

"شولم… شولم"… ولصوص "كليلة ودمنة"
المال الحرام وحقوق الناس ضدان، والنفاق لا يمكنه تغطية الحقيقة بقشور الشعارات، ولهذا فكل من أقدم على ارتكاب جريمة من هذا النوع، أو سرق الناس العاديين، إما انتهى إلى السجن، وإما أصيب بشتى الأمراض، وإما كان منفيا في الأرض، يواجه ما ارتكبه من خطايا نهت عنها كل الأديان، وجرّمتها قوانين الدول كافة، وصار في نظر الناس منبوذاً، يعيش عيشة ضنك.
هناك نهايات سريعة، أما النهايات الصعبة تلك التي يطول عذابها، لهذا حين نهى الله سبحانه عن ارتكاب المعاصي وضع القتل والسرقة أولا، لأنهما مصدران لإفساد الناس أجمعين، وفي هذا الشأن يمكن النظر إلى كل الفاسدين، سواء أكانوا في لبنان الذين نهبوا حقوق الناس وودائعهم كيف باتوا اليوم مفضوحين بعد إعلان تقرير التدقيق الجنائي، وكذلك في العراق حيث نهب زعماء العصابات 200 مليار دولار في غضون 20 سنة، وكيف باتوا اليوم في نظر العراقيين، وكذلك الذين ارتكبوا جريمة نهب المال العام في الكويت، وبعض دول الخليج، كيف كانت نهايتهم، وأين هم اليوم.
في هذا الشأن، قرأت قصة في كتاب "كليلة ودمنة" فيها عبرة لمن يطمع بمال الغير، وماذا تكون نهايته، وهي تنطبق حاليا على كثير من الفاسدين سارقي المال العام، ولصوص الحقوق.
إذ يحكى أن سارقاً علا ظهر بيت رجلٍ من الأغنياء الأتقياء مكثري الخير في مساعدة الناس، وكان معه جماعةٌ من أصحابه، فاستيقظ صاحب المنزل من حركة أقدامهم، فعرف وامرأته ذلك؛ فقال لها: "رويداً إني لأحسب اللصوص علوا البيت، فأيقظيني بصوت يسمعه اللصوص، وقولي ألا تخبرني أيها الرجل عن أموالك الكثيرة هذه وكنوزك العظيمة؟ فإذا نهيتك عن هذا السؤال فألحّي عليّ به". ففعلت المرأة وسألته كما أمرها؛ وأنصت اللصوص إلى سماع قولهما.
فقال لها الرجل: "أيتها المرأة، قد ساقك القدر إلى رزقٍ واسعٍ كثيرٍ، فكلي واسكتي، ولا تسألي عن أمرٍ إن أخبرتك به لم آمن من أن يسمعه أحدٌ، فيكون في ذلك ما أكره وتكرهين".
فقالت المرأة: "أخبرني أيها الرجل، فلعمري ما يقربنا أحدٌ يسمع كلامنا".
فقال لها: "لم أجمع هذه الأموال إلا من السرقة".
قالت: "كيف كان ذلك، وما كنت تصنع"؟
أجاب: "ذلك لعلمٍ أصبته في السرقة، وكان الأمر عليَّ يسيراً، وأنا آمن من أن يتهمني أحدٌ أو يرتاب فيَّ".
قالت: "فاذكر لي ذلك".
فقال: "كنت أذهب في الليلة المقمرة، أنا وأصحابي، حتى أعلو بيوت بعض الأغنياء مثلنا؛ فأنتهي إلى الكوة التي يدخل منها الضوء، فأرقي بهذه الرقية، وهي شولم… شولم سبع مرات، وأعتنق الضوء؛ فلا يحس بوقوعي أحدٌ، فلا أدع مالاً ولا متاعاً إلا أخذته. ثم أرقي بتلك الرقية سبع مراتٍ. وأعتنق الضوء فيجذبني؛ فأصعد إلى أصحابي، فنمضي سالمين آمنين".
فلما سمع اللصوص ذلك قالوا بينهم: "قد ظفرنا الليلة بما نريد من المال"؛ ثم أطالوا المكث حتى ظنوا أن صاحب البيت وزوجته قد هجعا؛ فقام قائدهم إلى مدخل الضوء؛ وقال: "شولم… شولم سبع مراتٍ"؛ ثم اعتنق الضوء لينزل إلى أرض المنزل، فوقع على أم رأسه منكساً، فوثب إليه الرجل بهراوته، وقال له: "من أنت"؟
فقال: "أنا المصدق المخدوع المغتر بما لا يكون أبداً؛ وهذه ثمرة رقيتك".
ليس من الذكاء الاستيلاء على المال العام، ولا حتى أموال الناس العاديين، وليس من الحكمة لأي مسؤول أن يعتبر طريق الفساد الأسهل لتكوين ثروة، بل إنه يضع نفسه في مواجهة الناس، والقانون والله سبحانه.
أحمد الجارالله