الجمعة 03 يناير 2025
15°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
طوفان التظاهرات… من العربية إلى العالمية در
play icon
كل الآراء

طوفان التظاهرات… من العربية إلى العالمية در

Time
السبت 18 نوفمبر 2023
View
122
sulieman

بعد اتفاقية أوسلو عام 1993، بدأت الدول الغربية بالإعلان عن ان قضية احتلال فلسطين أصبحت قضية فلسطينية خالصة، ولم تعد عربية كما كانت منذ النكبة 1948، والحروب التي تلتها خلال المد القومي العربي.
واليوم وبعد "طوفان الأقصى" والتظاهرات الدولية العارمة، التي تجاوزت حجم تظاهرات حرب فيتنام، فإن القضية الفلسطينية أصبحت قضية أممية وعالمية، متجاوزة محاولات تحويلها شأنا فلسطينيا داخليا.
حاول الثعلب العجوز (كما يسمى) هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي السابق في مقابلة له قبل أيام في صحيفة "بوليتيكو" الأوروبية أن يهرب من هذا الواقع حين سئل حول ضخامة التظاهرات المؤيدة لفسلطين وغزة في ألمانيا بالقول: "ألمانيا سمحت بدخول الكثير من الأجانب والمهاجرين"، وهو تصريح هروب من الباب الخلفي، ويعني به أن التتظاهرين هم عرب، وأن القضية لم تتحول إلى الآن دولية وأممية.
وهو أمر لم يمارسه كسينجر وحده، إنما مارسته ولا تزال الدول الأوروبية والغربية، والأمثلة في ذلك تكاد لا تحصى مع أن الاعتداء الإسرائيلي تجاوز الشهر ونصف الشهر.
ومن الأمثلة الصارخة التي تحاول منع تحول القضية عالمية في وعي الجيل زد (Z) هي الجامعات والضغوط الصهيونية عليها، وعلى سبيل المثال لا الحصر، انسحب الأثرياء الداعمون للكيان الصهيوني من تقديم أي دعم للمنح وغيرها في جامعة "هارفرد" وذلك بسبب التظاهرات المؤيدة لفلسطين داخل الحرم الجامعي.
وفي طليعة الأثرياء الملياردير كينيث غريفين، والأمثلة تتعدى الجامعات لتصل إلى قوانين تجريم المظاهرات تحت عنوان "معاداة السامية"، وصولا إلى تكميم الأفواه التي تمارسه مثلا شركة "ميتا" وغيرها على أدوات التواصل الإجتماعي، لكن رغم ذلك تجد أن التظاهرات تزداد حجما ونوعا في جميع أرجاء المعمورة، لكن ما أهمية ذلك، وما دلالاته؟
قبل الإشارة لبعض أهمية ودلالات عالمية التظاهرات المؤيدة لفلسطين وأمميتها، لا بد من الإشارة إلى أنه لولا المقاومة الفلسطينية ومحورها لما تحولت التظاهرات لما هي عليه اليوم، ولانتهت قضية غزة بالإبادة الشاملة منذ الأيام الأولى، وبسرعة ودون ان تكون وعي عالمي بالقضية، فمقاومة الاحتلال الشرسة مع وجود الأسرى الصهاينة في قبضتها أطال من عمر الاعتداء الاسرائيلي، الذي بدوره كون الوعي الشعبي العالمي.
التظاهرات في الدول تعد وكأنها استفتاء شعبيا حول قضية ما، وحجمها يبين أهمية هذه القضية، وانعكاس ذلك في العدوان الاسرائيلي بدا واضحا في الأيام الأخيرة في الخطاب الرسمي، فقد انخفض سقف الأهداف، والتأييد للكيان المحتل، فبتنا نسمع اقتراحات عن هدن إنسانية، وإداخل مساعدات وخلافات داخل أروقة وزارة الخارجية الأميركية وبعض الدول الأوروبية، والبارز هو الإعتراف الرسمي بـ"الضحايا" الفلسطينيين وحجم الدمار.
وهكذا الأمر في كلمات الرؤساء العرب في القمة الأخيرة، وباختصار دفعت، ولا تزال تدفع، التظاهرات حكوماتها نحو تغيير بعض سياساتها تجاه الدعم الأعمى للإجرام الصهيوني.
من أهمية عالمية التظاهرات، أيضا، أنها كسرت السردية الغربية حول الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، وكشفت الكثير من الـ"بروباغندا" الغربية المضللة، بل شككت في مجمل الدعاية الغربية، ما دفع بعض تلك الدول إلى التساؤل بشأن صدقية الرواية الأميركية والاوروبية حول الحرب الروسية- الاوكرانية، وحول ما يسمى "معاداة السامية"، والذي تحول حجابا تمرر عبرها الصواريخ، والأسلحة، والمال إلى الكيان المحتل.
في الداخل العربي، كشف التفاعل العالمي مع القضية جوقة من الفئات، منها فقهاء المال والسلطة، والمستعربين، أي العرب المدافعين عن الصهاينة، وبعض المؤسسات المدنية، أبرزها جمعيات حقوق الإنسان وشاكلاتها، وفضح بعض الأدوات الرخيصة التي يستعملها البعض، مثل الأحكام الشرعية للتظاهرات، والطائفية في دعم القضية، وغيرها من الأدوات.
وفي المقابل، أثبتت هذه التظاهرات أن القضية الفلسطينية هي بوصلة ليست للعرب فق، بل للعالم، فكما وحدت فلسطين القوميين والإسلاميين العرب، وتماهت القوى السنية والشيعة من أجل فلسطين، كذلك نجد في الدول الاوروبية توحد بعض قوى اليسار مع الوسط في دعم القضية.
ومعروف أن اليسار الأوروبي قبل "طوفان الأقصى" كان يقارب في بعض سلوكياته الخطاب اليميني المتطرف بسبب قضية المهاجرين، وصداها في المجتمعات الاوروبية.
وباختصار، فإن للتظاهرات دلالات أيضا، منها أن المقاومة دفعت وخلقت أنسنة للوعي العالمي، وأن وسائل التواصل الإجتماعي أهم وسيلة للوعي رغم المنع، وأن الجيل الحالي رغم محاولات تمييعه وتحويله سلعة، أثبت أنه إنسان بكامل ما للإنسانية من معنى.

كاتب كويتي

أحمد غلوم بن علي

آخر الأخبار