الاثنين 30 يونيو 2025
35°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة

ضربة فأس غيرت حياة قرية

Time
الأربعاء 25 أغسطس 2021
View
5
السياسة
محمد الفوزان

داشرات مانجي، عامل هندي، ضرب مثالا للحب والوفاء لزوجته، كافح 22 عاما ليشق نفقاً في الجبل ويختصر المسافة من 70 كيلومترا إلى سبعة بمعوله، ولم ييأس ولم تخر همته.
ففي قرية صغيرة في منطقة جايا بولاية بيهار الهندية، في تلك البقعة النائية والمعزولة عن العالم، حيث يتوجب على قاطنيها السير 70 كيلومترا إلى أقرب بلدة، عبر طريق وعرة حول الجبل الذي يفصل بين القرية وبين أقرب نقطة تنبض بالحياة ومظاهر العيش.
كان مانجي يعمل في أحد مناجم الفحم، واعتادت زوجته الذهاب إليه يوميًا بالطعام، واستمرت الحال سنوات، والرجل يكافح من أجل لقمة العيش، والزوجة ما زالت على إخلاصها تذهب حاملة الطعام لزوجها.
وفي يوم من الأيام وأثناء ذهابها، وخلال مرورها بأحد المنحدرات الجبلية الوعرة، انزلقت قدمها لتقع أرضًا وهي تنزف بشدة، فتجمع سكان القرية حولها وحملوها إلى منزلها، واخبروا زوجها.
وما إن وصل الخبر إلى مسامعه، حتى أخذ يسابق الريح من أجلها، ليجدها راقدة على الفراش مثخنة بالجراح وتنزف بشدة، وكان أقرب مستشفى في بلدة جاهلور الصغيرة، ويفصل بينهما جبل يحتاج للاستدارة حوله، وبالتالي يتعذر على سيارة الإسعاف الوصول إليهم بسرعة، وأيضًا لم يكن بمقدور أحدهم أن ينقلها، وفارقت الزوجة الحياة في اليوم التالي، متأثرة بجراحها.
ظل الرجل قابعًا في منزله لا يخرج ولا يحدِّث أحداً، بالكاد يأكل ويشرب ما يبقيه قيد الحياة، حتى اهتدى إلى فكرة غريبة شبه مستحيلة لتكريم زوجته.
فوجئ الجيران به خارجا من كوخه حاملا فأسه؛ سألوه: إلى أين؟ فقال: أنا ذاهب لإزالة العائق الذي منع إنقاذ زوجتي، إلى الجبل الذي يفصل قريتنا عن المدينة الأخرى، وقد كان من قبل طلب من الحكومة أن تشق نفقا في الجبل لاختصار الطريق إلى القرية حتى لا تتكرر هذه الحادثة لأناس آخرين، ولكنها تجاهلته.
سخر منه الجميع واتهموه بالجنون، وقالوا إنه فقد عقله بعد وفاة زوجته.
في 12 مايو 1982 ضرب داشرات ضربته الأخيرة معلنا انتهاء شق النفق، ولقد أمضى هذا الفلاح 22 عاما (منذ 1960) يحفر في الجبل، يوميا من الصباح إلى المساء، من دون كلل، ولا يملك إلا فأسه ومعوله وإرادة تواجه الجبال وصورة زوجته في ذهنه، وهي تموت بين يديه.
نجح في الأخير في شق طريق في الجبل بطول 110 أمتار، وبعرض 9 أمتار، وبارتفاع 7 أمتار، لتصبح المسافة بين قريته والمدينة فقط سبعة كيلومترات، وأصبح باستطاعة الأطفال الذهاب إلى المدرسة وبإمكان الإسعاف الوصول في الوقت المناسب.
لقد فعل داشرات بيديه العاريتين وبإرادته التي تغلب الجبال لمدة 22 عاما ما كانت تستطيع أن تفعله الحكومة في ثلاثة اشهر، وقد سمي هذا الفلاح "رجل الجبل".
ما أنجزه مانجي، دفع الولاية لمنحه قطعة أرض مساحتها 10 أفدنة تقديرا لجهوده، لكنه لم يتردد بالتبرع بها لبناء مستشفى في قريته يخدم الجميع، وقد سمي على اسمه تكريما له.
اليوم تغيرت حياة القرويين في هذه البلدة المعزولة، فقد توفرت فرص العمل لسكانها، وتيسر للمرضى الوصول إلى الطبيب في الوقت المناسب.
مات مانجي في يوم 17 أغسطس من عام 2007، لكن الطريق الذي شقه في الجبل مازال حاضرا في ضمير العالم أجمع، لأنه أثبت أن كلمة "مستحيل" يمكن أن تختفي تماما عندما يكون الهدف واضحا والإرادة حاضرة.
لدى كلّ إنسان منا أهداف وطموحات يحلم ويسعى للوصول إليها، ولكي يستطيع الوصول إليها تلزمه قوة الإرادة النابعة من داخله لتدفعه نحو أهدافه وغاياته في الحياة؛ ولكي يحقق ذلك عليه أن يؤمن بقدراته.
أقول للشباب: إذا كانت هناك هدية يمكنك أن تقدمها لنفسك فلن يكون أفضل من قوة عزيمة وإرادة تجاه هدف مشروع قد اتخذت قراراً لتحقيقه، قال تعالى:"فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ"(آل عمران:159).
بلا هذه القوة لن تستطيع الصمود أمام المواقف الصعبة، واحرص على تعليم نفسك الإرادة، فلا شيء يمنعك عن تحقيق أهدافك سوى عدم وجود قوة عزيمة وإصرار، وبذلك ستحقق كل ما تطمح إليه في حياتك بتوفيق الله تعالى لك.
آخر الأخبار