السبت 28 سبتمبر 2024
33°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

عباس جواد: القلم سلاح فتاك... يخشاه المستبد ويحتكره الفاسد

Time
الأحد 08 يوليو 2018
View
5
السياسة
القاهرة أمل زيادة:

لم توقفه الحرب وبحور الدم عن تحقيق حلمه للالتحاق بدراسة الهندسة، اختار القلم سلاحا لينقل ويوثق تفاصيل التفاصيل التي تجعل القارئ يعايش الأحداث، يرى أن بلاده تجاهد لتقف على قدميها، بعد دحر الدواعش، لكنه يوقن أن داخل كل منا داعشي في الفساد والمحسوبية، لذا عليه أن يتغلب على أطماعه حتى يرتقي لصورة انسان.
حول روايته «أمطار كانون الثاني»، أجرت «السياسة»، هذا الحوار مع الكاتب العراقي عباس جواد.
ما القضية التي تعالجها رواية «أمطار كانون الثاني»؟
كتبتها خلال خمس سنوات، كنت أدونها على شكل مسودات ثم أعيد كتابتها من جديد إلى أن وصلت إلى مستوى بدأت أشعر معه بالاقناع والاقتناع أنها صارت صالحة للنشر، تدور أحداثها داخل فندق مهترئ، ظاهره غير باطنه، فندق يأخذ الأرواح، يسلب الأعمار، مقبرة كبيرة لمن لا قبر له، يقبع خلف العمران، خلف الضوء والحياة، يحاط بالقمامة وبواقي الطعام، الأثاث البالي، صرف المنازل، لهذا يعد بطل العمل.
ما سر اختيارك لهذا العنوان؟
بسبب عشقي الأزلي للمطر، للأمطار علاقة حميمية مع الانسان، أشبه بمواساة لمعاناتنا، بين الانسان والمطر صلة وثيقة بفضل تكويننا الطبيعي، رؤية المطر وهي تغسل المباني، الشوارع، الأشجار، تساعد على الراحة النفسية، كلنا نحتاج لأمطار تزيل عنا غبار الحياة من هموم كلنا بحاجة للاغتسال تحت المطر لنزيح عن كواهلنا المشكلات، نعيد ترميم حياتنا، بعد هطول كل أمطار، دائما هناك بدايات جديدة، حالمة، مفعمة بالأمل نابضة بالحياة.
هل بطل روايتك مجنون، مريض أم شاذ؟
بطل روايتي شخص منسي، ضائع، ينتظر على حافة الحياة، وضعته الظروف في موقع لا يحسد عليه، فلا هو مذنب ولا هو مدان، فوجب وصمه بالمتهم، لا هو يتخيل ما مر به فجعله هذا مريضا مجنونا، هو فقط شخص تعرض لضغوط من الحياة والواقع أثرت عليه لوهله، فأستيقظ ليجد نفسه ضائعا ًوسط رفاقه.
هل الفندق يحمل لعنة ما تدفع الجميع لحافة الموت؟
الفندق مقبرة لمن لا قبر لهم، أنه يجمع الموتي، يجمع أشباح سكانه القدامي، يجمع ذكريات أيامه الجميلة التي سرعان ما رحلت، كل تلك الأمور تعيش مع العجوز الحزينة وحفيدها الخائف، الفندق رمز لبلاد كثيرة هجرها أحباؤها، أحتمي بها أشباه بشر، في محاولة أخيرة لانقاذ بقايا بشر، بقايا حياة كانت هاهنا يوماً، الفندق سجن وملاذ لمن لا مأوي له، تماماً كالأوطان، قاسية، حانية، مميتة، احتضانها يميت، احتواءها يقتل، ملاذ قاتل تماماً كما ورد بالرواية.
لماذا كانت الجدة تقتل كل من يدخل الفندق؟
هذا السؤال قد يكون موجها للقارئ، قد تكون الاجابة في الرواية أحد احتمالين، فهي قاتلة كما اكتشف حفيدها، أو امرأة رؤوم وما كانت تقوم به هو انقاذ الجثث المرمية في الشوارع كما يراها المحامي، أظن أنها كانت تقتل كل ما يرمز للحياة بصلة، هي فقط تعشق الموت والظلام، تتقن ازهاق الأرواح، هناك حقائق أكثر أدعها للقارئ كي يكتشفها، أعتقد أن الاجابة تعتمد على نظرة القارئ ومزاجه.
ما مصدر التفاصيل الطبية الدقيقة الخاصة بالطب النفسي في روايتك؟
كثيراً ما قرأت في الكتب النفسية، لكن ما استطعت توظيفه في الرواية هو ما اكتسبته من مراقبتي المستمرة لأدق التفاصيل الناتجة من الناس الذين أراهم من حولي، اضافة للأحاديث دائما مع كبار السن، أعرف ما في حكاياتهم من تجارب وحياة عميقة، هذا ليس لغرض الكتابة، بل أعتقد أنه هاجسا نفسيا يجعلني أشعر بالدفء قربهم وقرب أحاديثهم
لماذا جعلت الأمطار شريكة أبطالك في معاناتهم؟
الأمطار تواسي معاناتنا، تمسح همومنا، نخدر برائحتها، نزداد دفئا وطمأنينة حين نراها وهي ترتطم بالنافذة أو تهطل فوق سقف المنزل، أنها تحمل ذكريات طفولتنا اذ كنا نركض ونلعب تحت الأمطار.
ما مغزي اعتمادك على المدرسة الوصفية في كتاباتك؟
احدي مهام الكاتب أن يجيد التصوير، التفاصيل جزء مهم من السرد الروائي، لا غني عنه، أنا من عشاق التفاصيل، أحب أن أشارك الأبطال مشاعرهم، أشعر بملمس الأشياء أثناء القراءة، أعشق رائحة الأحداث، سعيت لتقريب الصورة أكثر مع الحفاظ على دقتها لاعطاء الأحداث حقها، اعطاء القارئ ما يحتاجه من متعة أثناء القراءة، الاهتمام بالتفاصيل يثري العمل، يجعل القارئ جزء من الرواية، يمشي على الرمال والأراضي المبللة بالأمطار، يسير بين الزراعات، يحلق في الفضاء، يرى بعين الطائر.

