الخميس 19 سبتمبر 2024
30°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

عائشة البصيري: أنا والرجل في خندق واحد ضد الظلم والحروب

Time
الأحد 06 مايو 2018
View
5
السياسة
القاهرة - رحاب أبو القاسم حامد:


كاتبة مغربية تنوعت كتاباتها بين الشعر، الرواية، النقد، صنعت لنفسها بصمة وسط كتاب جيلها، ترجمت معظم كتاباتها إلى اللغات الإنكليزية، الفرنسية، الإسبانية، تكتب لمتعتها الشخصية، يشغلها وضع المرأة العربية.
تعتبر حصولها على الجائزة الثانية لـ»سيمون لاندراي للشعر النسائي»، في دورتها الخامسة عشرة، نقطة ضوء في مسارها الإبداعي، محفزا لاستمرارها في كتابة الشعر الذي أهملته لصالح الرواية، تسعى إلى نسج علاقات إنسانية بلا حدود عقائدية أو سياسية في قصائدها.
حول انتاجها الإبداعي، جوائزها، التقت «السياسة»، الكاتبة والشاعرة المغربية «عائشة البصري»، في هذا الحوار.
لماذا بدأت بالشعر ثم اتجهت الى الرواية؟
أن يكتب شاعر رواية هو إثراء مضاعف، عدد كبير من كتاب الرواية في القرن العشرين قدِموا من الشعر، مثل، خوسي سراماغو، بول أوستير، الطاهر بنجلون، ميشيل بوتور، بيتر هاندك، غونتر غراس، وغيرهم، بل فيهم من ظل يكتب الشعر والرواية في وقت واحد، من بينهم من عاد إلى الشعر بعد أن حقق منجزات باهرة في الكتابة الروائية، الشاعر أو الكاتب لا يختار الشكل مسبقا. هناك قضايا وانشغالات تختار شكلها الملائم، غونتر غراس عندما نشر قصيدة «ما يجب أن يقال»، أثارت زوبعة كبيرة، خصوصا في إسرائيل، لم يستغرق وقتا طويلا ليؤلف رواية كي يعبر عن غضبه. النص الأدبي يجب قراءته في بعده وقيمته الأدبية والإنسانية.
هل انتابك خوف من تقبل جمهورك لهذه الخطوة؟
كتابة الرواية لم تكن بالنسبة لي تكتيكا، أو تحريضا لجنس ضد آخر، أو موضة يَتبعها الشعراء حاليا كما يروج البعض. كانت الرواية لحظة وليدة، لحظة خاصة جدا، تجربة موت لم يحسم، لا علاقة لها بالجو الثقافي العام. في هذه اللحظة أحسست بحاجة لمساحة أكبر لأكتب شهادة صريحة عن الحياة أو بالأحرى لأعيد صياغة كلام بوضوح أكثر. كثيرا ما نختبئ نحن الشاعرات خلف قناع المجار نكتفي بالإيحاءات، دون أن نجرؤ على عري الكلام.إنه الفضاء الملتبس بين الموت والحياة الذي أقمت به هو الذي أغراني بتأثيثه بأحداث وشخصيات رواية مؤجلة منذ سنوات.
كيف تصنعين شخصيات رواياتك؟
أصبحت الحياة بالنسبة لي علامة استفهام كبيرة، حين يرفضنا الواقع أو يصبح من الصعب أن نتكيف معه نبحث عن انتماء ما في الرواية، نخلق شخصيات ونجعل منها آباء، أخوالا، أعماما، إخوة، أحبة، وكذلك أعداء، نبني فضاءات نسكنها، شوارع، أحياء، مدنا نفترضها، هكذا دخلت السرد بـ «ليالي الحرير»، كما خضت تجربة القصة القصيرة، فأصدرت مؤخرا مجموعة قصصية «بنات الكرز»، كتجربة سردية مغايرة.

