منوعات
طرائف الجاحظ
الخميس 30 مايو 2019
190
السياسة
إعداد – إسلام مصطفى: يحفل التاريخ العربي بالنوادر، التي قلما يوجد مثلها في أمم أخرى، نظرا لما يتمتع به العرب من خفة ظل، حتى أنهم سخروا الشعر في كثير من هذه المواقف فتحولت بها إلى نادرة، "السياسة" طافت عبر تاريخ العرب قديمه وحديثه وقطفت بعض هذه النوادر لتقدمها للقارئ حتى ترسم على ملامحه البسمات.الجاحظ واحد من كتاب الأدب الساخر، روى الكثير من الطرف التي وقعت قديمًا، ولم يكن الجاحظ ناقلًا للطرائف فقط، بل كان له نصيب منها حيث عاش مجموعة من الطرائف التي دونها في كتبه، تارة لبشاعة وجهه وتارة أخرى لصعوبة نطق اسمه، وهذه الطرائف رسمت البسمة على وجوه الكثيرين.ذات مرة كان الجاحظ واقفًا على باب داره، أقبلت عليه امرأة مسرعة، وقالت له: لي إليك حاجة، وأريد أن تسير معي، فلم يمانع الجاحظ وذهب معها إلى أن أتت إلى صائغ يهودي، وقالت له: مثل هذا، وتركته وانصرفت. استعجب الجاحظ من فعلها، وسأل الصائغ عن سبب ما فعلته، ولماذا قالت هذا الحكي وانصرفت؟ فقال له الصائغ: لا مؤاخذة يا سيدي، إنها أتت إليّ بحصى، وأمرتني أن أنقش لها عليها صورة شيطان، وقلت لها: يا سيدتي ما رأيت شيطانا من قبل، فأتت بك إلى هنا، وكان ما سمعت.ومن الطرائف التي تعرض لها الجاحظ أيضًا ما حكي عنه، بأنه في أحد الأيام كان متوجهًا إلى اليمن، وجرته قدماه إلى أسواقها بعدما طاف في الكثير من أحيائها، إلا أنه فوجئ بنفور الناس منه والابتعاد عن المكان الموجود فيه، وذلك لبشاعة وجهه، ولم يستضفه أحد من أهل اليمن رغم ما هو معروف عنهم من أنهم أهل كرم. غضب الجاحظ مما رآه من شعب اليمن، وقرر العودة إلى البصرة، وبينما هو في طريقه إليها التقى أحد رفاقه وسأله عن حال اليمن وأهلها، سكت الجاحظ برهة، ونظر إليه وأجابه ببيتين أخرج فيهما أحاسيسه الدفينة مما لقاه منهم: منذ أتيت اليمنا لم أر وجهًا حسنًاقبح الله بلدة أجمل من فيها أناالسخرية والطرائف التي عاشها الجاحظ لم تقف عند الناس فقط، بل تعدت ذلك إلى غلامه، الذي سخر منه في الكثير من المرات، ففي أحد الأيام حضر إليه قوم فخرج إليهم غلامه، ولما سألوه: يا فتى أين سيدك؟ فأجابهم الغلام: إنه في الدار، فقالوا له: وماذا يصنع، أبلغه إننا نريده، فأجابهم: إنه يكذب على نفسه، فتعجب القوم من جواب الفتى، وسألوه كيف ذلك؟ فقال لهم: انه ينظر في المرآة مليًا ثم يقول: أحمدك ربي لأنك صورتني جميلًا.وذات يوم أتته امرأة وهو في خيمته على ضفاف النهر، وكانت المرأة طويلة جدًا بينما الجاحظ كان قصير القامة فضلًا عن قبح شكله، وكان جالسا يتناول طعامه، فأراد أن يمازحها على طولها بقوله: انزلي كُلي معنا، فقالت له ساخرة من قصره الشديد: اصعد أنت حتى ترى الدنيا!وكان الجاحظ يتعرض لبعض الطرائف بسبب اسمه الصعب على البعض، وهذا ما حدث له مع إحدى الجواري، إذ يروي الجاحظ انه ذات يوم ذهب إلى منزل صديق له وطرق الباب، فخرجت إليه جارية سندية، فقال لها: قولي لسيدك الجاحظ بالباب، فقالت له، وهي تفتح عينيها من الدهشة: أقول الجاحد بالباب؟ بحسب لغتها، فقال لها: لا، قولي له: الحدقي بالباب! فاستثقلت ذلك أيضًا، وقالت له: أقول: الحلقي بالباب؟ فقال لها: لا تقولي شيئًا ورجع.