الأحد 04 مايو 2025
33°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

صباح... "شحرورة" السينما والغناء عاشت حياة مليئة بالصدمات

Time
الأحد 26 أبريل 2020
View
5
السياسة
نجمات الشباك (3 من 14)

القاهرة ـ آية ياسر:


صاحبة ابتسامة جميلة وصوت جبلي مميز يعبر عن حبها للحياة، ورغم ذلك عانت النجمة الكبيرة خلال حياتها من مآسي وصدمات جعلت قلبها يقطر دمًا طيلة عمرها المديد، لكنها ظلت تحتفظ بالابتسامة والحب تقدمهما للجمهور في كل أعمالها، فكانت حياة حافلة بالمتناقضات منذ ظهورها الأول كبطلة من خلال فيلم "القلب له واحد" العام 1945، وحتى أخر أفلامها "ليلة بكى فيها القمر"، فهذه الفنانة التي كان يركض وراؤها الجميع مثلما تتمنى أي امرأة، كانت حياتها فيلما مليء بالصدمات والحزن، وأيضا بالحب والزواج والغناء... إنها نجمة الشباك "الشحرورة" صباح.

* شقيقها قتل والدتها بسبب الخيانة... وأختها توفيت بطلق ناري
* هربت من تسلط أبيها لتتزوج رجلا في عمره وسمت نجلها الأول صباح
* صاحبة أكبر إرث فني دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية
* ودعت الشاشة بفيلم "ليلة بكى فيها القمر" مع حسين فهمي
* باعت منزلها لعلاج ابنتها هويدا من الإدمان وسكنت في فندق
* أوصت بعدم الحزن بعد رحيلها وبث أغنياتها في الجنازة








صباح تزوجت رشدي أباظة فترة بسيطة


الصبوحة مع عمر خورشيد


في العاشر من نوفمبر 1927 ولدت جانيت، في لبنان، أحبت الفن والغناء منذ صغرها، وكبرت معها موهبتها الغنائية الفريدة، بدأت حياتها الفنية وهي طفلة، مما أكسبها شهرة محلية، لفتت انتباه المنتجة السينمائية اللبنانية الأصل آسيا داغر، التي كانت تعمل في القاهرة، فعقدت معها اتفاقا لثلاثة أفلام دفعة واحدة لتصبح بطلة مطلقة وهي صغيرة، وكان الاتفاق أن تتقاضى 150 جنيهًا مصريًا عن الفيلم الأول "القلب له واحد" ويرتفع الأجر تدريجيًا، ليحتل اسمها الدعاية في أول أفلامها السينمائية ولتكون من الفنانات القليلات اللاتي يبدأن حياتهن الفنية بالنجومية دون صعود سلم الشهرة من أوله، ولم يحمل "تتر" الفيلم اسم جانيت بل حل مكانه اسم صباح وكانت حينها في الثامنة عشر من عمرها، لتصير لاحقًا إحدى "أيقونات" الفن العربي. عقب عرض "القلب له واحد"، الذي شهد أول ظهور لها مع الفنان أنور وجدي، وأدت فيه أغنيات قصيرة يسهل حفظها، ورغم سعادتها بما حققته من نجاح وجذبها الأنظار في مصر لموهبتها، لكن ساءها أن بعض النقاد أطلقوا عليها لقب "مطربة الساندويتش"، لأن الأغنيات التي أدتها خفيفة، ودفعتها إلى أداء تلك النوعية منتجة الفيلم آسيا، بعد أن كلفت الملحن الكبير رياض السنباطي بتدريبها فنيًا ووضع الألحان التي ستغنيها في الفيلم، ورغم عذوبة صوتها؛ إلا أنه وجد صعوبة كبيرة في تطويع صوتها وتلقينها أصول الغناء الصحيحة، لأن صوتها الجبلي كان معتادًا على الأغنيات المتسمة بالطابع الفولكلوري الخاص بلبنان وسورية، فكان الحل أن تؤدي أغنيات خفيفة حتى تنال التدريب الكامل لصوتها بما يؤهلها لأداء اللون الطربي السائد في ذلك الوقت، ومع انزعاج صباح من لقب "مطربة الساندوتش"، الذي بدأ يلاحقها، توقفت عن أداء هذا اللون، وبذكائـــها سعت جاهدة إلى سلك طرقا أخرى بعدما تعاونت مع الملحن كمال الطويل، وهو ما تحقق لتصبح من أشهر النجمات اللاتي لا تخلو أفلامها من أغنيات جميلة مميزة.

