طور سينين

أشياء أقسم بها الله في القرآن

كتب ـ محمود خليل:

"نزل القرآن الكريم بلغة العرب ومن عاداتهم القسم إذا أرادوا تأكيد أمر، وقد جرى القران الكريم على هذا النحو، فاستخدم صيغا متعددة للقسم، منها ماهو ملموس وما هو معنوي، فما الأشياء التي استخدمها الله تعالى في القسم وما دلالاتها ؟"

طور سينين
أقسم الله بـ "طور سينين" في قوله تعالى: "وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ"، وقد جاء هذا القسم في سورة "التين" التي يبلغُ عدد آياتها، ثمانِ آياتٍ، تقعُ في الربع السابع، من الحزب الستّين، في الجزء الثلاثين، وهي من السور المكية القصيرة، تدور آياتها حول تكريم الله للإنسان، والإيمان بالحساب والجزاء، بعد البعث من القبور يوم القيامة، كما أشارت إلى نوعيْن من النبات، التين والزيتون، ثم جاء بعدهما عطفا عليهما مكان وهو، "وَطُورِ سِينِينَ"، أي أن الله تعالى أقسم بهذا المكان، مما يشير إلى قدسيته وأهميته.
وكلمة "سينين" ليست مشتقة من كلمة سنة، وليست كلمة عربية، ويقال إنها بلغة السريانية، لكنها "اسم علم"، وردت في القرآن الكريم باسمين، "سينين وسيناء"، ففي سورة "المؤمنون"، يقول الله تعالى: "وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ"، وجاءت كقسم أيضا في سورة الطور، في قوله تعالى: "وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ"، والطور هو الجبل، وكل جبل بـ "لغة النبط" الكنعانيين، كان عليه ما ينتفع به من النبات والشجر يسمّى "طور"، لكن الله تعالى يعني به، في السورة الكريمة، الجبل الذي كلم عليه موسى، بأرض مدين، لقوله تعالى: "وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا"، ويقول آخرون إن سينين تعني مبارك حسن، بينما يقول البعض إنها لغة الحبشة، إذ يقولون للشيء الحسن،"سِينا سِينا".
لذا، فالمقصود بطور سينين طور سيناء، وهو جبل أو سلسلة من الجبال، يقع في شبه جزيرة سيناء المصرية، التي تربط بين قارتي آسيا وإفريقيا، وورد ذكره في القرآن والتوراة، وفيه كلم الله تعالى سيدنا موسى، لقوله تعالى: "وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ"، أي انه المكان الذي تجلى فيه رب العزة على الجبل فدك دكا، وما زال الجبل حتى اليوم فيه آثار انهياره.
يروى أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، سُئل عن الوادي المقدس: لِمَ سمي المقدس؟ قال: "لأنه قُدّست فيه الأرواح، واصطفيت فيه الملائكة، وكلّم الله فيه موسى تكليماً"، وهذا سبب قداسة هذا الجبل، لذا ورد ذكره في الشعر والأدب، كما روي عن عدد من أصحاب السنن مثل الإمام الطبراني والإمام البيهقي والإمام البزار أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) زار جبل طور سيناء أثناء عودته من رحلة الإسراء والمعراج، ليس هذا فقط، بل هناك روايات عدة ترجح أن النبي كان قد زاره قبل النبوة أثناء رحلاته التجارية إلى الشام، والتقى برهبان دير سانت كاترين، وناقشهم في أمور العقيدة والديانات، وبعد بعثته (صلى الله عليه وسلم)، راسلوه فأعطاهم وثيقة الأمان المعروفة، والمحفوظة حتى اليوم بالدير وعليه آثار يده الشريفة، ويقال إن سيدنا موسى توفي في طور سيناء.
تتمتع منطقة طور سيناء بمكانة دينية وروحانية كبيرة، سميت المنطقة باسمها "مدينة الطور"، تقع بالقرب من جبل الطور، وهي عاصمة محافظة جنوب سيناء، وهي من المدن الشهيرة تاريخيا، توجد بها مناطق حمامات موسى، يرجع تاريخها إلى عصر قدماء المصريين، كما توجد بها آثار إسلامية في منطقة الكيلاني، إذ كانت وقتها الميناء الرئيسي على البحر الأحمر، خلال العصر المملوكي، ثم تحولت التجارة من ميناء الطور إلى ميناء السويس خلال العصر العثماني، وفي عام 1858 أسس سعيد باشا الحجر الصحي للحجاج بمدينة الطور.
يوجد بالمدينة أيضا جامع قلعة، كما عثر الباحثون في المدينة على العديد من النقود الفضية والنحاسية التي تعود لعهد الرومان والبيزنطيين، وعهد محمد علي، كما تتدفق المياه الكبريتية الساخنة، 37 درجة مئوية، من خمس عيون، تصب في حمام على شكل حوض، تستخدم في شفاء العديد من أمراض الروماتيزم، الأمراض الجلدية، وأمراض العظام.