الثلاثاء 08 يوليو 2025
37°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة

عاقبة المكر السيئ

Time
الأربعاء 09 فبراير 2022
View
5
السياسة
محمد الفوزان

تقول إحداهن:" أنا فتاة أنتمي لأسرة ريفية عادية متوسطة الحال، وأسكن الأرياف، عندما كان عمري 17 عاما تقدم لخطبتي شاب من عائلة ثرية
‏وأثنى أهلي عليه، وعرفت أن خطيبي هو الابن الثاني لأبيه، ‏حيث يكبره أخ، وهو الذي يدير ثروة أبيه من أراض زراعية.
‏أقام والده حفل زفاف كبيرا، حضره أهل القرية والقرى المجاورة، وانتقلت إلى بيتهم الواسع ذات الغرف المتعددة، ووجدت والدته سيدة رائعة، وأباه دمث الاخلاق، وشقيقه شاباً سمحاً.
‏بعد مضي عام على زواجنا، ‏أنجبت طفلاً جميلاً، وصار ابني شغل الاسرة الشاغل من الحنان والحب، وذات يوم وفي أثناء تناول طعام الغداء، فاتح الأب شقيق زوجي في مسألة الزواج الذي ‏كان يؤجله باستمرار،
‏وقال له:"نفسي أن أفرح بك مثل أخيك"؟
‏حدثتني نفسي أن أختار له العروس التي سوف يتزوجها على مزاجي، وصارحت زوجي بما يدور داخلي، وقلت له:" أنت الذي تدير أملاك أبيك ومن حقك أن تنال في النهاية هذا الإرث، ثم يكون لأولادك من بعدك، ولو تزوج أخوك وأنجب سيحصل ‏على نصف الميراث، وطالما أنه لا يفكر في الإنجاب ووصلت الأمور إلى حد الضغط عليه من أجل الارتباط، فسيوافق على من نختارها له"!
‏اقتنع زوجي بكلامي وسألني عن الفتاة التي أرشحها له؟
‏فقلت له:" أنها سيدة مطلقة لم تمكث مع زوجها سوى عام ونصف العام، ثم طلقها لعدم الانجاب، ‏مع أنها جميلة وتتمتع بالأخلاق الحميدة، علاوة على روحها المرحة، وهي تقترب في صفاتها من صفات شقيقك، وقد اخترتها بالذات حتى لا تنجب، وتكون تركة أبيك في النهاية لأولادك"!
‏ فوافقني على رأيي وتوليت مسؤولية اقناع أم زوجي بالعروس، فيما لم يتوقف شقيق زوجي عند مسألة طلاقها، بل أبدى سعادته بهذا الاختيار.
‏وخرج إلى المسجد لأداء صلاة العشاء، وتم عقد القران والزفاف وسط لقاء عائلي دون حفل، أحسست وقتها ‏بنشوة الانتصار، وبأن خطتي للاستئثار بالميراث تمضي كما رسمتها.
‏وعشنا معاً حياة مستقرة، لم يعكر صفوها شيئا، ومرض أبوزوجي وتوفاه الله، والتففنا حول أم زوجي وازددنا ترابطاً، ثم فوجئنا بما لم أتوقعه فقد حملت زوجة شقيق زوجي، فأخذت أضرب كفاً بكف، ‏كيف تحمل وهي عاقر، لقد كان السبب في طلاقها هو عدم الإنجاب؟
‏ووضعت زوجة شقيق زوجي توأمين جميلين، وكبر الولدان، وكلما شاهدتهما أمامي يمر برأسي شريط ‏الذكريات، وما كنت أرتب له بعد رحيل الكبار حين تصبح الأرض كلها ملكاً لأولادي.
‏ثم توالى إنجابها البنين والبنات، فانجبت ولداً ثالثاً وبنتين، في حين أنا توقف إنجابي تماماً، ‏ودارت السنون وصار الأولاد شباباً، وأصبحت أخاف على ابني من كل خطوة يخطوها حماية له، كان لدينا جرار زراعي، يعمل عليه في أرضنا الزراعية في أيام الإجازات الدراسية، وذات يوم أخذ الجرار، وذهب إلى الحقل، فصدمته سيارة نقل مسرعة في أحد المنعطفات، ورمته بعيداً عشرات الأمتار، وجاءنا الخبر المفجع، لقد صعدت روحه إلى بارئها!
‏دارت بي الأرض، وغبت عن الوعي، وأخضعوني للفحص الطبي، وشخصوا حالتي بأنها صدمة عصبية شديدة، وتلقيت علاجاً استمر مدة طويلة.
‏وبعد فترة قليلة توفي زوجي أيضاً، ولم أجد الى جواري سوى أبناء شقيقه الذين حاولت أن أمنع وجودهم في الحياة، ‏بالحيلة الدنيئة التي دبرتها، فإذا بالله عز وجل يُخلف ظني، وحدث ما حدث، وأفقد ابني الوحيد ليؤول كل شيء إلى أولاد شقيق زوجي الذين صاروا أولادي بالفعل بعد كل ما صنعوه لي.
‏لقد أراد الله أن أعيش لأرى كل من حولي يرحلون من الدنيا واحداً بعد آخر لكي أنال ‏العقاب الذي أستحقه في الدنيا، فلقد رحل شقيق زوجي، وبكيته كثيراً، ثم رحلت زوجته، وكنت إلى جوارها في اللحظات الأخيرة، وكان مشهد رحيلها مؤثراً في نفسي إلى حد لا أستطيع وصفه، إذ امتلأ وجهها نوراً، وكانت تتمتم قائلة:"الحمد لله"،وكررتها كثيراً، وكأنما كانت ترى ‏مقعدها في الجنة!
أعيش حاليا بين أبنائي، أقصد أبناء شقيق زوجي الراحل، وأنا بالنسبة لهم بمنزلة الأم، بل لا يتخطون خطوة واحدة في حياتهم إلا بعد استشارتي، ‏وكلما جاءني أحدهم ضاحكاً منادياً:" يا أمي"!
‏أقول في نفسي:"حكمتك يا رب".
‏إنه سبحانه وتعالى أراد لي أن أتعلم الدرس البليغ بأن الله يفعل ما يشاء، وأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، ‏ولقد تعلمته بالفعل، فمشيئة الله فوق كل تدبير.

إمام وخطيب
[email protected]
آخر الأخبار