عبدالكريم

طلال السعيد

...ورحل الفنان الرائع، الرجل الخلوق، عبدالكريم عبدالقادر. حتى رحيله جاء هادئا مثل هدوء حياته، هذا الفنان الذي طاف الآفاق صوته حتى غطى العالم العربي كله، واصبح مطرب الخليج الاول من دون منازع، بعد توفيق الله بجده واجتهاده، وحرصه الشديد على نفسه، وفنه، وسمعته، ورغم شهرته الكبيرة، الا انه كان هادئا، ودودا، بعيدا جدا عن صخب الاعلام، والاضواء، والحفلات.
يحمل صفات النجوم، ويعيش معيشة الزهاد، وهذان النقيضان من الصعب جدا ان يجتمعا في شخص واحد، الا ان الذي يعرف هذا الانسان عن كثب يعرف هذا المعنى!
يحمل عبدالكريم من اسمه صفات، فقد كان، رحمه الله، كريم النفس، وكريم الخلق، وكريما في بيته، ومع الناس كريم في قلبه، وبيده.
كريم بعطائه الذي لم يتوقف، حتى قبيل رحيله الى رحمة الله الواسعة، فقد عرفت هذا الانسان الرائع قبل سنوات طويلة، ولم اعرف في يوم من الايام انه على خلاف مع احد نهائيا، فقد كان رسول سلاما ومحبة دائما.
وكان شديد الحساسية تجاه اعماله الفنية التي يختارها بدقة، ويعتذر برقي عن الذي لا يناسبه مما يعرض عليه.
تعاون الراحل مع صغار وكبار الكتاب والملحنين، ولم يكن يهتم للاسم بقدر اهتمامه بجوهر العمل، ولم يذكر احد انه كان ماديًا في تعامله، بل كان قنوعا حامدا شاكرًا، لا تهمه الماديات، وليست اولوية عنده.
وهذا هو الفنان الاصيل، فقد ابتعد عن الحفلات والسمرات، ولم يذكر انه غنى في حفل خاص.
اطلق عليه لقب "الصوت الجريح" نظرا الى نبرة محببة في صوته الشجي، وقد يتصورها البعض نبرة حزن تلامس القلوب، الا ان الواقع يقول انه يعايش كلمات اغانيه، فيعطي كل كلمة حقها، وهو يغني، فقد كان رحمه الله صوتا معبرا مؤثرا، وليس جريحا، ويكفي ان تسمع منه رائعة "وطن النهار"، لتعرف عمق صوته الذي يعتبر في حد ذاته اغنية مؤثرة!
رحمك الله، يا ابا خالد رحمة واسعة، فقد كنت العمود الاوسط في الفن الخليجي، ورغم ذلك لم يكرم من قبل وزارة الاعلام وفروعها، مثل المجلس الوطني للثقافة والفنون الاداب، التي يفترض انها الراعي الرسمي للفن في الكويت.
ولم يكرم هذا الانسان الرائع، اما الان وقد رحل، فسوف نسمع منهم عبارات الاطراء، فماذا يستفيد منها الراحل الكبير؟
نقول لهم: لحقوا على بقية الرواد، واجعلوهم يشعرون بأهمية ماقدموه وهم احياء، واسأل الله ان يغفر لصديقي العزيز عبدالكريم عبدالقادر، ويلهم اهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان...آمين.