صحوة الحزن
لماذا يجد المرء نفسه حينما يتألم أو حينما يحزن؟
الحزن يجعلنا نلتفت لكل ما حولنا، نهتم لأدني الأمور عندما نحزن، أما الألم فصحوة لما فاتنا، حين نحزن أو نتألم تكون نظرتنا لما حولنا أعمق، عقب كل تجربة مؤلمة دائما، حياة تبدأ من جديد، لأننا نعيد ترميم حياتنا استعداداً لاكمال مشوار الحياة، الألم وقود الحياة، بدونه تصبح الحياة متشابهة، مملة، رتيبة، الألم يخرج أجمل ما فينا، يعيد اكتشاف من حولنا من أشخاص، في الغالب الشخص المتألم يصطدم بمن حوله ومن معه، من هنا يستطيع فرز علاقاته، تقوية علاقاته مع من يستحق، لأنه تحمله في أحلك فترات حياته، عاشره أثناء فقدانه لاتزانه تحت وطأة الألم، من هنا كان للألم الفضل الأكبر كي تستمر الحياة.
هل النوم في الظلام عقاب أم علاج؟
في الظلام نلتقي بمخاوفنا، كلما كبرنا في العمر قل خوفنا من الظلام، هناك من يعتبر الظلمة وحشة، مصدر للخوف، تماماً كظلمة القبر، رغم أنه لم يجربها حيا، كي يصفها بالوحشة والفزع، من هنا صارت مصدراً للخوف ورمزا للرعب، الظلام والليل فرصة لنخلو بأنفسنا فرصة للجوء للراحة والهدوء، بعيداً عن صخب الدنيا، فرصة لتصفية الذهن من الضجيج، لاستعادة أجمل الذكريات، الظلام سلاح ذو حدين لكل منا نصيب منه.
ما أضرار الظلام على الانسان الطبيعي؟
يعتمد على قدرة الانسان، هناك من يخشى الظلام، يسمى نيكتوفوبيا، هناك من يحبون الظلام، يجدون فيه سعادتهم وراحتهم، يفضلون الليل على النهار، يعشقون هدوءه، يعتبرونه رمزا للاستقرار، المودة، الرحمة، منا من ينشط ليلاً وطبيعة عمله ضد كل ما هو واضح، جميل، نقي، هؤلاء يتسترون بظلامه، يخشون أشعة الشمس، الليل ستار للعديدين، كل منا يعشقه وفق أهواءه.
ما العقبات التي واجهتك؟
كل شخص تواجهه الكثير من العقبات حينما يخطو نحو تحقيق هدفه، ليصل يجب أن يعتبر مشكلاتنا تحديات ويتغلب عليها، هذا هو المفهوم العام، لكن الاحباط دائماً ما يشكل أكبر أعدائي، ككاتب مبتدئ، دائماً ما أعاني من تهجمات ليس لها صلة بالانتقاد، للأسف تصدر من أساتذة وكتّاب، يرون أن كتابة الرواية أمر متعلق بهم فقط.
ما رؤيتك للحل؟
أعتقد أنها محنة سوف نجتازها بالتقدم بالعمر، لازلنا نفتقد النقد المحايد، فالكتابة ليست حكراً على جيل محدد، ليست حكراً على أفراد بعينها، الكتابة أمانه ورسالة كل صاحب قلم.
كيف واجهت مشكلات النشر؟