الزواج الأول
كانت صباح تعاني من تعنت وتسلط والدها، فوجدت في الزواج وسيلة للتخلص من هذا التسلط، وهو الزواج الذي بدأت رحلتها معه في نفس العام الذي بدأت فيه مشوارها مع السينما، حيث تعرّفت على اللبناني نجيب شماس، وتزوجته وهي في الثامنة عشر من عمرها، وأنجبت منه ابنها البكر صباح. وهي لا تعلم أن حياتها الأسرية مع زوجها وابنها لن تستمر طويلاً؛ إذ مع مرور الوقت اكتشفت أنها غير قادرة على الحياة مع زوج في نفس عمر والدها، لم تحبه إنما تزوجته هربًا من تسلط أبيها، فكان قرارها بالانفصال، لتبدأ بعد الطلاق سلسلة طويلة من الزيجات، التي انتهت بسبب اتهامها لبعضهم بالخيانة أو لإحساسها الدائم بأنهم يستغلون شهرتها وثروتها لمصالحهم؛ إذ كانوا يسمونها "مدام بنك"، لأنها تنفق المال على من تحب من غير تفكير، لكن هذا الفعل من صباح كان نابعا من عقدة نفسية وصدمة عصبية حدثت لها بسبب الخيانة.

"شمعة تحترق"
بعد زواجها الأول عاد والدها ووالدتها إلى لبنان وظلت صباح مع زوجها في القاهرة تشارك في الأفلام السينمائية وتحيي الحفلات الغنائية، وتثبت أقدامها كنجمة كبيرة، ومن فيلم لآخر ترتفع أسهمها واسمها يزداد تألقا وبريقا وأفلامها تحقق إيرادات كبيرة، وكان من أشهر أفلامها في تلك الفترة "هذا جناه أبي"، "شمعة تحترق" و"عدو المرأة"، لكنها في عز نجاحها تصاب بصدمة كبيرة كانت بمثابة طعنة غائرة تلقتها من خلال جريمة قتل راحت ضحيتها والدتها، لكن الفاجعة أن القاتل كان شقيقها الأصغر.
وقعت والدتها في حب رجل غير زوجها، وارتبطت مع عشيقها بعلاقة غير شرعية لم تعرف أنها ستدفع حياتها ثمناً لها، وفي أحد الأيام وأثناء تسللها خفية لزيارة عشيقها، فوجئت وهي معه، أن ابنها المراهق أنطوان، صاحب الـ18 عامًا يقتحم خلوتهما ولا يتركهما إلا وهما غارقين في بركة دماء، ثم غادر فرارًا إلى سورية، كل ذلك حدث وصباح لا تعلم أي شيء، لكن الأخبار وصلت زوجها الذي كان برفقتها وقرر إخفاء الأمر عنها حتى لا تتأثر في عملها، وبعد الانتهاء وأثناء عودتها إلى لبنان وهي تتواجد على متن باخرة متجهة إلى بيروت، تتذكر ملامح وجه أمها التي تشتاق لرؤيتها وتنتظر على أحر من الجمر أن ترسو السفينة لتترجل منها إلى بيت العائلة الذي لم تزره منذ أشهر، قطع خلوتها زوجها نجيب والارتباك يبدو على وجهه، قائلًا: "أريد مصارحتكِ بأمر أخفيته عنكِ طويلاً، إن والدتك توفيت منذ شهرين، أصيبت الشحرورة بدوار من الصدمة، وقبل أن تغضب وتلوم زوجها لإخفائه هذا الأمر عنها، وجدته يكمل حديثه بتفاصيل مرعبة عن مقتل والدتها، الذي كان أشد وطأة عليها من جلد السياط، جعلها لا تستطيع الحديث، ولكن عقلها يسترجع ذكرياتها مع والدتها".
أعاد مقتل والدتها إلى مخيلتها ذكرى أخرى مرعبة لم يطوها النسيان رغم مرور زمن طويل، حيث كانت صباح آنذاك في السادسة من عمرها، حين تلقّت شقيقتها الكبرى جولييت ذات الأعوام العشرة، طلقاً نارياً في رأسها بالخطأ أثناء حضورهم عرس أحد الأقارب، ليتحول العرس إلى مأتم وتفر العائلة بعدها من آلامها وتغادر القرية للعيش في العاصمة بيروت، ولكن ظلت رائحة الدم تلاحقها ويطاردها شبح مقتل أختها حتى آخر العمر.