واقع مجحف
عم تدور أحداث روايتك الأخيرة ؟
«حفيدات غريتا غاربو»، حكاية ثماني نساء ينتمين إلى شرائح مختلفة من المجتمع المغربي، انتهين إلى الجنون، كل منهن سلكت طريقا مختلفا لتصل إلى مشفى الله للأمراض النفسية، اقتسمن الجناح «ل»، المخصص للحالات غير العنيفة، بدل الأسماء حملن أرقام الغرف بالإضافة لألقاب اكتسبنها في المستشفى، «المناضلة، العانس، الكاتبة، الخنثى، امرأة بوغابة، السكرتيرة، امرأة الرواية «، جاءت الرواية ضاجة بغضب نساء عانين من واقع مجحف حوَّل حيواتهن إلى جحيم لا يحتمل، فهربن نحو الجنون والغضب، جنونا قصيرا، كما قال هوراس شاعر روما القديم. كل هذه الأصوات المثخنة بالجراح الناطقة بالألم، تسكن رواية بلا ذاكرة، رواية غارقة في النسيان، لأن الساردة تكتب من شظايا ذاكرات هؤلاء النساء.
ماذا عن شخصية الطبيب «خوان رودريغو أمية»؟
طبيب إسباني جاء للمغرب في بداية السبعينات عن طريق الإعارة ليشتغل طيلة عشرين سنة متنقلا بين مستشفيات بشمال المغرب. يلتحق آخر المطاف بمستشفى الرازي للأمراض العقلية في الرباط. هذه الشخصية الملتبسة والمتعددة، كانت مغرية كأفضل ذريعة لتناول واقع المرأة العربية الملتبس والمعقد، الذي من الطبيعي أن أهتم به، كمجال أقرب، هم يثقل كتاباتي حتى الشعرية منها، في الأخير تظل حقيقته غامضة في انتظار رواية ثالثة، بعنوان « كجثة في رواية بوليسية».
لماذا اخترت الممثلة الأميركية «غريتا غاربو « لتكون عنوان روايتك ؟
اختيار هذه الممثلة ذات الأصل السويدي لم يكن اعتباطيا، بل كان استنادا للتشابه بين شخصية الممثلة وشخصيات الرواية، فواحدة تشبهها في الاكتئاب المزمن، أخرى في العزلة، ثالثة في الغموض، كذلك التشابه في التباس الميول الجنسي بينها وبين شخصيتين رئيسيتين في الرواية، الخنثى والطبيب خوان، فقد جمعت غريتا غاربو بين العدد من السمات المتناقضة، غلب عليها الحياء، لكنها كانت أشهر ممثلات الإغراء.
ألهذا السبب جذبتك شخصيتها؟
نسجت حول حياتها الشخصية سلسلة من الفضائح، لكنها بدت في أعين الكثيرين كأنها قديسة. جذبت ملايين الناس إليها، أحاطت حياتها بحالة من الغموض حتى وفاتها في سن الرابعة والثمانين. تركت وراءها لغزها وغموضها ولقب «المرأة الغامضة». سنة 2005 برزت إلى السطح خطابات غرامية موقعة باسمها موجهة إلى الممثلة ميمي بولاك في الفترة ما بين العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين.
لماذا يصف البعض أحداث الرواية بـ «الصادمة»؟
أعترف أن الرواية كانت صادمة للبعض، لما فيها من تعرية لواقع المرأة العربية، كانت مؤلمة حد البكاء للبعض الآخر، حسب بعض الرسائل التي وصلتني، أعتذر للقراء عن كمية الألم في الرواية، لم تكن لتُكتب إلا في غياب العقل.
لماذا؟
لافتقاد شجاعة النظر مباشرة في مرآة الواقع، فظاعة الألم الذي تحتويها الأحداث.
لماذا اخترت أرقاما وليست عناوين لفصول الرواية؟
عنوَنَتْ الفصول بأرقام غرف، تقنية مقصودة للانتقال من شخصية إلى أخرى بسلاسة، انتقاء الغرفة في حد ذاتها كفضاء مغلق، للنظر إلى أعماق الشخصيات وتحليلها، انطلاقا من حيز «جيوميتري» ضيق الأبعاد فيه تحدٍّ، لنقل أنه تأثير أعمال كبرى نجحت في هذا المجال، كرواية «المسخ» لفرانز كافكا ورواية «النفق» لأرنيستو ساباتو، كما أن النزيلات لا يحملن أسماء، إنما ألقابا، لأنهن يعانين من فقدان جزئي في الذاكرة، أسماؤهن ضاعت في متاهة الجنون.
ما رسالتك لقارئ الرواية؟
كتاباتي الشعرية والسردية، حتى المقالة الصحافية، محاولة تحسيس المجتمع بالواقع المجحف للمرأة، موجهة للرجال أكثر منها للنساء، النساء يعرفن أكثر واقعهن ويعشنه يوميا.
هل تتعمدين أن تكون رواياتك نسائية؟
إذا لم نكتب نحن الكاتبات عن واقع المرأة فمن سيكتب عنها، إذا لم ندافع عن مشروعيتنا في التواجد الثقافي، الاجتماعي، السياسي، فمن سيقوم بذلك، أقصد في العالم العربي. مع ذلك لا أستطيع تصنيف نفسي ككاتبة نسائية، بالمعنى النضالي السياسي المباشر، لأنني أهادن أكثر مما أهاجم، تربيتي السياسية في حزب يساري، علمتني أنني أنا والرجل في خندق واحد ضد الظلم، التمييز، الحروب، لا أعلق أخطاء المجتمع على الرجل وحده لأن المجتمع يتكون من رجال ونساء.
هل الكتابة إفراغ لما ما بداخلك من قضايا ومشكلات مجتمعية؟
للكتابة الإبداعية كيمياؤها الخاصة، حين نجلس أمام الورقة، لا نقصد الكتابة عن قضايا ومشكلات مجتمعية، رغم أن لكل منا مواقفه من الحياة الاجتماعية والسياسية، جموح السرد لا يمكن التحكم فيه، للمخيلة مقالبها وجنونها، تأخذ الكاتب إلى مناطق لا يعرف هو نفسه كيف وصل إليها، يعجز عن تفسير الأحداث والشخصيات التي خلقها هو نفسه بقلمه.