النشر أيضا من أكثر العقبات التي قد تواجه أي كاتب عربي ناشئ، فنحن في أوطان نركض فيها خلف قوت يومنا، الكتاب والكتابة تعد سلعاً استفزازية عند البعض، كما تحتكر الساحة الأدبية من قبل تيارات محددة وأسماء بعينها، مما يضيق الخناق على الأقلام الشابة التي تحاول تجديد دماء الثقافة وتحريك المياه الراكدة دون جدوي، جيلنا جيل تعامل مع الطائفية والمحتل، انتصر، لن يرضخ للبيروقراطية والروتين، جيلنا جيل محارب، لن يهدأ الا اذا أثبت وجوده، صعد بموهبته، قلمه، ابداعه.
كيف ترى الشأن الثقافي العراقي؟
أحب أن أكون متفائلاً، أعتقد أن الأدب بدأ يزدهر أكثر في هذه الفترة، كما ساهمت المسابقات في تحفيز الكتاب، يوجد ازدياد ملحوظ للمكتبات ودور النشر، توسع وعي الناس نحو الكتاب وادراكهم لمدي أهميته في حياتهم بشكل خاص، في حياة المجتمع بشكل عام، خاصة في ظل انتشار الانترنت الذي فتح لنا أبواباً كنا نظن أنها مغلقة، أتاح لنا الاطلاع على مختلف الثقافات والجمهور العربي النهم للقراءة، المشجع لأدب الشباب، كل هذه عقبات ذللتها التكنولوجيا.
هل سيؤثر ذلك مستقبلا على الثقافة؟
ستشهد حتما طفرة، يحمل لواءها جيل عاشر المأساة، الموت، الدم، حاول أن ينأي بنفسه برقي عن أطماع السياسة، فساد المواطنين، جشع المحتل، جيل يطمح لكل ما هو مثالي ونقي، جيل يحرص بعضه على توثيق ما عاش بحيادية، بعضهم حاول بكتاباته طمس الحقيقة، لانتمائه لحزب ما وفصيل ما.
كيف ترى جيلك من الكتاب؟
بكل الأحوال يظل جيلنا جيلا محظوظا، لأنه ولد من رحم أزمات الأوطان، عاش الخوف، الفزع، الحروب، الدمار، لذا يكتب عن كل ما هو ضد ذلك، لذا أري مستقبل الثقافة في تقدم، فالحروف عمرها أطول من أي قرارات سياسة، طائفية، تحكمات محتل.
كيف ترى مستقبل الحياة بالعراق؟
لم تستقر الحياة في العراق الا في فترات قليلة، حالياً الشعب العراقي أغلبه نسي كلمة تفاؤل، رغم أننا تخلصنا من داعش ببحور من الدم لكن العراقيين يقولون هناك حرب أخرى، سيأتينا داعش آخر، ذاكرة الشخص العراقي مليئة بالحروب، تصورنا أصبح مشوشا، نسير بلا اتجاه محدد، تكثر الصعوبات يوماً بعد يوم، مشكلات اقتصادية، فساد اداري، سياسات فاشلة، سرقات هائلة، كلها تصب في شخصية الفرد العراقي، نحن متفائلون، رغم ان الواقع ينظر لنا بسخرية عندما نلفظ هذه الكلمة.
ما جديدك؟
لدي رواية أعمل عليها منذ 2016 تدور حول الحالة النفسية للفرد العراقي، وعن السلطات الدينية التي تسكن كل جزء في البلد، لم أستقر لها على اسم بعد.

آخر الأخبار