حب وخيانة
عندما هدأت صباح، تساءلت كيف لم تسمع بحادث جلل كهذا رغم شهرتها الفنية؟!؛ فصارحها زوجها بأن الصحف اللبنانية والمصرية نشرت تفاصيل الحادث وأبرزته في صفحاتها الأولى بعنوان: "شقيق صباح يقتل أمه وعشيقها بالرصاص"، لكنه خشي عليها من الصدمة ولم يكن الأمر سهلاً، ونجح في إخفاء الخبر عنها بجميع الوسائل، وساعده على ذلك وجودهما بالقاهرة وقت الحادثة، لكن العدالة لم تتحقق، ولاذ الجاني بالفرار بين مصيرين أسودين يتربصان به، هما السجن أو القتل برصاص أسرة العشيق القتيل.
خشيت عائلة صباح على أصغر أبنائها أنطوان، صاحب اليدين اللتين تقطران دمًا، فتدبرت العائلة له بعد هروبه إلى سورية، سفرًا إلى واحدة من أبعد الدول عن لبنان، وهي البرازيل، وهناك غيّر اسمه تنكرًا وانتحالاً، وعاش باسم ألبرت فغالي، دون أن يغيّر من حقيقة قتله لأمه، وصار مصير الفتى مجهولاً بالنسبة إلى الناس، ولم يكن أمر هروبه وهويته الجديدة معروفاً إلا لذويه تقريبًا.
رغم خطيئة والدتها وجدت صباح نفسها متعاطفة مع أمها، التي دفعت حياتها ثمناً للخيانة الزوجية؛ فقد كانت تعلم أن والدها جرجس فغالي، لم يكن أبدًا الزوج المثالي مثلما لم يكن الأب الحنون، فلطالما أساء لوالدتها وكان يخونها ويدمن الخمر ما دفعها هي الأخرى لخيانته، كما أن "الشحرورة" تكنّ لوالدتها حبًا أعمق مما تشعر به تجاه أبيها، الذي لطالما كانت تصرفاته تجاه ابنته غير جيدة.
هذه الصدمة رافقت صباح طوال حياتها، فمهما نجحت واشتهرت وباتت نجمة كبيرة ظلت تعيش في الفاجعة التي تعرضت لها؛ بل وصل الأمر إلى عقدة نفسية، ومع أنها كانت مفعمة بالحياة ولكن عندما تذوق متعة الحب تتذكر معه ألم الخيانة.
بعد فقدان والدتها بطريقة مأساوية وإخفاء زوجها لما حدث، فقدت ثقتها فيه وأصبحت لا تستطيع العيش معه وكان طلاقها الأول، لكن بعدها بفترة قصيرة تعرّفت على الأمير خالد بن سعود بن عبدالعزيز، وتزوجته لتقضي معه بضعة أشهر؛ إلاّ أنهما انفصلا بسبب ضغط من عائلته الملكية. لكن صباح، نجمة الشباك والمطربة التي ذاعت شهرتها كثيرًا في هذا الوقت لم تلبث طويلاً حتى ارتبطت من جديد، مدفوعة بخوفها من العيش بمفردها وشبح الوحدة وأحزان الماضي؛ فتزوجت الموسيقار وعازف الكمان المصري أنور منسي، وأثمر زواجهما عن ولادة ابنتهما هويدا، ودامت حياتهما الزوجية نحو أربعة أعوام، حتى وقع الطلاق من جديد.