مناطق محظورة
هل توجد مناطق محظورة في كتاباتك ؟
أمارس رقابة ذاتية على كتاباتي بعد الانتهاء من نص معين. صحيح أن الحرية شرط أساسي للكتابة، لكن لديَّ طرقا عدة للتحايل على الرقيب أستعملها بحذر ومرونة، ففي «حفيدات غريتا غاربو»، تناولت المثلية الجنسية دون أن أستفز أحدا، الحريات العربية ما زالت تعاني من القيود في جميع المجالات، منها الأدب، في ظل ما نعيشه الآن من ردة، مطالبون ككتاب، بالمحافظة على المكتسبات التي ناضلنا من أجلها في السابق، لا يجب افتعال مواقف صدامية تهدم كل ما بناه آخرون بجهدهم و حياتهم.
ما علاقتك بشخصيات رواياتك؟
يوجد دائما رابط بين النص الأدبي وكاتبه، مهما حاولنا الابتعاد والتمويه، من الممكن أن نقول أن هذا الرابط يشبه الحبل السري للمولود، هذا الحبل ينتهي دوره بالولادة، لكن تظل الجينات التي يرثها النص عن كاتبه بعد النشر، في «حفيدات غريتا غاربو»، بذلتُ جهدا مضاعفا كي أبعد شخصيتي عن الشخصيات النسائية الثمانية، خصوصا عن شخصية الكاتبة، الأكيد أن كل شخصية أخذت ملمحا مني، لعل هذا ما كان يقصده الكاتب الفرنسي جوستاف فلوبير، حين قال عن روايته، «مدام بوفاري»، «إيما بوفاري هي أنا».
لماذا يعتقد البعض أن محور كتابات حول علاقتها بالرجل ؟
ربما كان هذا الكلام بمرحلة سابقة في الكتابات النسائية العربية، مرحلة كانت طبيعية في البدايات، اليوم أغلب الروايات، القصائد، القصص، التي تكتبها نساء، تتطرق لموضوعات وتيمات خارجة عن هذه الثنائية، الباحث في الإبداع العربي سيلاحظ هذا التحول جليا.
ماذا يميز قلمك عن باقي الكاتبات؟
الناقد وحده هو من له القدرة للإجابة عن هذا السؤال، لم أرتد يوما جبة الناقد أمام نصوص الآخرين، فبالأحرى أمام نصوصي، لا أستطيع أن أحدد نقاط الاختلاف والتشابه بين ما أكتب وما يكتبه الآخرون، كتابا كانوا أم كاتبات.
هل تعتبر ترجمة أعمالك إلى لغات أجنبية أخرى إضافة لكِ؟
صحيح أن تجربتي حظيت إلى الآن بإحدى عشر ترجمة، لكن الترجمة حسب رأيي ليست مشروعا شخصيا يخص الكاتب وحده، بل هي انتقال نص بكل حمولاته اللغوية والإنسانية إلى لغة أخرى، تستقبل النص في كليته، ما يعني انتقال ثقافة مجتمع بكاملها، فالترجمة قنطرة بين ثقافتين، كما أن ترجمة كاتب ليست دائما مقياسا لجودة ما يكتب. أما ما قدمته الترجمة لتجربتي فهو كثير، بطبيعة الحال كلما صدر كتاب في بلد ما، يفتح أمامي الأبواب الثقافية للبلد «مهرجانات، لقاءات..»، خصوصا إذا كان الكاتب يتكلم تلك اللغة. الترجمة الإسبانية أتاحت لي الاقتراب أكثر من أدب أميركا اللاتينية بكل ثرائه وتنوعه الثقافي، بما فيه من شعر الأقليات الهندية، التلاقح الثقافي عبر الترجمة مهم للكاتب وإلا سيظل سجين لغته.

