القاهرة - أمل زيادة:إنسانة بسيطة، يحاصرها الافتقاد دائما، يقف على مسافة من الحُب ومن نفسها التوّاقة ورؤيتها للعالم، تبحث عن كل ما يلهمها، تكتب عن الحب والمشاعر، تجيد تجسيد الألم، وتتقن التعبير عن الحب. ترى أن هناك من يستحق أن نمنح له مشاعرنا ونفتح له قلوبنا حتى لو كنا في زمن يصعب فيه العثور على هذا الشخص. حول مسيرتها الأدبية وآخر مؤلفاتها "154 طريقة لقول أفتقدك" اكدت الروائية الطبيبة شيرين سامي في حديث لـ"السياسة" أنها وجدت نفسها في كتابة الرواية معتبرة أن كتابتها الخواطر جعلتها تحلق في عالم حالم وهي الأكثر صدقا وتعبيرا فيما يغلي على أعمالها الشعور بالافتقاد، وفيما يلي التفاصيل:
* بعض الكتابات مؤلمة على الكاتب لكنها تظل الأعز والأقرب* أعيش خلال الكتابة حياة كاملة * ليلى امرأة حائرة تتعثر حتى تصلكيف بدأت رحلة الكتابة؟بداية نشر مؤلفاتي كانت مجموعة قصصية، مثلت لي تجربة لطيفة اذ تأثرت بالشوارع،والحكايات،والأحداث المصيرية آنذاك، بعدها تشجعت على كتابة روايتي الأولى التي لاقت إقبالا مشجعا بين القراء، والحقيقة وجدت نفسي تماما في كتابة الرواية.لماذا؟هذا النزف المستمر من الأفكار، والكتابة عنها، وخلق الشخصيات وتطويرها في ظل حبكة مثيرة للتحدي في إطار درامي، نفسي، فلسفي، هذا ما تمنيته تماما من الكتابة، حياة أخرى كاملة أعيشها أثناء كتابة رواياتي، ويعيش معها القارئ، فتنتقل مشاعري له ويفهم أو يتأثر، وتتضح له بعض الأمور أو ربما تزداد تعقيدا.كيف ترين الرواية؟حوار وجدل مستمرين، ودفعة مشاعر قوية وملهمة، هكذا أرى الرواية.لماذا كتبت الخواطر؟الخواطر هي أكثر كتاباتي صدقا، وطريقتي لأحلق في عالمي الحالم الذي طالما آمنت به، وكتابي الأخير كان تجربة حلمت بها دائما.ماذا عن الكتابة للطفل؟تجربة قصص الأطفال كانت تجربة مثيرة بالنسبة لي وتحديا كبيرا، أردت بها أن أخرج عن جلدي وأطرق بابا جديدا جميلا، ساعدتني فيه ابنتي فجاءت التجربة لطيفة للغاية.ما قضية رواية "من ذاق عرف"؟ببساطة شديدة عبارة عن رحلة زوجة وأم للبحث عن والدها، فتجد نفسها أسيرة عدة ألغاز مثيرة تنتقل على إثرها من مصر إلى دبي وصولاً لسويسرا، رحلة مثيرة مفعمة بالأمل وقودها الشغف، إنها رواية يجد القارئ فيها نفسه، قد تنتهي سطورها لكنه لن ينتهي منها للأبد، كما قال لي أحد القراء.بم تصفين "ليلى " بطلة الرواية ؟إجابة السؤال تنقسم لشقين، شق ورد على لسان البطلة حسب وصف" ليلى" لنفسها في الرواية بعدة أوصاف، فتارة هي دجاجة تنبش في الأرض، تبحث عن الدود، تطعم الصغار، تسوي ريشها، تتحمل مسؤولية كل شيء، لا هي طير حر بلا مسؤوليات، ولا هي عصفور زينة مدلل بلا حرية، والدجاجات لا تتخذ القرارات، ترقد في هدوء، "من المؤسف أن القرار الوحيد الذي اتخذته في حياتي، هو أن أكون دجاجة".لكنها وصفت نفسها كحمامة أيضا؟نعم، أحيانًا أيضا تشبه الماء كما جاء في الرواية حيث تقول "شعرت أنني أشبه الماء، ليس في فائدته لكن في تماهيه مع الأشياء، يتغير لونه وطعمه مع أي إضافة بسيطة، ينقلب ببساطة من حلو لمُّر، من نظيف لقذر، من شفاف رقراق للون قاتم، لا شيء يميزه، لا يترك أثره على شيء، هو مجرد منساق ذليل لكل ما يفرضه عليه الآخرون".ماذا عن وصفها بالخشب؟