"الرجل الثاني"
استمرت صباح في التألق وحصد النجومية من خلال المشاركة في العديد من الأفلام، في فترة الاربعينات والخمسينات، منها "العتبة الخضراء، الرجل الثاني، شارع الحب، وكر الملذات، الآنسة ماما، بلبل أفندي، مجرم في اجازة "، وغيرها من الأفلام التي أكدت نجوميتها سواء في السينما أو كمطربة لها لونها الغنائي الخاص، ورغم معايشتها لنجوميتها لكن هذا لم يمنع أنها أيضًا ظلت خائفة من الوحدة وتبحث عن الحب، وأثناء تصوير فيلم "امرأة وثلاثة رجال"، كان الحب الجديد مع الإذاعي المصري أحمد فراج، الذي أعجبت به وتزوجته ليدوم زواجهما نحو ثلاثة أعوام، ثم انفصلا بعد ذلك.
وفي بيروت وقعت نجمة الشباك الجميلة في غرام النجم السينمائي المصري رشدي أباظة، أثناء تصويرها فيلم جديد من بطولتهما، وتزوج العاشقان، بعدما تحدى رشدي جميع أفراد أسرته حتى والده وزوجته الراقصة سامية جمال حينئذ، فذات يوم اتصل بشقيقته منيرة وأخبرها بقدومه إلى صيدا، وطالبها بالبحث عن مأذون لأنه سيتزوج صباح، لكن لم يدم زواجهما.
وفي مصر تزوجت الصبوحة من ممثل شهير، ولم يستمرا معا طويلاً فقد حدث الطلاق بعد شهر واحد فقط، وعادت الشحرورة إلى لبنان لتتزوج النائب في البرلمان يوسف حمود، واستمرت معه لمدة عامين وكان الطلاق كسائر زيجاتها.
تعد الستينات فترة ذهبية سينمائياً وغنائياً في حياة الشحرورة، فقد قدمت خلالها 34 فيلماً منها "الرباط المقدس" مع عماد حمدي، "جوز مراتي" مع فريد شوقي، "طريق الدموع" مع كمال الشناوي، "الليالي الدافئة" مع عماد حمدي، "الأيدي الناعمة " مع أحمد مظهر وغيرها من الأفلام التي وضعتها على العرش كنجمة تغار منها باقي النجمات لما تملكه من قدرة على تجسيد الشخصيات وتتميز به من صوت غنائي وأغنيات طربية خفيفة.
ومع توالي نجاحاتها، توالت أيضا زيجاتها، فاقترنت بالفنان اللبناني وسيم طبارة، لمدة خمسة أعوام، وبعد طلاقها منه بفترة أثارت زيجة صباح التالية الكثير من الجدل حين اقترنت بالفنان اللبناني الشاب فادي قنطار الشهير بـ فادي لبنان، وكانت تكبره بفرق عمر كبير، ثم انتشرت شائعة بعد طلاقها أنها تريد الزواج بملك جمال لبنان عمر محيو، وكان عمره 25 عامًا، وتبين إنها كانت تساعده على دخول معترك الفن واختلقت قصة الحب والزواج لمساعدته في دخول الفن. في نهاية المطاف كانت آخر زيجات صباح من مصفف الشعر الخاص بها جوزيف غريب، وهي تبلغ من العمر 85 عاما.
رغم أن الحياة الشخصية للفنانة صباح، كانت سلسلة من المفاجآت الغريبة والمغامرات والمتناقضات؛ إلاّ أنها نجحت في أن تصبح نجمة فريدة لا تتكرر وواحدة من الأيقونات اللبنانية إلى جانب فيروز ووديع الصافي، كما حصدت العديد من الألقاب في حياتها مثل "الشحرورة، الصبوحة وصوت لبنان"، علاوة على دخولها موسوعة غينيس كصاحبة أكبر إرث فني في التاريخ، فقد قدمت 83 فيلمًا سينمائيًا، و27 مسرحية لبنانية، وما يزيد عن 3000 أغنية بين مصري ولبناني، وهي تعتبر ثاني فنانة عربية بعد أم كلثوم في أواخر الستينات تغني على مسرح الأولمبيا في باريس مع فرقة روميو لحود الاستعراضية في منتصف سبعينات القرن العشرين، وأول من وقفت على مسارح عالمية أخرى مثل أرناغري في نيويورك ودار الأوبرا في سيدني، وقصر الفنون في بلجيكا وقاعة ألبرت هول بلندن، وكذلك على مسارح لاس فيغاس وغيرها.

وصية
اختفت "الشحرورة" عن أضواء الشهرة والوسط الفني، بعد آخر أفلامها "ليلة بكى فيها القمر" مع حسين فهمي وعرض العام 1980 وكان مسك ختام مشوار صباح السينمائي في مصر، الذي أنهته نجمة وبطلة اولى كما بدأته نجمة وبطلة أولى منذ فيلها الأول "القلب له واحد" العام 1945. وجاء هذا الاختفاء بسبب تقدمها في العمر، لكن المواقف الأليمة في حياتها لم تختف، فقد أصيبت ابنتها هويدا بأزمة صحية نتيجة إدمانها المخدرات في العام 2006، وبدافع من أمومتها وجدت صباح نفسها مضطرة إلى بيع منزلها والإقامة في فندق لتسدد تكاليف إدخال ابنتها مصحة في كاليفورنيا بالولايات المتحدة، وبعد ثلاثة أعوام كانت صحة ابنتها بدأت تتحسن وبالتالي قررت أمها إعادتها للعيش معها في لبنان.
ورغم ابتعادها عن الأضواء ظلت أغنيات صباح وأفلامها وسيرتها حاضرة، وكانت محظوظة لتعيش وتشاهد جميع حلقات مسلسل تلفزيوني عن سيرة حياتها بعنوان "الشحرورة"، عرض في رمضان العام 2011، وجسدت المطربة اللبنانية كارول سماحة دورها في المسلسل.
وقبل بزوغ شمس الأربعاء، 26 نوفمبر 2014، فارقت الفنانة صباح الحياة في مقر إقامتها عن عمر ناهز 87 عامًا، ليسدل الستار على مسيرتها الفنية وحياتها الشخصية المثيرة، وكانت جنازتها من أغرب الجنازات في العالم؛ فالفنانة الراحلة، التي لطالما أحبت الحياة وكرهت الموت، كانت أوصت قبل موتها بأن لا يحزنوا عليها وأنها تريد أن تُشيَّع على أنغام أعمالها، وهذا ما تمَّ تنفيذه من قبل الشعب اللبناني وأهلها، حيث أن جنازتها امتلأت بأغنياتها والرقصات الشعبية.
آخر الأخبار