .رغم انعدام الاهتمام بالمثقف العراقي من قبل السلطات المسؤولة إلا أننا نراه يبدع خصوصا في الجنس الروائي ،ما سر ذلك؟ أنا اقرأ مقابلات لكاتبات وكتاب من أميركا وأستراليا وكندا وبريطانيا وشيلي وتركيا وكوريا الجنوبية وغيرها لم اسمع أن واحدة أصبحت كاتبة بواسطة اهتمام الحكومة بها. لماذا يحتاج الكاتب إلى اهتمام الحكومة؟ واجب الحكومة أن تهتم بالمواطن وليس بالكاتب الذي يحتاج اهتمام القراء فقط. هل ستنعكس الأحداث في العراق على الروايات المقبلة، وهل سينشأ ما يسمى "جيل بعد الحرب" في الرواية؟من البديهي ان تفرض الأحداث نفسها على اي عمل ادبي حتى لو كتبت خيالا علميا فان خيالك محكوم بضرورات واقعية . ومن البديهي أيضا ان الإبداع ليس لديه محطة وصول نهائية انه نهر دائم الجريان، والعراق بلد منتج إبداعيا وهذا معروف تاريخيا ولن يتوقف في كل الأحوال.الرواية العربية تأثرت بشكل كبير بالأدب الحديث معتمدة على ما وصلت إليه الرواية الغربية ،فهل هنالك روايات عربية استطاعت الانفلات من التقاليد الأوربية في الكتابة؟الرواية كما اعرف فن غربي حديث نسبيا على أدبنا ، وقرأت لكونديرا رايا ،أعجبني كثيرا، يقول : الرواية هي الفن النثري الأوروبي الذي وضع الإنسان العادي موضع البطولة. أنا شخصيا تعلقت بروايات غربية وتعلمت منها، مثلا أغاتا كريستي التي ألهمتني مذكراتها فكرة الطفلة التي بإمكانها الحديث عن كل شيء بعدد قليل من المفردات . تعلمت من ايما كلاين ومن مويس ومن جيني هان وهان كونغ التي أذهلتني في رواياتها " النباتية" بتلك اللغة البسيطة والأسلوب غير المتكلف.قبل ذلك قرأت جين أوستن وشارلوت برونتي وايميلي برونتي. أحببت أليف شافاغ في كتابها "حليب اسود " أكثر من رواياتها بما في ذلك قواعد العشق الأربعون، ربما كان لهؤلاء وغيرهم تأثير علي. أتحدث عن نفسي لانني اعرف هذا. لا يمكنني الحديث عن تجارب الآخرين.ما طبيعة المواضيع التي تلهمك وتستفزك للكتابة عنها؟الذاكرة المشتركة لأبناء بلدي، دائما أحب أن اكتب عن مشتركات ثقافية تجعلنا اقرب إلى بعضنا. العراق مر بأزمة انقسام مجتمعي كانت حرجة جدا، حتى إنني دعيت للحديث في (تيدكس بغداد) عن الأمل في إعادة ترتيب الأولويات الوطنية.