نعم، لقد وصفت نفسها كبيت من خشب "أستطيع أن أمنحك الظل، والدفء، أستطيع أن أمنحك رائحة المطر، وهمس الرياح وقطعة من الغاب، أستطيع أن أكون لوحاتك عند الترف، ووقودك عند الشظف، معي لن تعرف الصدأ ولا التصدع، ولا الوحدة، ولا الفقر، بي عيب وحيد يجعل الجميع يفضلون عني البيوت الأسمنتية، الحرارة تزيد فتجعلني أنكمش حبا، خوفا، واحتياجا، وتقل فتجعلني أتمدد صخبا، غضبا وكرها، إذا أحببتني أحب خواصي ولا تحاول أن تجعلني أسمنت".ماذا عن الشق الثانى؟إنه الشق الخاص بي، إنه مختلف تماماً،أرى "ليلى" امرأة حائرة، تعيش حياتها مُرهقة، تتلمس الوصول لذاتها دون أن تقصد، تتعثر وتجازف وتخسر حتى تصل.كم " ليلى" تعيش بيننا ؟كثيرون وكثيرات مثلها، جمّدوا أحلامهم وطمسوا اختلافهم، عطلتهم الحياة وحالت بينهم وبين أن يكونوا أشخاص حقيقيين وليسوا النسخة المزيفة عن أنفسهم.هل كللت رحلة ليلى بالنجاح ؟رحلة ليلى في ظاهرها رحلة للبحث عن أبيها، لكن في باطنها رحلة للبحث عن ذاتها وهي تيمة معروفة وقد طرحتها بطريقة عصرية مغايرة، عند كتاباتي لها تغيّرت وتطورت واستطعت أن أجد ما ساعدني في طريقي، أعتقد أن هذا هو نجاح الرحلة بالنسبة لي، إضافة إلى ردود الأفعال الجميلة وتأثر الكثير ممن قرأوا الرواية برحلتها.كتاب أحلامي لماذا كتبت "154طريقة لقول أفتقدك"؟إنه كتاب أحلامي، الكتاب الذي كنت أكتبه دائما دون أن أشعر أو أخطط، لفت انتباهي له حماس الناس وتأثرهم بكتاباتي العفوية الحقيقية التي تأتى فجأة وأنا أقود سيارتي، أعمل أو أمارس حياتي، تجعلني أتوقف تماما لأكتبها، كتابة لا تندرج تحت أي تصنيف، لم يكن الكتاب مجرد نصوص وخواطر، لكنه عالم كامل من المشاعر والأفكار التي لا ننتبه لها بين حياتنا العملية وننسى التعبير عنها أو حتى الاستسلام للشعور بها.كيف جاء التصميم؟
منحني الناشر الحرية التامة لاختيار النصوص والتصاميم،أبدع الفنان أحمد عاطف مجاهد في خلق جو خيالي على الورق من خلال التصميم والغلاف الذي سرق قلبي، أتى تصميمه مع رسومات معبّرة ليفوق خيالي في الكتاب الذي تمنيت دائما أن أراه في الواقع.لماذا كتبت عن الفقد؟الكتاب أغلب نصوصه عن شعور الافتقاد وهو يختلف عن شعور الفقد لأنه يكون لأناس،وأشياء،وأماكن لم نفقدهم، بل ربما نعيش معهم،بهم، وحولهم، لكننا مع ذلك نفتقدهم، حتى أنفسنا نفتقدها في الكثير من الأحيان، الافتقاد كان تيمة الكتاب لأنه الشعور الغالب في كتاباتي وحياتي كذلك.هل يوجد من يستحق أن نعبر له عن الفقد ؟نعم، يوجد، أنا لم أفقد أبدا إيماني بالحب وباستحقاق الحبيب لكل الأعداد والطرق الممكنة لإظهار الحب واللافتقاد والحنين.الحب أم الفقدأيهما أشد إيلاماً الحب أم الفقد؟أرى أن كل المشاعر يمكن أن تكون مؤلمة إذا اقترنت بالخوف، أعتقد أن الحب أشد إيلاما من الفقد، لأن في الحب نفقد السيطرة على مشاعرنا فتنفلت من أيدينا لاتجاهات غير محسوبة قد تسبب الأذى، كما أن الحب شعور قائم على الحبيب الذي يتحكم - دون قصد - في مزاج المُحب مما قد يسبب الألم.متى يتحول ألم الفقد إلى متعة؟لنتكلم عن الافتقاد لأنه تيمة الكتاب، ألم الافتقاد ألم لذيذ، فيه خيال وحنين لما نعرفه وشوق لكل ما هو قادم، لكن أحيانا ينتاب الإنسان وحشة في الافتقاد فيصبح مثل الغريق، يعيش وينجح ويواجه الحياة، بينما هو مهشم من الداخل.ما الحب من وجهة نظرك كإنسانة وكاتبة؟