ميثولوجيا الجسد
ماذا عن فوزك بالجائزة الثانية لجائزة سيمون لاندري للشعر النسائي؟
فزت بالجائزة العام 2017 في دورتها الـ15، عن قصيدتي «ميثولوجيا الجسد» و»تمارين على الوحدة»، هذه الجائزة أسست تكريما لجميع النساء ولالتزاماتهن في الحياة، مشهورات أو مغمورات، نساء رسمن الطرق التي نمشيها الآن، التي ستمشيها الأجيال القادمة، بما أن الشعر هو الفضاء الحر للتعبير والسعي نحو التغيير والتحسيس بوضعية المرأة، فقد خصصت جائزة للشعر، تحمل اسم «سيمون لاندراي»، الممثلة، الكاتبة، الناشطة في الحقل الحقوقي، عضو مؤسس لجمعية الأبحاث والدراسات النسائية، التي ولدت سنة 1930.
بمن تأثرت في كتاباتك؟
كثيرون، نحن لا نكتب من فراغ، الأدب نص إنساني، شارك فيه من سبقونا وسيكمل من سيأتون من بعدنا، مرجعياتي تتوزع بين ثلاث لغات، الفرنسية، العربية، الإسبانية، في الشعر يظل محمود درويش، منارتي الشعرية في العالم العربي. من الشعراء العالمين يانيس ريتسوس، بابلو نيروادا، في الرواية يظل كتاب أميركا اللاتينية مدرستي الأولى، غارسيا مركيز، بارغاس يوسا، خوان رولفو، ألليندي، الأميركي بول أوستير، إليف شفاق، أورهان باموك من تركيا..وغيرهم.
ما طموحاتك؟
بما أنني أكتب للمتعة الشخصية وليس لأهداف كبيرة كالتميز أو الجوائز، فطموحي أن يظل هذا النبع في داخلي ولا تخاصمني الكتابة يوما، صفاء روحي، توازني، رغبتي في الحياة، أستمدهم من عملية الكتابة، بطبعي لست اجتماعية، لا أحب ضجيج الخارج، أنا بيتوتية، أصدقائي هم شخصياتي، أتمنى أن تستمر هذه الشخصيات في حياتي.
ما أعمالك المقبلة؟
رواية «أوركيديا فبراير»، كعنوان مؤقت، تناقش معاناة النساء أثناء الحرب. حكاية حرب خلفية موازية ساحتها جسد المرأة. أغلب ما يصلنا عن ساحات الحروب يحكيه رجال وأنا سلمت دفة السرد لنساء. تقع أحداث الرواية بين المغرب، الفيتنام، الصين. انتهيت من كتابتها الأولية، بعد مراجعتها أحسست أنه ينقصها الجانب الروحي القوي الذي يطبع المجتمع الصيني. زرت الصين مؤخرا ولمست هذه الروح عن قرب، كما عدت بمادة وثائقية كخلفية تاريخية للمرحلة الزمنية التي تدور فيها أحداث الرواية، أتمنى أن أُوفق في هذا المشروع الروائي.

آخر الأخبار