لا يوجد تعريف ثابت للحب لأنه يتشكل ويتغير طوال الوقت، منذ مدة أصبحت لا أؤمن بالأبدية في الحُب، ولم أؤمن يوما بتوأم الروح لأن لكل إنسان روحه المستقلة التي تهفو لحب يكملها لا يتشابه معها، الحب ليس الخطفة الأولى، لكنه حالة دهشة دائمة وتقبل غير مشروط، أن تجد إنسانا يشاركك جرائمك الصغيرة، يبقى صديقك الموجود دائما لأجلك، حتى إذا أردت أن تشتكي منه لا تجد غيره هو نفسه.ماذا يعنى الحب لك؟الحب بالنسبة لي شعور الأمان في وجود الحبيب، ومهما أخطأت سيتحملنى دائما بصبر وخوف علي، مهما تألمت أو تأذيت هناك دائما من يهّون عليك، هو دائما وجهتى وطريقى.هل يعد بهذا هروبا من الواقع؟الحب هروب من قسوة الحياة إلى مكان جميل وآمن لا توجد به حسابات،لا منطق،لا نفاد صبر،ولا رصيد شخصي، فيه من يجعلنى أدرك ما كنت أفتقده طوال الوقت، شخص لا يعرضنى للاحتمالات، قرأت مرة نصا من ترجمة ضي رحمي يبدأ بـ "أحاول التفكير في كلمة قريبة من حب.. فلا أجد سوى اسمك ".هل للحب أنواع ؟الحب نوعان، حب بأمان، وحب بغير أمان، الأخير من أكبر أسباب الألم في الحياة، أما الفقد فشعور أُحادي يستطيع أن يحوله الإنسان مع الوقت للقوة والنسيان والبدايات الجديدة.كيف تتعاملين مع عشاق الواقعية ناكري الرومانسية؟أنا لا أتعامل إلا معهم، لكن لنقل أن كل امرأة بداخلها نساء صغيرات كما كتبت "إليف شافاق" من قبل، أنا أيضا داخلي امرأة واقعية تفكر وتتعامل بشكل مختلف عن الكاتبة، لا أنكر أنه أحيانا ينتابني الإحباط بسبب التوقعات الرومانسية الساذجة، لكن هذا لا يمنع امرأتي الرومانسية من الحلم والكتابة.هل المبالغة في التعبير عن المشاعر والحب في واقعنا هذا تعد سذاجة ؟المبالغة عامة فكرة سيئة، لكن توجد أشياء لها روعة لا تخبو أبدا، أهمها التعبير عن الحُب، هذا التعبير له أكثر من 154 طريقا، ليس فقط بالاعتراف المباشر، إنه شعور يجب أن يقابل بالامتنان،التقدير،واللهفة، أما من يتقبل هذا التعبير بفتور أو تجاهل فهو بالتأكيد لا يستحق الحُب، أو أنه لم يشعره في قلبه بعد.نجاح الكتابما مقياس نجاح الكتاب من وجهة نظرك ككتابة؟مقياسي الوحيد هو حب الناس وإقبالهم على العمل ورسائلهم المفعمة بالمشاعر.كيف ترين ظاهرة الأكثر مبيعا؟بعض المكتبات ودور النشر ينتقون قوائم الأكثر مبيعا وفقا لخطط معدة مسبقا، لكن في العموم الأكثر مبيعا هو الأكثر مبيعا وليس بالضرورة الأكثر جودة، وهو أحد مقاييس النجاح شئنا أم أبينا لأنه يعبر عن ذوق عامة الناس.هل تشكل حفلات التوقيع والندوات إضافة للكاتب؟حفلات التوقيع والندوات لا تشكل إضافة للكاتب، هي بمثابة احتفاء معنوي بالعمل بين مجموعة من الأصدقاء، أما نوادي الكتب في رأيي فهي أهم ما يضيف للكاتب ويجعله قريبا من القراء ووجهات نظرهم،جدالهم، وأفكارهم، مما يوسع الدائرة بين الكاتب والقارئ ويجعل الكاتب يتطرق إلى مناطق جديدة ومستويات مختلفة من القراءة،يتعرف عن قرب على ذائقة القارئ.ماذا يعنى معرض الكتاب السنوي لك ؟مكان ملهم لأقصى حد، الجنة والجحيم في آن، جنة الكتب،الأصدقاء، الكتّاب،والاحتفاء من الناس، جحيم هذا العالم الذي قلب حياتي رأسا على عقب.ما جديدك؟أعمل على رواية تؤلمني كثيرا في كتابتها، بعض الكتابات تكون مؤلمة وثقيلة على الكاتب لكنها تظل الأعز والأقرب رغم صعوبة كتابتها، أتمنى أن تنال استحسان وإعجاب القراء.

غلاف "154 طريقة لقول افتقدك"

... و"من ذاق عرف"